ثمانية أيام من التصعيد المتواصل، بين صواريخ دقيقة وهجمات بطائرات مسيّرة وانفجارات تتنقّل من طهران إلى حيفا، كانت كفيلة بتحويل النزاع بين إيران وإسرائيل من مواجهة محدودة إلى حرب مفتوحة. ومع إعلان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي، إيال زامير، أن على الاسرائيليين الاستعداد لـ”حملة طويلة” و”أيام صعبة”، بدا واضحاً أن الضربة الاسرائيلية الأولى لم تكن نهاية المعركة، بل بدايتها.
في المقابل، وبينما كان الايرانيون يجرون محادثات غير مباشرة مع الأوروبيين في جنيف، انعقد مجلس الأمن القومي الأميركي على وقع مستجدات المعركة، وطرحت على طاولته خيارات متعددة، أبرزها: تنفيذ ضربة عسكرية محدودة ضد المنشآت النووية الايرانية.
الرئيس دونالد ترامب أعلن أنه سيحسم موقفه خلال “أسبوعين”، لكنّ أوساطاً سياسية وأمنية ترى أن هذه المهلة قد تكون مجرّد غطاء لخطة مباغتة، على الطريقة الاسرائيلية. ومع بدء انتشار حاملات الطائرات الأميركية في المتوسط، وتكثيف نشر أنظمة الدفاع الجوي، يعود شبح “الضربة المفاجئة” إلى الواجهة، ولكن هذه المرة بتوقيع أميركي.
المعطيات تتراكم: حاملة الطائرات “نيمتز” تمركزت في المنطقة وبدأت عملها، ومنظومات “باتريوت” و”ثاد” انتشرت بكثافة لحماية إسرائيل والخليج، فيما يلمّح البيت الأبيض إلى أن الحرب قد تكون الخيار الأخير إذا فشلت الديبلوماسية. فهل نحن أمام نسخة أميركية من “عملية الأسد الصاعد”؟ ضربة قصيرة، لكنها موجعة ومدروسة، تهدف إلى تدمير بنى تحتية نووية وإعادة واشنطن إلى واجهة القرار العسكري في المنطقة؟
ترامب يرفع السقف يوماً بعد آخر، يربط وقف التخصيب بأي تسوية، ويحمّل إيران مسؤولية تعطيل المسار التفاوضي. أما طهران، فتردّ بصواريخها، وتوسّع عملية “الوعد الصادق 3″، وتُصعّد بتهديداتها لتل أبيب وحيفا، ملوّحة بصواريخ أطول مدى وأكثر تدميراً.
إسرائيل التي شعرت بنشوة التفوّق في الأيام الأولى، تجد نفسها الآن في مواجهة نيران متصاعدة. الصواريخ تتساقط على بئر السبع وحيفا والقدس، والخسائر البشرية والمادية تتفاقم، وسط مخاوف من انهيار منظومة الاعتراض بسبب الكلفة العالية والنقص في الذخائر. أما إيران، وعلى الرغم من الخسائر، فتمضي في تكرار تكتيكها المزدوج: تقصف وتفاوض في آنٍ واحد.
ومع ذلك، يبدو أن المشهد يتّجه إلى مرحلة جديدة: مرحلة ما قبل المفاجأة، حيث تُكشَف التحركات علناً، لكن تُحسَم القرارات في غرف مغلقة، بين حسابات القوة ورسائل الردع.
وفي الانتظار، يبقى السؤال معلقاً: هل تكون الضربة الأميركية وشيكة؟ وإن حصلت، فهل توسّع رقعة الحرب إقليمياً؟ أم تكون الضربة الأخيرة قبل العودة إلى طاولة المفاوضات؟
إشترك بالقائمة البريدية
البريد الإلكتروني
إشترك الأن