…
تتربّص المخاطر بالمنطقة برمّتها وبلبنان، واستمرار المواجهة العسكرية ستحكم الأسبوعين المقبلين. توقّعت الناطقة باسم دونالد ترامب أن يتّخذ الأخير خلالهما قرار المشاركة في الحملة العسكرية على إيران أو التفاوض. إنّهما الفسحة الزمنيّة لاستكشاف تنازلات الجانب الإيراني الذي يتولّاه أكثر من وسيط. لكنّ المؤكّد أنّ أيّ تفاوض علنيّ سيجري هذه المرّة بشكل مباشر، ولن يكون غير مباشر كما حصل في الجولات الخمس السابقة في عُمان وروما. وما نقلته الموظّفة في البيت الأبيض كارولين ليفيت عن الرئيس الأميركي أول من أمس من أنّ للتفاوض فرصةً “حيويّةً” كان بياناً مكتوباً بدقّة.
لم يكرّر ترامب طلب الاستسلام ولم يتحدّث عن إسقاط النظام، بل أوضح أنّ “أيّ اتّفاق مع إيران يجب أن يوقف تخصيب اليورانيوم تماماً، ويمنع امتلاكها السلاح النووي”. ترك التصعيد لبنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس لينتقما من أضرار الصواريخ الإيرانية في تل أبيب وحيفا.
نظريّة “السلام بالقوّة” لسلفه رونالد ريغان هي أحد مبادئ ترامب، لكنّ الأمور تُقاس بمدى التشنّج. فوزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي رفض مجدّداً أمس التفاوض مع الجانب الأميركي بحجّة انحيازه لإسرائيل، وهو أمر يخالف قول ترامب إنّهم “مستعدّون للمجيء إلى البيت الأبيض”.
غاص بارّاك في بعض جوانب العلاقات اللبنانية السورية بصفته مبعوثاً خاصّاً إلى دمشق، لا سيما من زاوية الحاجة إلى ضبط الحدود وترسيمها لمنع تهريب السلاح
بارّاك يتفهّم الظّروف لكنّ الصبر ينفد
من أبرز ما سمعه مسؤول لبناني في بيروت من الموفد الرئاسي الأميركي إلى سوريا السفير في تركيا توم بارّاك قوله إنّ “هذه الحرب (بين إسرائيل وإيران) ستتوقّف بنهاية المطاف. من الأفضل للبنان ألّا يتدخّل فيها فيدفع ثمناً كبيراً بالنتيجة”.
قالها بطريقة واقعية، ناصحاً وليس مهدِّداً. تميّزت محادثات بارّاك السريعة في بيروت بجملة انطباعات:
بدا بارّاك، على خشونة مظهره الرجولي، أكثر “نعومة” من لغة مورغان أورتاغوس القليلة الخبرة، على الرغم من أنوثتها التي توّجتها سابقاً ملكة جمال المراهقات في ولاية فلوريدا. فَهِم الرؤساء الثلاثة من أسلوبه في نقل الموقف حيال لبنان، ولا سيما قضيّة نزع سلاح “الحزب”، أنّه يتفهّم الظروف التي يواجهها حكّام البلد الجدد في مقاربة هذه المسألة. لكنّه حثّهم على المثابرة في الإنجاز من دون تحديد مهلة. دعا اللبنانيين إلى الاستفادة من فرصة متاحة ونادرة “كي يطوي لبنان صفحة الماضي”، وينطلق نحو آفاق دولية جديدة، مشيراً إلى أنّه ليس في واشنطن الكثير من الصبر. أبدى استعداداً لحثّ إسرائيل على الانسحاب، لكنّه قال إنّه بقدر ما يستعجل لبنان خطواته، يكون ذلك أفضل، واعداً بالمساعدة مع دول الخليج في توفير الدعم للبلد.
رسائل “الحزب”: لن نتدخّل؟
بقدر اهتمام بارّاك بتنفيذ لبنان قسطه من اتّفاق وقف النار لجهة منع ما يصفه الإسرائيليون تهديد أمن المناطق الشمالية بإلغاء سلاح الميليشيات، يتركّز الهمّ في واشنطن على عدم انضمام الجبهة اللبنانية إلى الحرب ضدّ إسرائيل إسناداً لإيران، في حال مشاركة أميركا فيها، أو في حال طلبت إيران من أذرعها الانخراط فيها. ومع ذلك سبقت مجيء بارّاك إلى بيروت اتّصالات في الداخل وفي واشنطن، ونُقلت رسائل من “الحزب” إلى من يلزم بأنّه لن يتدخّل في الحرب الإيرانية الإسرائيلية. تولّت جهات عدّة نقل هذه الرسائل إلى القصر الرئاسي، مروراً بجهات أوروبية، ومنها فرنسا التي تُبقي سفارتها في بيروت على خطوط تواصل مع “الحزب”. تقول هذه الرسائل إنّ “الحزب” غير معنيّ ولن يتدخّل في الحرب. جاء ذلك قبل أن يعلن الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم: “لسنا على الحياد”. وهذا ما دفع جهات لبنانية إلى إبلاغ بارّاك أنّ “الحزب” تلقّى من السلطات اللبنانية الموقف المناسب كي لا يورّط لبنان ويستدرج إسرائيل إلى هجوم عنيف على البلد. وتسرّب أنّ ردّ الفعل قد يشمل احتلال الجنوب حتّى النهر الأوّلي. وتردّد أنّ بارّاك تحدّث أيضاً عن عقوبات في حقّ المسؤولين الذين يعرقلون التقدّم في إرساء الحلول.
غاص بارّاك في بعض جوانب العلاقات اللبنانية السورية بصفته مبعوثاً خاصّاً إلى دمشق، لا سيما من زاوية الحاجة إلى ضبط الحدود وترسيمها لمنع تهريب السلاح.
بارّاك: “هذه الحرب (بين إسرائيل وإيران) ستتوقّف بنهاية المطاف. من الأفضل للبنان ألّا يتدخّل فيها فيدفع ثمناً كبيراً بالنتيجة”
واشنطن لتمتين العلاقة مع برّي وجنبلاط
سبق حضور بارّاك إلى بيروت، التي انتقل منها إلى السعودية، على أن يعود بعد 3 أسابيع، نقاشٌ في واشنطن بين دوائر الخارجية والبيت الأبيض في طريقة التعامل مع لبنان. الأوساط اللبنانية التي اطّلعت على هذا النقاش أفادت بأنّ بعض المغتربين اللبنانيين الذين أيّدوا ترامب للرئاسة ذهبوا بعيداً في التحريض على المسؤولين اللبنانيين بحجّة أنّهم يتساهلون مع “الحزب”. ساهمت السفارة في بيروت في هذا النقاش عن بعد، وتقول أوساط سياسية محلّية تابعت ما جرى إنّ المسؤولين الأميركيين تبنّوا خياراً قديماً يتمثّل بأنّ واشنطن تحتاج إلى تمتين العلاقة مع رئيس البرلمان نبيه برّي لأنّه الأقدر على صياغة اتّفاق في مسألة السلاح وغيره. وحسب المعطيات أنّ النافذة الضيّقة لإمكان إيجاد حلول للملفّ النووي الإيراني والصواريخ البالستية تتيح محاولة إحداث تقدّم في بيروت أيضاً. نتج عن ذلك حسب مصادر دبلوماسية أنّ هذه الخلفيّة جعلت الكيمياء تجري بسرعة بين بارّاك وبرّي. وهذا ما يفسّر تسريب برّي إثر اجتماعه “الممتاز” بالموفد الأميركي أنّ بارّاك “دبلوماسي محترف وملمّ بتفاصيل المنطقة ولبنان”. وتؤكّد مصادر دبلوماسية أنّ خبرته السابقة في منطقة الخليج تعزّز دوره على صعيد المنطقة ككلّ.
إقرأ أيضاً: بارّاك في مهمّة انتقاليّة: السّلاح أوّلاً
كان لافتاً أنّ بارّاك زار الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بعدما كانت أورتاغوس تعاطت معه بطريقة سلبية إثر انتقاده تصاعد ضغوطها على لبنان في شأن السلاح. يتساوى الاهتمام الأميركي بعلاقة جيّدة مع برّي بالحرص على علاقة مع جنبلاط.