لم يحمل اللقاء بين رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نواف سلام أي مؤشرات حاسمة حيال الورقة الأميركية التي نقلها الموفد توم باراك، والتي تتمحور حول مطلبين أساسيين: سحب سلاح “حزب الله”، وترسيم الحدود مع سوريا. فبين المواقف المعلنة والنوايا المضمرة، لا يزال مسار التفاهمات عالقاً في دائرة التريث، وسط تصعيد إسرائيلي متواصل يعقّد أي مسعى نحو تهدئة مستقرة.
الرئيس سلام حاول تثبيت مقاربة “متوازنة” في تعاطيه مع الورقة الأميركية، مشدداً على أن ما يُناقَش يجب أن ينبع من مصلحة لبنان أولاً، لا من إملاءات الخارج. وعلى الرغم من تأكيده مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة وبسط السيادة على كامل الأراضي اللبنانية، أقرّ بأن الوصول إلى الآلية التنفيذية لا يزال قيد التشاور، ومرهون بنتائج اللقاءات المقبلة، بما في ذلك تواصل دائم مع رئيس الجمهورية جوزاف عون واجتماع آخر منتظر مع بري.
أما رئيس مجلس النواب، الذي لم يصدر عنه موقف تفصيلي، فأبقى الأمور في مربّع المراقبة، بانتظار ما ستحمله مواقف “حزب الله” من مرونة أو تشدد. فالمعركة الحقيقية لم تبدأ بعد: هل سيوافق الحزب على إعادة النظر في سلاحه ضمن إطار تسوية شاملة تشمل الانسحاب الاسرائيلي والإعمار والضمانات الأمنية؟ أم أن الورقة الأميركية ستتحوّل إلى وثيقة نزاع إضافية تُغرق لبنان في مزيد من الانقسام والتدويل؟
الرسائل الصاروخية الاسرائيلية في الجنوب، والتي بلغت ذروتها خلال الساعات الماضية باستهدافات عنيفة لمنطقة النبطية وبلدات بنت جبيل، تضغط على الهامش الزمني لأي تفاوض لبناني داخلي، بينما تتوالى التحذيرات الدولية من خطر انفلات الوضع مجدداً.
اللافت أن تصعيد تل أبيب العسكري تزامن مع تحركات أميركية ديبلوماسية مكثّفة، ما أعطى الانطباع بأن التصعيد هو جزء من آلية ضغط سياسي لدفع بيروت نحو اتخاذ خطوات ملموسة في ملفات حساسة، في مقدمها ملف السلاح، كما أشار عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسين الحاج حسن، الذي اتهم واشنطن بالشراكة في العدوان.
في المقابل، تواصل الأمم المتحدة عبر قوات “اليونيفيل” محاولة تثبيت حدّ أدنى من الاستقرار الحدودي، على الرغم من التوترات المتكررة مع الأهالي وبعض الحوادث الأمنية.
لبنان أمام لحظة حاسمة. فالاجتماعات الرئاسية الثلاثية بين عون وبري وسلام تشكّل فرصة، لكن دونها ألغام سياسية وطائفية وأمنية. وإذا كانت واشنطن قد قررت تحريك الجمود، فإن إسرائيل قررت المواكبة بالقصف، والحزب بالمناورة، والدولة اللبنانية – كعادتها – تكتفي بـ”درس الأفكار”.