وسط مشهد إقليمي متغير، تتصاعد التساؤلات حول أثر التحولات في سوريا على الداخل العراقي، خصوصاً في ظل ما توصف بأنها مرحلة “إعادة رسم الخرائط السياسية” في المنطقة.
“دعمي للثورة السورية نابع من إيماني بحرية الشعوب ورفض الطغيان، لكني فوجئت بحملة تهديدات ضخمة شنّتها حسابات وهمية تابعة لميليشيات مسلحة، وصلت حدّ تهديدي بالتبليغ والاعتقال، بل وحتى ملاحقتي أنا وأصدقائي”.
هكذا يتحدث الطالب الجامعي عبد الستار عساف (23 عاماً) من محافظة الأنبار، عن حملة تهديدات أمنية تعرّض لها في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2024، وصلت إلى حد المطالبة باعتقاله، وذلك بعد سقوط نظام بشار الأسد، على خلفية دعمه العلني لثورة الشعب السوري، ورفضه الصريح لأفكار ومواقف أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي لجمهورية سوريا العربية.
وعن قرار جهاز الأمن الوطني اعتقال عدد من السوريين والمدونين العراقيين المؤيدين للثورة، يقول عساف: “لم يكن مفاجئًا، بل هو جزء من سلوك الحكومات العراقية الأخيرة التي تتعامل مع القضايا وفق ‘التريند’ السائد على مواقع التواصل، في محاولة لامتصاص الغضب والضجيج الإلكتروني”.
“بعد اعتقال عدد من المدوّنين، هدأت جيوش الميليشيات الإلكترونية التي كانت تهاجمني، واضطررنا آنذاك لحذف حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي لتقليل الاستهداف”، يضيف عساف.
ويشير بحسرة: “ما تعرّضنا له لا يمكن فصله عن التحشيد السياسي الطائفي قبيل الانتخابات، بعض الفصائل أرادت أن توظّف خطاب الكراهية وتخوين المؤيدين لسوريا الجديدة كورقة انتخابية، لتثبيت سردية “المظلومية’” وإظهار نفسها كحامية لخط المقاومة، حتى لو كان الثمنُ تمزيقَ النسيج الاجتماعي والتحريض ضد لاجئين أو طلاب جامعيين مثلي”.
ويلفت عساف إلى أن الحملة ضده وضد رفاقه جاءت على رغم موقفهم الواضح في رفض الطائفية ومعارضتهم أفكار الشرع وحزبه: “الهجوم لم يكن فقط إلكترونيًا، بل سمعنا أن هناك تشكيلات جديدة تحت مسميات مثل “تشكيلات يا علي الشعبية” تستهدف مؤيدي الثورة السورية المقيمين داخل العراق”.
منذ 2003، ومع تصاعد النفوذ الإيراني، ظهرت تشكيلات مسلحة لعبت أدوارًا سياسية وأمنية، وساهمت في تقويض حرية التعبير عبر نفوذها في الدولة والإعلام. برزت أولاً منظمة بدر وجيش المهدي، الذي انشقت عنه “عصائب أهل الحق” بدعم من فيلق القدس. ومع فتوى الجهاد الكفائي 2014، تشكّل الحشد الشعبي وضم فصائل مثل كتائب حزب الله، حركة النجباء، وسرايا الخراساني. وبعد احتجاجات تشرين 2019، اتُّهمت العصائب والكتائب بالضلوع في قمع المتظاهرين واغتيال ناشطين كهشام الهاشمي. ومنذ 2020، تعزز نفوذ هذه الفصائل ضمن “تنسيقية المقاومة” وفرضت رقابة غير رسمية وهددت الصحافيين، في سياق خطاب أحادي باسم “الممانعة”.
كل من يدعو الى الحرية صار هدفًا لحملات تخوين وتخويف ممنهج، لكننا لن نتراجع عن مواقفنا، الثورة السورية هي مثال حيّ على أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن الطغاة مهما طال زمنهم إلى زوال”، يختم عساف حديثه.
سوريا تُحرّك العراق
وسط تحولات إقليمية كبرى، ترى الناشطة السياسية أبرار العاني أن مرحلة ما بعد بشار الأسد تمثل لحظة مفصلية يمكن أن تعيد رسم ملامح دور المكوّن السني في العراق والمنطقة. ففي حديث امتزج فيه التحليل السياسي بالرؤية الميدانية، تتحدث العاني عن مستقبل مفتوح على احتمالات إيجابية، بشرط أن يُحسن السنة في العراق استثمار اللحظة.
“رمزية الأسد في الشارع السني كانت دائماً سلبية، يُنظر إليه كامتداد للنفوذ الإيراني، وهذا انعكس بشكل مباشر على المكوّن السني في العراق”، تقول العاني، وتردف: “صحيح أن بعض الزعامات السنية كانت تتحامى ببشار لأسباب تتعلق بالأملاك والمصالح داخل سوريا، لكن الغالبية الشعبية كانت ترى في زواله فرصة”.
أما على مستوى الداخل العراقي، فتلفت العاني إلى أن محافظة الأنبار سجّلت أحد أعلى معدلات تحديث بيانات الناخبين على مستوى البلاد، معتبرة أن ذلك مؤشر إلى بداية تحوّل، وإن كان لا يعني بالضرورة نهاية العزوف عن الانتخابات.
الأنبار أكبر محافظات العراق مساحةً، وتقع غرب البلاد بمحاذاة سوريا والأردن والسعودية، وتتمتع بأهمية استراتيجية، سكانها غالبية سنية عربية، يتركزون في مدن مثل الرمادي والفلوجة وحديثة والقائم. الملف الأمني فيها بيد الجيش العراقي، مع وجود جهاز مكافحة الإرهاب في بعض المناطق، وحضور محدود للفصائل المسلحة قرب الحدود. سياسيًا، يسيطر حزب تقدم على نحو 90 في المئة من مفاصل السلطة المحلية، ويُعد الفاعل الأبرز في إدارة المحافظة منذ 2018.
“حوالى 700 ألف ناخب حدّثوا بياناتهم، وهذا رقم جيد، لكنه لا يعكس مراجعة عميقة للموقف من العزوف، لأن المشهد السياسي السني لا يزال ممزقاً”، تشرح أبرار في إشارة إلى المناكفات بين التيارات السنية، والتي تعيق تشكّل موقف موحد من الانتخابات.
وفي قراءتها للمستقبل، تتوقف العاني عند الأنبار كمحافظة استراتيجية تجاور سوريا، معتبرة أن ما حصل من تطورات في الساحة السورية عزز من قناعة كثر من الناخبين السنّة بأن لحظة التغيير قد حانت”.
“عودة العمل بالمنافذ الحدودية، وتفعيل التبادل التجاري، كلها عوامل جعلت الناخب يشعر بأن له دوراً محورياً في المرحلة المقبلة”، تقول العاني.
وتتوقع أن تستخدم الأحزاب السنية البارزة التطورات الإقليمية، وبخاصة في سوريا، كرافعة لتحفيز الناخبين: “ما حدث في سوريا أشعل شرارة حماسية في عموم المنطقة، والعراق ليس استثناءً، خصوصاً محافظات مثل الأنبار وديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك، هذه المحافظات ستشهد زخماً انتخابياً أعلى، سنراه خلال الأشهر المقبلة بوضوح”.
التغيير السوري ينعكس عراقياً
في قراءة تحليلية لارتدادات المشهد السوري على الساحة السنية العراقية، يوضح الأكاديمي والمحلل السياسي علاء مصطفى، أن “للتغيير الذي حدث في دمشق، انعكاسات محددة وموجّهة، لا تشمل بالضرورة القاعدة الشعبية السنية في العراق، بل تقتصر على التيارات الإسلامية، وتحديداً الإخوان المسلمين”.
“ما حدث في سوريا لم يُحفّز الناخب السني، بل حفّز فئة واحدة: الأحزاب الإسلامية، وتحديداً تيار الإخوان”، يقول علاء مصطفى، مضيفاً: “الشرع يمثل عمقاً عقائدياً وجغرافياً لهذا التيار، والآن اكتمل الهلال الممتد من أنقرة إلى دمشق ثم غرب العراق”.
تحوّل في محور التأثير
وفق مصطفى، أوجدت هذه التغييرات شعوراً بالأمان لدى قوى كانت تعاني من عزلة سياسية: “سابقاً، كان اعتمادهم على تركيا فقط، اليوم لديهم أيضاً سوريا كظهير، وهذا خلق محوراً جديداً، أو بالأحرى أعاد إحياء محور قديم، له امتداداته العشائرية والمذهبية والجغرافية”.
ويشير إلى أن هذا المحور لا يقف عند حدود التيارات، بل امتد ليؤثر على السياسة الرسمية في بغداد: “نلاحظ أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بدأ يقترب أكثر من تركيا وسوريا، لديه مبعوث خاص إلى دمشق، لا تمر الملفات عبر القنوات الرسمية، بل تُدار بطريقة خاصة، وهذا يعني أن هناك محاور جديدة تُنسج بعيداً عن الأطر التقليدية”.
من الانتعاش العقائدي إلى التعبئة الرمزية
مع ذلك، يُشدّد مصطفى على أن هذا “الانتعاش”لا يعني بالضرورة تعبئة انتخابية لدى الشارع السني.
ويوضح أن “الوضع في العراق يختلف، والمكوّنات تعرف أحجامها جيداً، وما يحفز السنة على المشاركة ليس التغيير في سوريا، بل الرموز المحلية، والخطاب الداخلي الذي يخاطب مشاعرهم وهويتهم”.
التأثير الحقيقي داخلي لا خارجي
في تلخيصه، يؤكد مصطفى أن التغيير في سوريا لم ينعكس مباشرة على استعداد الشارع السني للانتخابات، بل حفّز فقط تيارات معيّنة، “المؤثر الحقيقي في الشارع السني هو الداخل، هو الخطاب الرمزي، وطرح الزعامات، وتقديم وجوه تشعرهم بأنهم ممثلون بقوة، أما ما يحدث في سوريا فهو عامل معنوي بالنسبة الى بعض الأحزاب، لكنه ليس وقوداً انتخابياً للجمهور الواسع”.
العراق يملك طريقه الديمقراطي الخاص
وسط مشهد إقليمي متغير، تتصاعد التساؤلات حول أثر التحولات في سوريا على الداخل العراقي، خصوصاً في ظل ما توصف بأنها مرحلة “إعادة رسم الخرائط السياسية” في المنطقة. النائب حسين عرب، عضو مجلس النواب العراقي، يرى أن ما حدث في سوريا من تغيير هو شأن داخلي، وأن القرار النهائي يبقى للشعب السوري، لكنه لا ينكر في الوقت ذاته الأثر المعنوي والسياسي لتلك التحولات على المحيط الإقليمي، بما فيه العراق.
“التغيير الحقيقي هو عندما تختار الشعوب قياداتها، وبطريقة سلمية لا تُراق فيها الدماء، هذا هو الطريق المحترم، والطبيعي أن تكون الديمقراطية هي السبيل لاختيار النظام السياسي”، يقول عرب.
ويتابع: “سواء كانت المرحلة السابقة جيدة أم لا، فالأمر يقرره الشعب السوري، هو من يختار مصيره، وهناك انتخابات بعد عامين أو ثلاثة، وحينها تحسم الأمور عبر صناديق الاقتراع”.
العراق مختلف والتغيير صناديق لا بنادق
عرب يُصرّ على أن “العراق لا يُقارن بسوريا من حيث أدوات التغيير، ويؤكد أن بغداد تسلك مساراً ديمقراطياً لا مجال فيه للانقلابات أو فرض الأمر الواقع”.
“العراق بلد مستقر، لديه نظام برلماني، والتغيير لا يأتي إلا عبر الانتخابات، لدينا دستور واضح، ومن يحصل على العدد النيابي الأكبر هو من يُقرر”، يقول بثقة، مشدداً على أن “التحولات في سوريا ولبنان ربما تلهم البعض، لكنها لا تُغير قواعد اللعبة العراقية”.
قنوات التواصل… ومصالح الجوار
لا يُنكر النائب حسين عرب وجود قنوات تواصل بين العراق وسوريا، على المستويين الرسمي والشعبي، مشيراً إلى الروابط المعقدة التي تجمع البلدين: “هناك علاقات اقتصادية، ثقافية، سياسية ومجتمعية، وتواصل بين قيادات سنية في العراق ونظرائها في سوريا، هذا طبيعي، سوريا دولة جارة، ولا يمكن فصل الملفات بالكامل”.
عن التراجع الإيراني وحديث التوازن
في جانب آخر، يرى عرب أن ما يُوصف بـ”تراجع النفوذ الإيراني” في المنطقة هو أمر طبيعي في سياق ديناميكية النفوذ العالمي”.
“أي نفوذ يقوى، يقابله لاحقاً اتجاه مضاد، وهذا الاتجاه يولّد عداء، والعداء يولّد تفكيكاً لهذا النفوذ”، يقول النائب العراقي، مضيفاً: “النفوذ الإيراني كان قوياً، والآن بدأ يضعف، في سوريا ولبنان، وهناك عمل أيضاً لتقليصه في العراق، لكن الأمر ليس سهلاً، وما يحصل اليوم هو محاولة لرسم خارطة توازن دولي جديدة في المنطقة”.
العراق بحاجة الى جرأة في الموقف
عدنان الكبيسي، عضو مجلس محافظة الأنبار، قدّم قراءة تفصيلية لأثر التحول السوري على الساحة العراقية، وبخاصة على المزاج السني، مؤكداً أن “المعادلة الإقليمية تغيّرت، وعلى العراق ألا يتأخر في التفاعل معها”.
“نحن لا نحكم على المرحلة الانتقالية في سوريا من زاوية واحدة، لأن كل سياسي، وكل دولة، تقرأ المشهد من زاويتها. حكومة الشرع الانتقالية نجحت في بعض الملفات، مثل الانفتاح الإقليمي والدولي، وهذا يُحسب لها، لكنها تأخرت في الملفين الأمني والاقتصادي، يقول الكبيسي.
نهاية غير متوقّعة
يتحدث الكبيسي عن سرعة سقوط النظام السابق في سوريا، قائلاً: “أن تصل أنظمة مستبدّة إلى هذه النهايات كان أمراً متوقعاً، لكن المفاجأة كانت في السرعة والطريقة، لا أحد توقّع أن يسقط النظام بهذه السرعة، وهذا درس لكل من يواجه شعبه بالعنف”.
الدرس الأكبر: لا عنف بعد اليوم
يؤكد الكبيسي أن التجربة السورية تركت درساً بالغ الأهمية: “عدم جر البلاد الى العنف، والتمسك بالحوار، نعم، نجحت سوريا بإسقاط النظام، لكن ذلك كلّفها دمار بلد كامل، وعلينا في العراق أن نستوعب هذا الدرس”.
وحول شخصية أحمد الشرع، الرئيس الانتقالي السوري، يرى الكبيسي أن مكانته تتجاوز الكتل السنية:
“الشرع شخصية مرحّب بها من الحكومة السورية الحالية، وليس فقط من السنّة في العراق، هو منفتح على الإقليم، ونجح خصوصاً مع دول الخليج وروسيا، حتى روسيا، الداعم التقليدي للنظام السابق، باتت تتعامل معه انطلاقاً من إدراك مصالحها. انفتاحه على العراق يُحسب له”.
تنسيق سياسي وإن كان خلف الأبواب
يكشف الكبيسي أن التنسيق جارٍ على مستويات عدة: “هناك تنسيق قائم بين الحكومتين، المعلن وغير المعلن، لقاء السوداني في قطر يشير إلى هذا الأمر. أيضاً هناك شخصيات سنية تقوم بدور في هذا التنسيق، وكذلك شخصيات شيعية، مثل عزت الشابندر الذي التقى الشرع أخيراً. تصريحات خميس الخنجر وغيرها تدل على وجود قنوات فاعلة، وإن كانت غير مباشرة”.
ويُبدي الكبيسي تأييده لانفتاح سريع ومباشر على دمشق: “هناك روابط مجتمعية واقتصادية وأمنية، قبل يومين فقط، أُحبطت عملية تهريب مخدرات، مثل هذه الملفات يتطلب تنسيقاً أوسع وأقوى لمنع تكرارها. التنسيق الآن بسيط، لكنه إذا تطوّر سيكون له تأثير بالغ في حماية الأمن العراقي”.
يُشدّد الكبيسي على أن العراق تجاوز المرحلة الطائفية، وأن أي محاولة لإثارة النعرات هي ابتزاز سياسي: “العراق تجاوز الطائفية، والمجتمع السني اليوم يرفض اللعب بهذه الورقة، نعم، هناك أصوات نشاز، لكنها لا تمثل الجمهور، على الحكومة أن تتعامل بجدية مع هذا الابتزاز، وألا تسمح لأي طرف باستخدامه كأداة ضغط داخلية أو خارجية”.
توازن في الحكم حتى لا نعود الى الوراء
يطالب الكبيسي بتحقيق توازن حقيقي في الحكم: “نحن لا نريد المحاصصة، لكننا نريد شراكة ومشاركة فعلية. التوازن ضرورة حتى لا تستغل بعض الجهات هذا الغياب للتجييش الطائفي أو الاحتكار”.
وحول الموقف السني من التغيير السوري، يرى الكبيسي أنه ليس صمتاً، بل هو انتظار: “القيادات السنية في غالبيتها، رحّبت بالتغيير وعبّرت عن دعمها للشعب السوري، لكننا ننتظر الموقف الرسمي الحكومي، هذا هو الأهم، نريد موقفاً صريحاً من الحكومة تجاه دمشق والانفتاح عليها، لا نكتفي بالإشارات”.
يختم الكبيسي بالقول: “الوضع السوري واضح، لكن ما نحتاجه اليوم هو جرأة حكومية، يجب أن يكون للعراق موقف واضح، لا حسابات انتخابية، الصراحة مطلوبة، والتعامل مع الملف السوري يجب أن يرتقي الى حجمه الحقيقي، إقليمياً ومحلياً”.
ما حدث في سوريا لا يشبه العراق والتأثير صفر سياسيًا
بينما تكثر التحليلات حول إمكانية تأثير التغيير السياسي في سوريا على الداخل العراقي، ولا سيما الساحة السنية، يرى الصحافي العراقي محمد الباسم أن “ذلك كله مبالغ فيه”، مؤكداً أن ما حصل في دمشق هو “حدث سوري بامتياز ولا علاقة له بالواقع العراقي، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا”.
“الوضع في سوريا لا يُقارن بالوضع في العراق، لا من حيث البنية الطائفية، ولا من حيث طبيعة الحكم ولا شكل الدولة”، يقول الباسم. “السنة في سوريا لم يكونوا يوماً مكوّناً حاكماً، بل كانوا على هامش الدولة التي خضعت لعقود لهيمنة طائفة محددة. اليوم، حتى مع حكومة الشرع، لا يمكن القول إن الحكم سني، وجود وزراء من السنة لا يعني بالضرورة أن السلطة انتقلت إليهم، والمؤسسات السورية ليست كلها بأيديهم”.
يرى الباسم أن ما يُتداول عن تهميش السنة في العراق هو “سردية غير دقيقة”، مشيرًا إلى أن أصل المشكلة ليس في النظام، بل في من يمثّل السنة: “السني موجود وممثل، تمامًا كما الشيعي، لكن الأحزاب السنية في معظمها فقدت البوصلة الوطنية، وأصبحت تميل الى أجندات خارجية، سواء كانت إيرانية أو قطرية، وهنا خسر المواطن السنّي صوته، لا لأن الدولة تهمّشه، بل لأن من يمثله يتحدث باسم غيره”.
لا صلة بين دمشق وبطاقات الناخبين
يقلل الباسم من شأن الربط بين التغيير السوري وحالة تحديث البطاقات الانتخابية في المناطق السنية: “لا يوجد رابط، الاستياء الانتخابي في العراق عام، يشمل السنة والشيعة والأكراد، الناس ترى أن الانتخابات لا تغيّر شيئًا، لأن الوجوه ذاتها تعود بأساليب مختلفة: تارة بالطائفية، وطوراً بالسلاح، وتارة أخرى بالتعيينات والمال السياسي”.
الخنجر وحده استثمر لكن الجمهور لا يبالي
بحسب الباسم، فإن الحديث عن “موجة تأييد سنية للتغيير في سوريا”، هو قراءة خاطئة، اختلقتها حسابات: “من حاول استثمار التغيير السوري هو حزب السيادة بقيادة خميس الخنجر، لكن هذه محاولة فردية، والجمهور السنّي لم يتفاعل معها، لدينا خلافات كبيرة مع النظام السوري منذ سنوات، ولا أحد يرى في ما حصل فرصة أو انتصارًا يمكن البناء عليه”.
حول ما يمكن أن يستفيد العراق من التغيّر في سوريا، يقول: “الفائدة الوحيدة واقعية ومحددة: أمنية واجتماعية، توقّف بعض خطوط تهريب المخدرات، وهناك تنسيق أمني مع حكومة الشرع. أما سياسيًا، فالعراق لم يتأثر بنسبة 1 في المئة، الشرع نفسه قال إنه لا يسعى الى التأثير خارج سوريا، والسياسيون في العراق يدركون ذلك”.