…
على وقع تبادل الضربات الصاروخية بين إيران وإسرائيل، حطّ الموفد الأميركي توماس بارّاك في بيروت ضمن مهمّة مؤقّتة تفصل بين إبعاد مورغان أورتاغوس عن الملفّ وانتظار تثبيت تعيين جويل رايبورن لمنصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ووصول السفير الأميركي الجديد مايكل عيسى الذي ينتظر بدوره جلسة استماع في الكونغرس. فماذا يحمل بارّاك في جعبته؟
فعليّاً، يشغل بارّاك منصب السفير الأميركي في تركيا، لكنّه المبعوث الخاصّ للرئيس الأميركي إلى سوريا، وهو ما يعني أنّ أولويّة اهتماماته هو الملفّ السوري بتشعّباته وتعقيداته، التي يشكّل لبنان جزءاً منها لناحية الحدود وفي قلبها ملفّ مزارع شبعا، ولناحية ملفّ النازحين الذي يثقل كاهل لبنان منذ عقود، ولناحية ملفّ إعادة الإعمار الذي انطلق في سوريا فيما يرغب لبنان أن يكون جزءاً منه.
يشغل بارّاك منصب السفير الأميركي في تركيا، لكنّه المبعوث الخاصّ للرئيس الأميركي إلى سوريا
لكنّ الشغور الحاصل في الملفّ اللبناني، في ما يتّصل بالمتابعة المباشرة من الإدارة الأميركية لملفّ تسليم سلاح “الحزب” بشكل خاصّ، قد يضيف بنداً على جدول مهامّ بارّاك ليصير لبنان من ضمن متابعاته في المنطقة ولو بشكل مؤقت، خصوصاً أنّ المؤشّرات تدلّ على أنّ إيداع هذا الملفّ في الخارجية الأميركية عند رايبورن أوّلاً، وعيسى ثانياً، لا يزال دونه وقت طويل. إذ تبيّن أنّ رايبورن قد خضع لجلسة استماع في الكونغرس في 15 أيّار الماضي، لكن حتّى اللحظة يواجه تعيينه تعقيدات عدّة:
– لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ رفضت طرح ترشيحه للتصويت في أوائل حزيران، وأيضاً في اجتماع أمس 19 حزيران.
– هناك معارضة من الديمقراطيين في اللجنة، بالإضافة إلى معارضة من السيناتور الجمهوري راند بول، فأصبح التصويت في اللجنة متعادلاً (وهو ما يعني فشلاً في اللجنة لعدم حصوله على أغلبيّة).
– لا توجد خطط واضحة للتصويت على ترشيحه في مجلس الشيوخ بكامل أعضائه في المدى القريب، خاصّة مع اقتراب عطلة الرابع من تمّوز والتركيز على مشاريع قوانين الميزانية.
بالتوازي، من غير المرتقب وصول السفير الأميركي مايكل عيسى إلى لبنان، في وقت قريب، لا بل تتحدّث المعلومات عن تأخير تقنيّ قد يرحّل وصوله إلى آخر السنة، وأقلّه إلى شهر تشرين الأوّل. إذ حتّى اللحظة لم يُدرج تعيينه على قائمة برنامج لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ للاستماع إليه، وهو ما يعني أنّ المسألة قد تُبعَد إلى ما بعد عطلة الصيف. ولذا ستستمرّ السفيرة ليزا جونسون في موقعها خلال الأشهر القليلة المقبلة إلى حين تثبيت تعيين عيسى.
من هذا المنطلق، وحرصاً من الإدارة الأميركية على المتابعة الدقيقة للملفّ اللبناني، وإضفاء طابع الاستثنائيّة عليه في ضوء الظروف العسكرية المحيطة، أوكلت هذه المهمّة إلى بارّاك في هذه المرحلة الانتقالية. الأمر الذي ترك شيئاً من الانفراجة في صدور المسؤولين اللبنانيين بعدما “تخلّصوا” من استفزازيّة سلوك أورتاغوس.
من غير المرتقب وصول السفير الأميركي مايكل عيسى إلى لبنان، في وقت قريب، لا بل تتحدّث المعلومات عن تأخير تقنيّ قد يرحّل وصوله إلى آخر السنة
هل تتغيّر المقاربة الأميركيّة مع تغيّر الوجوه؟
تقرّ مصادر رسمية أنّ مقاربة الإدارة الأميركية للملفّ اللبناني واضحة، وتشمل حصريّة السلاح بيد الدولة اللبنانية، لكنّ للأشخاص تأثيرهم وسلوكهم الذي قد يساعد أو يعرقل. تقول إنّ العلاقة الوجدانية التي تربط بارّاك بلبنان، وهو من أوائل من طالبوا باستعادة جنسيّتهم اللبنانية، وقام بزيارة تضامن إنسانية لبيروت بعد وقوع انفجار المرفأ، قد تكون عاملاً إيجابياً في تفهّم الموقف اللبناني الرسمي الحريص على عدم حصول أيّ اصطدامات داخلية بفعل العمل على تسليم سلاح “الحزب”.
إنّ إحاطة بارّاك بتعقيدات الملفّ اللبناني وخصوصيّته، لأنّه ابن هذا النسيج ويعرفه تماماً، قد تساعد على شرح الموقف اللبناني بشكل دقيق أمام إدارته. ويقضي هذا الموقف بتوسيع الرقعة الزمنية وتحصينها بالحوار والتفهّم قبل تحقيق حصريّة السلاح.
لكنّ لبعض المطّلعين على حقيقة موقف الإدارة الأميركية من خلال مسؤولين في الخارجية أو في البيت الأبيض، وجهة نظر أخرى. يقول هؤلاء إنّ التعبير عن الموقف، سواء بالأسلوب الحادّ كما فعلت أورتاغوس، أو بالأسلوب الليّن كما يفعل بارّاك، لا يبدّل في الجوهر. وينقل هؤلاء عن مسؤولين أميركيين، وحتّى عن السفيرة جونسون، شكوى جليّة من تباطؤ السلطة اللبنانية في مهمّتها، التي يُنتظر منها، كما ترى واشنطن، أن تبادر إلى خطوات عملانيّة تُسهم في تسريع هذا الملفّ وإنهائه.
يضيف المطّلعون أنّ السلطة اللبنانية تتصرّف على قاعدة أنّ الظروف السياسية تفعل فعلها، سواء لناحية الاستهدافات الإسرائيلية، أو لناحية المفاوضات الأميركية – الإيرانية، أو لناحية ضبط السلطات السوريّة لحدودها ومنع تهريب الأسلحة. ولذا تتجنّب السلطة اللبنانية الاحتكاك المباشر أو التصادم غير المرغوب به مع “الحزب” لإلزامه بتسليم سلاحه، خصوصاً أنّ إسرائيل ترفض تنفيذ التزاماتها في اتّفاق وقف إطلاق النار.
لكنّ سياسة تدوير الزوايا من جانب السلطة لا تلقى قبولاً لدى واشنطن، كما ينقل المطّلعون، لأنّ الإدارة الأميركية تريد من لبنان الانتقال إلى مربّع المبادرة، وعدم التعويل على الوقت ولا على العوامل الخارجية التي قد تتطلّب أشهراً قبل انتهائها، بينما المطلوب من لبنان تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار وحصر السلاح بيد الدولة في وقت سريع…. وإلّا سيُترك لمصيره، سواء لناحية مواصلة الاعتداءات الإسرائيلية أو التضييق الماليّ.
معلومات رسمية: لقاء بارّاك مع رئيس الجمهورية جوزف كان ممتازاً
بالنتيجة تفيد المعطيات أنّ واشنطن غير مقتنعة بكلّ المبرّرات التي تقدّمها السلطة اللبنانية لعدم إقدامها على خطوات عملانية، خصوصاً أنّ مساعي تحريك ملفّ السلاح الفلسطيني لا تزال معلّقة، ومن دون نتائج فعليّة، الأمر الذي قد يزيد من حدّة الانطباع السيّئ الذي تكوّنه واشنطن عن لبنان.
ماذا عن مفاعيل الحرب الإسرائيليّة – الإيرانيّة؟
حتّى الآن، وإذا لم تحصل مفاجآت من خارج السياق، كأن يبادر “الحزب” إلى الانخراط في الحرب، ثمّة من يعتقد أنّ الحرب الإقليمية قد تكون فرصة للبنان لأنّها تساهم في تسريع وتيرة تسليم سلاح “الحزب”، في ضوء الورشة التي انطلقت في صفوفه لإعادة المراجعة على أعلى المستويات لكلّ الملفّات.
للإشارة، قال بارّاك بعد لقائه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي: “جئنا إلى لبنان لنؤكّد التزامنا مساعدته وتجنّب تكرار أيّ سيناريو حرب في المنطقة، وإذا قرّر “الحزب” التدخّل في الحرب الحالية، فسيكون ذلك قراراً سيّئاً”.
تحدّث عن تعقيدات الأوضاع الراهنة في العالم، مشدّداً على أنّ الولايات المتّحدة تؤمن بإمكان إحراز تقدّم في مسار السلام مع القيادة اللبنانية الجديدة، قائلاً: “نحمل رسالة أمل، ونؤمن أنّ التحسّن ممكن، ونحن ملتزمون مساعدة لبنان”.
إقرأ أيضاً: لاكروا: التّجديد لليونيفيل “أصعب”.. لكنّه ممكن
في المعلومات الرسمية، أنّ لقاء بارّاك مع رئيس الجمهورية جوزف كان ممتازاً، حيث تأكد للمعنيين أنّ التشويش الذي كان يُمارس على زيارات الموفدين الدوليين، كان داخلياً بامتياز، ولا يمتّ بصلة إلى حقيقة الموقف الدولي من لبنان.
كذلك كان اللقاء، وفق المعلومات الرسمية، فرصة للتأكد أنّ واشنطن حريصة على لبنان وتقدّر كل خطوة قامت وتقوم بها السلطة، حيث أعرب باراك عن كامل استعداد بلاده للوقوف إلى جانب لبنان لمساعدته لإنجاز استعادة سيادته. بالخلاصة، كان تطابقاً في وجهات النظر بين الجانبين، وتوافقاً على الاستمرار بالاتصالات وعقد اللقاءات عند الضرورة.