3 اتجاهات تتداول الجدل حولها: ديني يراها فكرة صليبية استعمارية وبراغماتي يائس يراها على غير مسمى وقومي عروبي يطالب بالبقاء عليها
ملخص
كثيرة هي مثالب الجامعة العربية، وضررها زاد على نفعها، ولا أظنها ستتحسن إن بقيت بآليتها القديمة نفسها باتخاذ القرار وبيروقراطية التعامل. فكرة الجامعة العربية نبيلة، ولكن كم من فكرة نبيلة دمرها البشر بممارساتهم البشرية الخاطئة، وإن استمرت الجامعة العربية على ما هي عليه، فلن تزيدنا سوى ضرراً وفرقة، وليس “جمعاً ومعزة” ما لم يكُن هناك تحسن جذري عما هي عليه اليوم.
عاد الجدل من جديد هذه الأيام في الأوساط الإعلامية العربية حول الجامعة العربية، جدواها وجنسية أمينها العام وموازنتها وموظفيها وبيروقراطيتها ومقرها وخلافه.
أنشأت سبع دول عربية الجامعة العربية في القاهرة عام 1945، وهي مصر والسعودية والعراق والأردن واليمن وسوريا ولبنان، وتوسعت عضويتها بعد استقلال الدول العربية ليصبح عدد أعضائها 22 دولة.
ثلاثة اتجاهات تتداول الجدل حول الجامعة العربية، اتجاه ديني يرى أن الجامعة فكرة صليبية استعمارية جاءت للقضاء على الخلافة الإسلامية- العثمانية ويطالب بإلغائها إلغاء جذرياً، واتجاه براغماتي يائس يرى أن الجامعة العربية اسم على غير مسمى، وأنها أصبحت منبعاً للخلافات العربية بدلاً من أن تكون جامعة للشمل العربي، واتجاه قومي عروبي ثالث يرى أن بقاء الجامعة مسألة مهمة وحيوية على رغم كل ما يوجه لها من انتقادات ومن مثالب، وأن وجودها الرمزي يبقي شعلة الحلم بوحدة عربية يوماً ما.
جاءت كلمة الجامعة من مصدر “جمع”، ولها معانٍ ومشتقات كثيرة، فالجامعة هي المدرسة التي تخرج الدارس في تخصص معين، وهي كلمة تعني جمع العلوم والمعرفة. ولعلها ترجمة حرفية لكلمة UNIVERSITY التي اشتقت من UNIVERSE وأصلها من اللاتينية بمعنى التحول إلى واحد UNI+VERTERE، أما كلمة “يونيفيرس” بالإنجليزية فأصبحت تعني الكون.
والجامع هو المسجد الذي غالباً ما يصلى فيه صلاة الجمعة، والجمعة آخر أيام الأسبوع بالعربية وهي اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون لصلاة “الجمعة الجامعة”. وكلمة الجمعة مشتقة من الجمع، وجذر الكلمات هذه هو “جمع”. والمجموع هو كابوس طلاب الثانوية العامة، إذ يجب أن يحصل الطالب على “مجموع” ليؤهله لدخول الجامعة.
سمعت حديثاً تربوياً لمسؤول مصري يطالب بإلغاء امتحانات الثانوية العامةلما تسببه من حال هلع وتوتر وقلق ليس لدى الطلبة وحسب، بل لدى أسرهم التي تعيش حال استنفار وترقب وانتظار مؤلم لنتائج الامتحانات وما حصل عليه أبناؤهم من “مجموع”. والجمع عكس الطرح في العمليات الحسابية.
“رباه يا جامع قلوب المحبين… تجمع قلوب فرقتها المقادير” بيت مطلع أغنية لمحمد عبده من كلمات الشاعر الغنائي طاهر زمخشري رحمه الله.
“الجمعا معزة”، هو قول شعبي واضح بمعناه، وهو انعكاس لقول المهلب ابن أبي صفرة:
“تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا… وإذا افترقن تكسرت آحادا”.
وفي مصر “جمع راسين بالحلال” تعني عقد قرانهما وتزويجهما.
و”المجمعة” مدينة بوسط نجد في السعودية، وسميت كذلك لأن بها تجتمع الطرق والوديان.
والمجتمع والجماعة من مشتقات جمع، ودراسة المجتمع هو علم الاجتماع وهكذا.
والجمع بغالب لهجة أهل الخليج والجزيرة العربية هو القبضة، و”ضرَبَه جمعاً” تعني ضربه “بوكس”. وجمعة اسم علم شائع ويمكن أن يكون للذكر أو الأنثى، وتصغيره “جمعية”، وهناك مثل لدى البدو يقول “غيب جميعه بالعواسج”، وقصة هذا المثل غير قابلة للنشر.
وجمعان اسم شائع في الخليج والجزيرة العربية، كنت أظنه مثنى جمع، أي جمعان مثل “التقى الجمعان”، أو أن معناه ذو الجمع أي ذو القبضة، حتى قال لي الصديق الشاعر والمصرفي جمعان الوقداني إن معنى “جمعان” هو الذي يجمع ولا يفرق، ويجمع الناس على الخير والمحبة.
كثيرة هي مثالب الجامعة العربية، وضررها زاد على نفعها، ولا أظنها ستتحسن إن بقيت بآليتها القديمة نفسها باتخاذ القرار وبيروقراطية التعامل. فكرة الجامعة العربية نبيلة، ولكن كم من فكرة نبيلة دمرها البشر بممارساتهم البشرية الخاطئة، وإن استمرت الجامعة العربية على ما هي عليه، فلن تزيدنا سوى ضرراً وفرقة، وليس “جمعاً ومعزة” ما لم يكُن هناك تحسن جذري عما هي عليه اليوم.