ملخص
الوضع قد يكون صعباً في الربع الأول من العام المقبل بسبب الانخفاض الفصلي في الطلب على النفط، ولكن أي اتفاق تجاري كبير بين الولايات المتحدة والصين سيبدد هذه المخاوف وسيرفع النمو الاقتصادي في كلا البلدين وغيرهما، ويرفع الطلب على النفط بأكثر مما تتوقع وكالة الطاقة الدولية.
انخفضت أسعار النفط في النصف الأول من 2025 لأسباب عدة أهمها ضعف النمو الاقتصادي في الصين، ومجيء الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، حيث انتشرت قناعة بأنه سيخفض أسعار النفط، والحروب التجارية، وفرض أو رفع التعريفة الجمركية.
أسباب انخفاض أسعار النفط
ولعل أهم سبب في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة هو تقلب آراء ترمب وسياساته، بحيث لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يقول أو يفعل، وهذه الأجواء منعت الشركات من اتخاذ قرارات بالاستثمار أو بالشراء، مما أدى إلى انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، كما أن الحروب التجارية أدت إلى تغيرات كثيرة أسهمت كلها في رفع الكلف وتباطؤ النمو الاقتصادي منها الشراء والاستيراد بكميات قبل تطبيق الرسوم الجمركية الجديدة (مثلاً، شركة “أبل” قامت بنقل عدد كبير من “الآيفون” وقطع الغيار على متن خمس طائرات شحن من الهند قبل تطبيق قرار رفع الرسوم الجمركية)، أو تمرير البضائع عبر بلد ثالث لتفادي الرسوم الجمركية العالية، أو نقل المصانع الصينية، بخاصة المتعلقة بالتجميع، إلى دول ليس عليها رسوم جمركية أميركية عالية.
هذا التغيير يحدث منذ فترة وبحركة استباقية من الصين، فقد كانت الصين الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة لسنوات طويلة، ولكن فجأةً أصبحت المكسيك هي الشريك الأول بسبب نقل المصانع والبضائع الصينية إليها وتصدير البضائع على أنها مكسيكية.
البعض يقول إن أسعار النفط انخفضت بسبب زيادات مجموعة الثماني لسقف الإنتاج، وزيادة الإمدادات من دول خارج “أوبك”، ولكن البيانات لا تؤكد هذا الكلام، فالأسعار انخفضت في الربع الأول وزيادة مجموعة الثماني لم تبدأ إلا في الربع الثاني، علماً أن السوق كان يتوقع تمديد التخفيضات، إذا لا يمكن ربط انخفاض الأسعار بزيادة سقف الإنتاج لمجموعة الثماني في “أوبك+”.
وعلى رغم قرار مجموعة الثماني زيادة سقف الإنتاج في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) الماضيين، فإن صادرات دول “أوبك+” انخفضت في كلا الشهرين، ومع أن الزيادة الكبيرة في صادرات يونيو (حزيران) 2025، فإنها أعلى من صادرات مارس (آذار) بنحو 40 ألف برميل يومياً فقط.
بعبارة أخرى، زاد سقف الإنتاج من قبل مجموعة الثماني في أبريل ومايو ويونيو بمقدار 960 ألف برميل يومياً، ولكن الزيادة في إمدادات الأسواق العالمية كانت بحلول 40 ألف برميل يومياً فحسب، فما هي الأمور التي تجاهلها المحللون عندما قالوا إن أسعار النفط انخفضت بسبب زيادة مجموعة الثماني للإنتاج؟ وما الأمور التي تجاهلوها عندما قالوا إن السبب أيضاً هو زيادة المعروض من دول خارج “أوبك”؟
أولاً، تجاهلوا أن ما قامت به مجموعة الثماني منذ بداية أبريل الماضي هو زيادة سقف الإنتاج وليس الإنتاج، بمعنى أن غالب الزيادة كان على الورق لأن الزيادة موجودة مسبقاً في السوق بسبب تجاوز كازاخستان والعراق لحصصهما الإنتاجية بصورة مستمرة.
ثانياً، تجاهلوا أن الطلب المحلي على النفط في الدول النفطية يزداد خلال فصل الصيف بسبب زيادة الطلب على التكييف، والذي يؤدي إلى زيادة الطلب موسمياً على الكهرباء، حيث تتم مقابلة هذا الطلب بزيادة حرق المنتجات النفطية في محطات الكهرباء.
ثالثا، تجاهلوا دور الحج في زيادة الطلب على النفط بصورة ملحوظة في مايو ويونيو، حيث يزيد الطلب على البنزين والديزل ووقود الطائرات وزيت الوقود.
وهناك أمر آخر تجاهله المحللون أيضاً ويتعلق بالسببين الثاني والثالث وهو زيادة واردات زيت الوقود في الدول النفطية أثناء فصل الصيف، بخاصة السعودية والإمارات، هذا يعني أنه يجب التركيز على صافي الصادرات بدلاً من الصادرات.
رابعاً، تجاهلوا أثر قف صادرات الكهرباء الإيرانية وصادرات الغاز الإيراني إلى العراق، والذي يعني بالضرورة زيادة حرق النفط في محطات الكهرباء لمقابلة الطلب المتزايد.
خامساً، تجاهلوا أن كازاخستان والعراق تعهدا تخفيض الإنتاج للتعويض عن التجاوزات السابقة، كما تعهدت الإمارات الالتزام بالحصص الإنتاجية، والذي يعني أيضاً تخفيض الإنتاج، وانعكس هذا على صادرات هذه الدول، حيث انخفضت، بخاصة في مايو 2025.
سادساً، تجاهلوا الانخفاض الكبير في صادرات فنزويلا والولايات المتحدة والبرازيل والإكوادور، والتي تجاوزت 1.1 مليون برميل يومياً في مايو الماضي.
وأخيراً، حصلت تطورات جديدة تدعم أسعار النفط، وهي زيادة الطلب على النفط في كل من العراق ومصر والأردن بسبب انخفاض صادرات الغاز الإيراني للعراق بسبب الحرب، وبسبب توقف ضخ الغاز الإسرائيلي على كل من مصر والأردن بعدما قررت إسرائيل إغلاق حقل لفاثيان خوفاً من أن تضربه إيران.
النفط يستقر مع تقييم المستثمرين لهدنة إيران وإسرائيل
في مصر تم استخدام الديزل في محطات الكهرباء، بينما تم استخدام مزيد من زيت الوقود في محطات الكهرباء في الأردن والعراق، وهذا ربما يعوض عن سحب الصين والهند من مخزونات النفط خلال الحرب.
وكانت أسعار النفط انخفضت بصورة كبيرة الأسبوع الماضي بسبب تسريب خبر وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران بنحو 12 ساعة من تطبيقه، ثم وقف إطلاق النار فعلاً، مما ألغى الزيادة في أسعار النفط المتعلقة باحتمالية إغلاق مضيق هرمز أو حدوث مشكلات قربه.
ماذا عن النصف الثاني لهذا العام؟
نظرة سريعة إلى توقعات وكالة الطاقة الدولية و”أوبك” وإدارة معلومات الطاقة الأميركية تشير إلى تباين واضح في تقديرات الطلب العالمي لعام 2025، ولكن هذا التباين تضاءل بصورة كبيرة عما كان عليه في عامي 2024 و2023، فوكالة الطاقة الدولية كانت ترى أن الطلب العالمي على النفط سينمو بمقدار 700 ألف برميل يومياً في 2025، بينما رأت “أوبك” أنه سينمو بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً، بينما تتفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية مع وكالة الطاقة الدولية إلى حد ما وترى أنه سينمو بمقدار 800 ألف برميل يومياً.
ولكن نحن الآن في وسط العام، فماذا عن النصف الثاني؟
تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 800 ألف برميل يومياً في الربع الثالث و400 ألف برميل يومياً فقط في الربع الرابع.
وترى “أوبك” أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً في الربع الثالث عما كان عليه في الفترة نفسها في العالم الماضي، و1.3 مليون برميل يومياً في الربع الرابع.
أما إدارة معلومات الطاقة فترى أن النصف الثاني أفضل بكثير من النصف، حيث تتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في الربع الثالث بمقدار 1.09 مليون برميل يومياً و1.18 مليون برميل يومياً في الربع الرابع.
المعروض
ترى كل من وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الأميركية أن المعروض من خارج تحالف “أوبك+” سيكون بنحو 1.3 مليون برميل يومياً عام 2025، بينما ترى “أوبك” أنه يكون في حدود 900 ألف برميل يومياً فحسب، ونتيجة لذلك فإن كلا من وكالة الطاقة وإدارة معلومات الطاقة تريان أن على “أوبك+” تخفيض الإنتاج أو أن المخزون سيرتفع، بينما ترى “أوبك” أن على دول “أوبك+” أن ترفع الإنتاج أو أن المخزون سينخفض.
وحقيقة الأمر أن ما يؤثر في السوق هو الصادرات وتغيرات المخزون وليس الإنتاج، ولو نظرنا إلى الصادرات البحرية حسب بيانات شركة “كبلر” في النصف الأول من العالم لوجدنا أنها منخفضة لدرجة أنها تمثل نحو عُشر الزيادة في 2022 وخُمس الزيادة في 2018، أما بالنسبة إلى المخزون، فالزيادة هي فقط 22 مليون برميل مقارنة بالعام الماضي، وهذا يدلنا على أن تقديرات كل المنظمات الثلاث لزيادة الإنتاج خارج تحالف “أوبك+” مبالغ فيها، بخاصة الزيادة من الولايات المتحدة والبرازيل.
وحسب تقديرات كاتب هذا المقال فإن نمو الطلب العالمي على النفط أقل من تقديرات “أوبك”، ولكنه أعلى من تقديرات وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة، وهذا كله يشير إلى أنه ليس هناك أي سبب لانخفاض أسعار النفط، وحتى لو قررت مجموعة الثماني في اجتماعها القادم بعد أيام رفع سقف الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يومياً، فإن هذا لن يخفض الأسعار، ويتوقع أن ترتفع الأسعار في ضوء التوافق الأميركي الصيني فيما يتعلق بالتجارة بينهما والتعريفة الجمركية.
الوضع قد يكون صعباً في الربع الأول من العام المقبل بسبب الانخفاض الفصلي في الطلب على النفط، ولكن أي اتفاق تجاري كبير بين الولايات المتحدة والصين سيبدد هذه المخاوف وسيرفع النمو الاقتصادي في كلا البلدين وغيرهما، ويرفع الطلب على النفط بأكثر مما تتوقع وكالة الطاقة الدولية.