الأخ الأكبر، المعروف ب”الازعر”، يشتم علناً وبأقذع الالفاظ، أخاه الأصغر الذي أفسده الدلال، ودفعه الى توريط الأسرة كلها بأزمة كبرى، وتعريض أفرادها لمخاطر وأكلاف لا تنتهي، ولا تقتصر على المحاكمة أمام القضاء بتهم الجريمة المنظمة والخديعة الموصوفة، عدا عن الكذب والافتراء.
ليس هناك توصيف آخر لما جرى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في الساعات التي أعقبت وقف إطلاق النار، مع إيران، والتي الأخ الأكبر ضاق ذرعاً بأخيه الفاسد، المدلل، وفقد سيطرته على نفسه وعلى دوره في تدبير شؤون الاسرة التي تمر بمرحلة حرجة، وخضعت في الأيام ال12 الماضية، لاختبارات لم يسبق لها مثيل لقوتها الماحقة، وهيبتها الفائقة، أمام بقية الأسر..والدول والشعوب التي تشهد على ذلك الخلاف العائلي المدمّر.
حتى قبل ان تبدأ تلك الازمة، وتتحول الى حرب ساحقة استخدمت فيها أسلحة محرّمة، بناء على حجج واهية واكاذيب مفضوحة، كان من الصعب التسليم بأن ترامب ونتنياهو هما زعيما دولتين “متقدمتين” يتصرفان على قاعدة صلبة من المصالح المشتركة لشبيعهما، وموازين القوى المختلة مع إيران، والتي لا يمكن أن تحسم أي معركة من الجو. الوقائع العسكرية التي سجلت منذ 13 حزيران، والصواريخ التي تطايرت في أجواء أكثر من 13 دولة، كانت حدثاً تاريخياً استثنائياً، بالفعل، بوصفه إستعراضاً عسكرياً مدوياً، وعرضاً مؤثراً للألعاب النارية.. كان بمثابة غطاء لسلسلة من الاغتيالات والتصفيات للقادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، ترافقت مع عمليات تدمير شاملة لمرافق حيوية في إيران، شملت حتى السجون والمخافر الأمنية التي نُقل إليها عشرات الجواسيس الايرانيين!
القصة بدأت عندما قرر الأخ الأكبر ترامب أن يستجيب لإلحاح نتنياهو المتكرر، بان يضرب إيران ومفاعلاتها النووية ( البدائية )، بخلاف إرادة الجمهور الأميركي، وخبرائه السياسيين والعسكريين والاستخباراتيين، الذين عارضوا صراحة السماح للأخ الأصغر ان يجر بلادهم الى حرب لا تريدها ولا ترى جدواها، ولا تود دفع تكاليفها، ولا ترغب في ان تمضي قدماً في مطاردة خطر نووي إيراني موهوم، وتتجاهل، بل وتتصالح مع خطر نووي روسي داهم ينذر أوكرانيا ومعها اقرب الحلفاء التاريخيين لاميركا من شعوب القارة الأوروبية!
كانت استجابة ترامب لطلب نتنياهو ورعايته وإشرافه المباشر على الحرب ومناوراتها وتكتيكاتها وأسلحتها وأدواتها مفاجئة لا تنسى. قدم خدمة تاريخية فعلا لرئيس الحكومة الإسرائيلية الذي لم يكن يحلم يوماً لا هو ولا من سبقوه في المنصب بأن يستدعي الجيش الأميركي الى الحرب، ويتباهى أمام شعبه بأنه أرفع مقاماً من ترامب، وأقوى نفوذاً منه، في واشنطن، وفي الكونغرس تحديداً الذي وقف لنتنياهو أطول مما وقف لأي زعيم آخر، ولم يجرؤ حتى على مساءلة الرئيس الأميركي حول دستورية وشرعية لجوئه الى الحرب مع إيران من دون مسوغ أمني أو إستخباراتي حتى سياسي مقنع.
لم يكن هناك تفسير واقعي لتورط أميركا في تلك الحرب العبثية ، سواء غباء الرئيس وحماقة وزرائه، ودهاء نتنياهو الذي لا يضاهى، والذي بدا، في شكره المتكرر لأميركا ولترامب على وقوفهم الى جانبه وجانب شعب اسرائيل، كمن يفاخر بكونه زعيماً عالمياً متميزاً في الحرب كما في السلم، يحرك الجيوش ويدير السياسات للقوة العظمى الوحيدة في العالم، ومعها العديد من دول الغرب التي كانت تستعد لارسال جيوشها للقتال مع الجيش الإسرائيلي.. للحؤول دون محاكمته على جريمة الإبادة الجماعية في غزة.
الشتائم التي يكيلها ترامب الآن لنتنياهو، في السر وفي العلن، ما هي إلا تعبير عن الغضب الشديد من إنتهازية الأخ الأصغر، الذي يمتهن كرامة أخيه الأكبر ويسيء الى مكانته ودوره الحاسم في “تدمير” برنامج نووي لم يُعثر له على أثرٍ جدي.. إلا في الخيال الإيراني المدمّر.
بيروت في 25 / 6 / 2025