ملخص
تدخل ترمب العسكري ضد إيران أربك توازنات “محور الاستبداد” الذي يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية، ووضع بوتين في مأزق بين حسابات المصالح والاصطفاف مع الحلفاء. تصاعد القتال وتعقيد المشهد الدبلوماسي يهددان بجعل ردود أفعال طهران وأصدقائها أكثر خطورة واندفاعاً في غياب استراتيجية أميركية طويلة المدى.
عندما وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو لتنسيق رد طهران على الضربات الأميركية الهائلة التي استهدفت المنشآت النووية لم يلتقِ نظيره سيرغي لافروف، بل اجتمع بالرئيس فلاديمير بوتين نفسه. وهذا في حد ذاته يحمل دلالات كبيرة على مدى اتساع تداعيات التدخل العسكري الذي أمر به دونالد ترمب.
التصعيد الكبير وتورط الولايات المتحدة المباشر في إيران، إلى جانب الصراع المتواصل بين إيران وإسرائيل، وتصريحات ترمب العلنية حول تغيير النظام، كلها عوامل تضع الزعيم الروسي في موقف صعب. فقد اضطر إلى إدانة الغارات الأميركية، فيما كانت قواته تمطر أهدافاً مدنية في أوكرانيا بالقنابل. ومهما كانت المطالب التي يحملها عراقجي إلى موسكو، فإن الأخيرة ستجد نفسها مضطرة إلى موازنة مصالح متعارضة عدة، قبل أن تلتزم بأي موقف يتجاوز الخطاب السياسي.
العلاقة بين طهران وموسكو يمكن وصفها، في أفضل الأحوال، بأنها غير متكافئة. فمنذ أن أطلقت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا، أصبحت إيران شريكاً بالغ الأهمية. ويعود كثير من نجاحات بوتين المبكرة في الحرب التي دخلت عامها الثالث إلى تزويد إيران لروسيا بأسلحة زهيدة الكلفة، خصوصاً آلاف الطائرات المسيرة من طراز “شاهد” التي لعبت دوراً محورياً في الغارات الجوية الروسية على أوكرانيا. أما في كييف فتتحدث بعض المصادر عن التفاؤل الحذر بأن إيران قد تتوقف عن تزويد روسيا بالأسلحة، نظراً إلى حاجتها لهذه الأسلحة في حربها ضد إسرائيل. وهو ما قد يدفع كوريا الشمالية إلى سد هذا النقص بتوفير مزيد من الجنود والصواريخ، مما يعمق اعتماد بوتين على بيونغ يانغ.
صحيح أن بوتين ندد علناً بالضربات الأميركية والإسرائيلية على إيران، بيد أنه يدرك، أكثر من أي زعيم آخر تقريباً، أن التصريحات وحدها لا تجدي. فقد استمع لغالب الدول الغربية وهي تندد بغزوه لأوكرانيا على مدى أكثر من ثلاث سنوات، لكن وفي غياب قوة رادعة تواكب الأقوال، واصل بوتين هجماته على دولة ذات سيادة بلا عوائق.
ومن المرجح أن يكون الكرملين في الوقت الحالي في وضع ترقب وانتظار، ريثما تتضح مآلات التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران.
وفي هذا الصدد أخبرني مسؤول أمني غربي أنه على رغم عدم توقعه أي دعم روسي ملموس أو مباشر لإيران في المستقبل القريب، فإنه يخشى في المقابل أن تفتقر إدارة ترمب إلى “المتابعة الدبلوماسية القادرة فعلاً على تحويل هذه الضربات إلى نجاح طويل الأمد”.
ومن الطبيعي أن تتعدد السيناريوهات المحتملة خلال الأيام المقبلة، بدءاً من دعم أميركي صريح لتغيير فوري في النظام، وصولاً إلى خرق دبلوماسي مفاجئ ينهي القتال ويقود إلى اتفاق في شأن البرنامج النووي الإيراني.
لكن المصدر الأمني يرجح أن يكون الواقع أقرب إلى منطقة وسطى، حيث يستمر القتال، ويصبح مستوى اهتمام ترمب بالتطورات هو العامل الحاسم في تحديد مدى استمرار هذا الوضع، وهنا تبدأ التعقيدات.
ما دلالات الشراكة الصينية – الإيرانية وسط التوتر ؟
وفي سياق متصل يكثر الحديث عن “محور الاستبداد” الجديد الذي يضم إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية. ويؤكد عدد من الدبلوماسيين ومسؤولي الاستخبارات أن هذا المحور أشبه بـ”زواج مصلحة”، لا بتحالف تقليدي.
وصحيح أنه لا توجد أيديولوجيا موحدة تجمع بين هذه الدول الأربع سوى كراهيتها للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن هذا وحده كان كافياً لتعاونها في نزاعاتها الجيوسياسية، سواء عبر الدعم الاقتصادي، أو العسكري المباشر، أو في حال كوريا الشمالية، من خلال إرسال جنود للقتال إلى جانب روسيا.
وقد نكون نعيش اليوم في زمن باتت فيه التحالفات التقليدية القائمة على القيم والمبادئ المشتركة – وخصوصاً تلك التي يقودها زعيم مقلق مثل ترمب – أقل استقراراً من تحالفات بين أنظمة استبدادية لا يجمعها سوى عدو مشترك ومصالح ذاتية.
ومن شبه المؤكد أن الصين وروسيا ترغبان في استقرار الوضع في إيران في أسرع وقت ممكن. وستتقدم غريزتهما في الحفاظ على الذات ونفورهما من أي نقاش علني في شأن تغيير الأنظمة على أي رغبة محتملة في مساعدة حليف يمر بأزمة.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى مناشدة الصين، التي تستورد النفط من إيران أكثر من أي دولة أخرى، للضغط على طهران كي تبقي مضيق هرمز، هذا الممر البحري الحيوي، مفتوحاً، تفادياً لأزمة اقتصادية عالمية.
ويبدو أن واشنطن تفترض أن الصين، في الوقت الراهن في الأقل، ترى أن الاستقرار والقدرة على توظيف النفوذ الإقليمي أهم من الوقوف إلى جانب إيران.
لكن، كلما ازدادت الصورة تعقيداً، قد يتغير هذا الحساب. فإذا لم يمتلك ترمب الحنكة الدبلوماسية اللازمة لاستثمار ضرباته الجوية، فإن سلوكه السابق يوحي بأن غرائزه الترمبية – المستمدة من شعار “جعل أميركا عظيمة مجدداً” – قد تدفعه إلى الانسحاب وترك الآخرين يتولون تداعيات الفوضى من بعده. وعندها، قد لا تمانع إيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية في تولي مهمة احتواء الفوضى وتوجيه مسار الأحداث العالمية بما يخدم مصالحها الخاصة.