أفادت مصادر تركية بأن حزب العمال الكردستاني بدأ رسمياً عملية تسليم أسلحته خلال مراسم «رمزية» في مدينة السليمانية في إقليم كردستان في شمال العراق ليترجم عملياً قرار حل نفسه الذي اتخذه بناءً على دعوة من زعيمه التاريخي عبد الله أوجلان.
وقالت وكالة أنباء «أنكا» التركية، الأربعاء، إن الأسلحة تم تسليمها من قِبل عدد من أعضاء حزب العمال الكردستاني إلى «وحدات معنية» في حفل في السليمانية بمشاركة القيادي البارز في الحزب مصطفى كاراصو.
وجاءت الخطوة، التي تبدو ذات طبيعة رمزية تهدف إلى بناء الثقة مع أنقرة، غداة زيارة لرئيس جهاز المخابرات التركي، إبراهيم كالن، لأربيل، الثلاثاء، لمناقشة خطوات إتمام عملية حل حزب العمال الكردستاني ونزع أسلحته في إطار مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب»، التي تهدف إلى القضاء على الإرهاب في تركيا والمنطقة.
والتقى كالن خلال زيارته لأربيل رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء، مسرور بارزاني، ونائبه قوباد بارزاني وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، ووزير داخلية الإقليم ريبر أحمد ومسؤولي الأمن في الإقليم. ونقلت شبكة «روداو» الكردية، إن كالن «أبدى رغبة بلاده في إنهاء الحرب والعنف».
مراسم في السليمانية
وأجريت مراسم تسليم السلاح بعيداً عن وسائل الإعلام، وفق مصادر كردية محلية تحدثت لـ«الشرق الأوسط». كما ذكرت وكالة «أنكا»، نقلاً عن مصادرها، أنه كاراصو سيشرف على التسليم في حفل يتم تسجيله وبثه تحت إشراف حزب العمال الكردستاني، كما يجري كاراصو تقييماً للعملية التي بدأت بنداء أطلقه أوجلان من سجنه في جزيرة إيمرالي في جنوب بحر مرمرة في غرب تركيا، الذي يمضي فيه عقوبه السجن المشدد مدى الحياة منذ 28 عاماً.
وأطلق أوجلان نداءه لعقد مؤتمر عام لـ«العمال الكردستاني» لإعلان حل نفسه والتخلي عن أسلحته، في 27 فبراير (شباط) بعنوان: «دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي»، بموجب مبادرة بدأت بمصافحة رئيس حزب الحركة القومية، الشريك الرئيسي بحزب العدالة والتنمية في «تحالف الشعب»، دولت بهشلي، أعضاء حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، المؤيد للكرد، في افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أعقبها في خطوة مفاجئة إطلاقه مبادرة «تركيا خالية من الإرهاب» في 22 من الشهر ذاته، والتي أيَّدها الرئيس رجب طيب إردوغان، وتضمنت دعوة أوجلان لتوجيه ندائه إلى «العمال الكردستاني».
واستجاب الحزب لدعوة زعيمه التاريخي وعقد مؤتمره في الفترة من 5 إلى 7 مايو (أيار) الماضي في مكانيين مختلفين، لم يتم الإعلان عنهما لأسباب أمنية.
ونتيجة ما تم التوصل إليه خلال المؤتمر، أعلن الحزب في 12 مايو قراره حل نفسه وإلقاء أسلحته، منهياً كفاحاً مسلحاً ضد الدولة التركية بدأ في عام 1984، وأسفر عن فقد نحو 40 ألف شخص أرواحهم ما بين عسكريين ومدنيين.
وقوبلت دعوة أوجلان، التي أشار فيها إلى الظروف الإقليمية التي تحتم إنهاء الصراع وتحقيق التضامن بين الكرد والترك، بارتياح كبير في تركيا والمنطقة.
بناء الثقة
وأكد مصدران من حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لـ«رويترز»، الأربعاء، أنه من المتوقع أن تسلم مجموعة صغيرة من المقاتلين أسلحتها في موقع بمدينة السليمانية خلال «الأيام المقبلة».
وقال أحدهما: «التحضيرات لتسليم الأسلحة جارية بالتنسيق مع السلطات الأمنية الكردية في السليمانية».
وقال مسؤول أمني كردي في السليمانية، طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الأمر، إن عملية التسليم ستخضع لإشراف جهات أمنية من الحكومة المركزية في بغداد، و«إذا سارت الأمور وفقاً للخطة، فستسلم أسلحة حزب العمال الكردستاني الأسبوع المقبل».
وأضاف المصدر الآخر: «ستكون مراسم نزع السلاح بادرة حسن نية تهدف إلى بناء الثقة وتمهيد الطريق أمام الحكومة التركية لاتخاذ المزيد من الخطوات والوفاء بالتزاماتها نحو سلام دائم».
وأعلنت تركيا أنها ستراقب عملية تسليم الأسلحة من كثب، وأن الفيصل في هذا الأمر، الذي يتم بالتنسيق مع دول جارة، سيكون التقرير الذي سيقدمه رئيس المخابرات إبراهيم كالين إلى الرئيس إردوغان، ويؤكد فيه إتمام عملية تسليم الأسلحة.
وبينما كان كالين يجري مباحثاته في أربيل، قال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا المتحدث باسم الحزب، عمر تشيليك، إن حزب العمال الكردستاني قد يبدأ تسليم أسلحته «في غضون أيام».
رسالة متوقعة من أوجلان
وجاءت تصريحات تشيليك لتؤكد ما نقلته قناة «روداو» الكردية، الاثنين، عن مصدرين في إقليم كردستان قولهما إن ما بين 20 و30 من أعضاء الحزب سيسلمون أسلحتهم، خلال مراسم ستقام في السليمانية في ظل تغطية إعلامية، في الفترة ما بين 3 و10 يوليو (تموز)، وستكون الخطوة بمثابة «إجراء لبناء الثقة» و«بادرة حسن نية» للمضي قدماً في عملية المصالحة مع تركيا.
وبحسب المصدرين، ستعود هذه العناصر إلى قواعدها بعد تسليم أسلحتها؛ نظراً لعدم توافر الظروف القانونية الملائمة لعودته إلى تركيا.
وقال المصدران إنه من المتوقع أن يوجّه عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة إيمرالي ببحر مرمرة، رسالة جديدة «خلال الأيام القليلة المقبلة».
ومن المنتظر أن يزور وفد من حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب أوجلان في إيمرالي، عقب لقاءات مع إردوغان، وبهشلي، ورئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أوزغور أوزيل، وعدد من قادة الأحزاب بالبرلمان، باستثناء حزبي «الجيد» و«النصر» القوميين اللذين يرفضان العملية برمتها ويعدَّانها خيانة للأمة.
ومن شأن تنفيذ حزب العمال الكردستاني قراراه بالتخلي عن أسلحته أن يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي لتركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويشجع التحركات الرامية إلى تخفيف حدة التوتر في العراق وسوريا المجاورتين، حيث تتحالف قوات كردية مع القوات الأميركية؛ ما يثير غضب أنقرة.