ملخص
اختلفت هذه المخابئ في بنيتها ووظيفتها، فبعضها صمم بترف وشيّد على أعماق هائلة تحسباً للضربات النووية، وبعضها لم يكُن سوى نفق ضيق في جبل أو قبو بدائي في أحد الأحياء القديمة، وضمن هذا التقرير، نرصد أبرز هذه المخابئ التي احتمى فيها الزعماء خلال محطات تاريخية حرجة.
خلال الحروب والأزمات الكبرى، لم يكُن الهروب من الموت امتيازاً فردياً، بل ضرورة تفرضها لحظة الانهيار أو التهديد الوجودي، وكثيراً ما وجد القادة والزعماء أنفسهم مضطرين إلى مغادرة مقار الحكم الرسمية واللجوء إلى مواقع محصنة أو سرية تحت الأرض، إما لضمان استمرار القيادة، أو لتفادي الاستهداف، أو للتحصن في وجه متغيرات ميدانية قد تطيح بكل شيء.
المخابئ التي احتضنت هؤلاء القادة، تحولت أحياناً إلى غرف عمليات اتخذت فيها قرارات غيرت مسار التاريخ، وظهرت هذه المواقع كرمز للصمود تارة، وللعزلة والذعر تارة أخرى، وفقاً لطبيعة القائد وظروف المعركة ومعطيات الساحة الدولية.
واختلفت هذه المخابئ في بنيتها ووظيفتها، فبعضها صمم بترف وشيّد على أعماق هائلة تحسباً للضربات النووية، وبعضها لم يكُن سوى نفق ضيق في جبل أو قبو بدائي في أحد الأحياء القديمة، تحيط به الهواجس أكثر مما تحميه الجدران.
لكن القاسم المشترك في جميعها أنها كانت شاهدة على لحظات مصيرية، فاجتمع القرار الفردي بالقلق الجماعي، واصطدمت القوة بالعزلة والسلطة بالخطر.
ضمن هذا التقرير، نرصد أبرز هذه المخابئ التي احتمى فيها الزعماء خلال محطات تاريخية حرجة، ونوثق كيف أمضوا أيامهم داخلها، وما القرارات التي خرجت من جدرانها الباردة، وهل كانت نهاية بعضها بداية لتحولات كبرى في خرائط العالم السياسية.
تشرتشل – غرف الحرب السرية
مع تصاعد الغارات النازية على لندن خلال الحرب العالمية الثانية، لم يعُد مقر الحكومة البريطانية في 10 داونينغ ستريت ملاذاً آمناً لقيادة البلاد، وفي ذروة الـ”بليتز”، وهي موجة القصف الألماني المكثف، اتخذ رئيس الوزراء ونستون تشرتشل قراره بالنزول إلى ملجأ محصن تحت الأرض، شيّد أسفل وزارة الخزانة في شارع وايتهول، وعُرف لاحقاً باسم “غرف حرب تشرتشل”.
ووفق ما وثقه متحف الحرب الإمبراطوري، بدأ العمل على تجهيز هذا المخبأ في أغسطس (آب) عام 1939، أي قبل أسبوع واحد فقط من إعلان الحرب على ألمانيا. وخلال السنوات الست التي تلت، تحول الموقع إلى مركز القيادة العسكرية والسياسية للمملكة المتحدة، حيث عقد تشرتشل أكثر من 100 اجتماع مع كبار قادة الجيش والبحرية وسلاح الجو، غالبيتها أثناء الهجمات الجوية.
وعلى رغم تعزيز المخبأ بسقف خرساني مسلح بسماكة ثلاثة أمتار، ظل معرضاً للخطر في حال طاوله قصف مباشر بقنابل ثقيلة، ولذلك كانت السرية والتمويه من العناصر الرئيسة لحمايته، ولم يسمح بدخوله إلا لحاملي تصاريح خاصة، مع تحذيرات صارمة بعدم استخدام الهاتف تجنباً للتنصت.
تحول الموقع إلى مركز القيادة العسكرية والسياسية للمملكة المتحدة، حيث عقد تشرتشل أكثر من 100 اجتماع مع كبار القادة (متحف الحرب الإمبراطوري)
تحول الموقع إلى مركز القيادة العسكرية والسياسية للمملكة المتحدة، حيث عقد تشرتشل أكثر من 100 اجتماع مع كبار القادة (متحف الحرب الإمبراطوري)
امتدّ المخبأ على عمق 12 قدماً، واحتوى شبكة من الممرات المجهزة بمضخات لتصريف المياه وأنظمة تهوئة تضمن تدفق الأوكسجين باستمرار، وضم قاعة اجتماعات رئيسة وغرفة خرائط تغطيها الدبابيس والخيوط لتتبع حركة القوات، إلى جانب مركز اتصالات متكامل.
وعمل في هذا المقر نحو 500 شخص، من بينهم عدد كبير من النساء، تولّين تشغيل الهواتف وتحديث الخرائط وكتابة التقارير على مدى الساعة. وكان بعضهم يمكث داخله لأيام متواصلة، ينامون على أسرّة حديد بسيطة في طابق سفلي يُعرف باسم “الرصيف”.
واتخذ تشرتشل لنفسه جناحاً صغيراً داخل الموقع، يضم سريراً ومكتباً، وألقى من هناك أربعة من أشهر خطاباته الإذاعية خلال الحرب، وتظهر الوثائق أنه كان يراجع الأوراق من سريره مرتدياً رداء النوم، قبل أن ينهض لاجتماع منتصف النهار، ويواصل عمله حتى ما بعد منتصف الليل. وفي لحظات نادرة من الاستراحة كان يتناول العشاء مع معاونيه في القبو نفسه على ضوء خافت.
وضم المخبأ أيضاً خط اتصال مشفراً عرف باسم “سيغسالي”، مكّن تشرتشل من التواصل المباشر والآمن مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت. ومن خلال هذا الخط جرى التخطيط لعمليات عسكرية حاسمة، أبرزها “إنزال النورماندي” عام 1944، وفق المتحف القومي للتاريخ الأميركي.
وبقي هذا الموقع سرياً طوال الحرب، ولم يكشف عنه للرأي العام إلا بعد انتهائها. وعام 1984 أعيد افتتاحه كمتحف يعرف اليوم باسم “غرف حرب تشرتشل” ويدار من قبل متحف الحرب الإمبراطوري ويعد من أبرز المعالم التاريخية في لندن.
“أيتام” قادوا الأمم والشعوب والممالك
لكن وايتهول لم يكن الموقع الوحيد الذي احتمى فيه تشرتشل، فبحسب صحيفة “ديلي ميل”، جُهز ملجأ بديل له في أوكسبريدج غرب لندن، على عمق 18 متراً تحت الأرض، وسط حديقة طبيعية صممت بعناية لتبدو جزءاً من البيئة المحيطة بهدف تمويه الطائرات المعادية. كما لجأ عام 1940 إلى محطة “داون ستريت” المهجورة، وهي محطة قطارات سابقة، كمخبأ موقت خلال ذروة الهجمات الجوية، حيث جرى تنسيق عمليات كبرى مثل “إنزال يوم دي” و”إخلاء دونكيرك”.
ووفق مذكرات مساعده جون كولفيل، أقام تشرتشل في تلك المحطة خمس مرات في الأقل على سرير بسيط، لكنه لم يتخلَّ عن بعض مظاهر رفاهيته المعتادة، إذ كان يقدم له الكافيار ومشروباته المفضلة حتى في أقسى الظروف.
أدولف هتلر – “قبو الفوهرر”
تنقّل الزعيم النازي أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية بين مواقع محصنة بعيدة من الجبهات بهدف إدارة العمليات العسكرية وتأمين التواصل المباشر مع قادة الجيش. ومن أبرز تلك المواقع مقر “عرين الذئب” في بولندا و”قبو الفوهرر” حيث احتمى خلال أيامه الأخيرة داخل برلين.
وأنشئ “عرين الذئب” عام 1941 وسط غابة كثيفة شمال شرقي بولندا ليكون مقراً لقيادة العمليات الألمانية على الجبهة الشرقية ضد الاتحاد السوفيتي. وامتد الموقع على مساحة 6.5 كيلومتر مربعة، وضم أكثر من 80 مبنى من الخرسانة والخشب، محاطاً بثلاثة نطاقات أمنية وحقول ألغام. وفي نهاية عام 1944، أمر هتلر بتفجير الموقع قبل انسحاب القوات الألمانية منه، لمنع وقوعه بيد الجيش الأحمر.
ومع تراجع القوات الألمانية خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، انتقل هتلر في يناير (كانون الثاني) عام 1945 إلى “قبو الفوهرر”، الواقع تحت حديقة المستشارية في برلين، حيث أمضى أسابيعه الأخيرة قبل انتحاره.
ووفقاً للسجلات الألمانية الرسمية، بُني المخبأ على مرحلتين بين عامي 1936 و1944، على عمق يصل إلى 8.5 متر وبمساحة تقدر بنحو 250 متراً مربعاً، محصناً بجدران خرسانية سماكتها تصل إلى أربعة أمتار.
وتكوّن الموقع من مستويين، المستوى الأول المعروف باسم “فوربونكر” أو “القبو الأمامي”، أُنشئ عام 1936 أسفل مبنى المستشارية الجديدة وضم غرفاً للموظفين ومرافق خدمية، وكان بمثابة مدخل للمستوى الثاني. أما المستوى السفلي، وهو “قبو الفوهرر”، فشيّد لاحقاً عام 1944 وضم نحو 30 غرفة صغيرة، من بينها غرفة نوم لهتلر ومكتبه وقاعة للاجتماعات ومركز اتصالات ومرافق للسكرتارية والحرس الخاص.
بحسب مجلة “تايم”، كان المخبأ يعاني بيئة قاسية، بسبب ارتفاع الرطوبة وتسرب المياه الجوفية، على رغم وجود مضخات ديزل لتهوئته. وأقام إلى جانب هتلر عدد من كبار مساعديه، من بينهم رفيقته إيفا براون التي تزوجها قبل يوم من وفاته ووزير الدعاية جوزيف غوبلز والسكرتير الشخصي مارتن بورمان.
وفي الـ30 من أبريل (نيسان) 1945، أقدم هتلر على الانتحار بإطلاق النار على نفسه، بينما تناولت إيفا براون مادة سامة، وفقاً لتقارير استخباراتية سوفياتية، أفادت بأن جثتيهما نقلتا إلى الحديقة الخلفية للمخبأ وأُحرقتا تنفيذاً لوصيتهما. وبعد يومين اقتحمت القوات السوفياتية الموقع، فيما وصفت صحيفة “فرانكفورتر” المكان بأنه “متاهة خانقة تفوح منها رائحة الديزل والعفن”.
وعلى رغم التحصينات الخرسانية، قدّر خبراء ألمان بأن قنبلة واحدة بوزن طن كانت كفيلة بتدميره، لكن موقعه لم يكشف للحلفاء بدقة آنذاك، مما أبقاه قائماً حتى لحظة سقوط برلين.
اليوم، لم يبقَ من “عرين الذئب” سوى أنقاض وسط الغابة، فيما دُفن “قبو الفوهرر” تحت مرأب للسيارات في برلين، ولم يحتفظ بأي أثر تذكاري لهما لتفادي تحويلهما إلى رموز مرتبطة بتاريخ النظام النازي.
بينيتو موسوليني – الملاجئ الثلاثة
في الجبهة الإيطالية خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكُن الزعيم الفاشي بينيتو موسوليني في مأمن من تصاعد الغارات الجوية لقوات الحلفاء، خصوصاً مع تكثيف قصف العاصمة روما. وفي محاولة لتوفير الحماية له ولعائلته، بدأ نظامه ببناء سلسلة من الملاجئ المحصنة أسفل فيلا تورلونيا، مقر إقامته الرسمي، إلا أن أياً من هذه المنشآت لم يستخدم فعلياً من قبل موسوليني خلال فترة الحرب.
كان أول هذه الملاجئ يقع تحت منطقة تعرف بـ”بحيرة فوتشينو” داخل أراضي الفيلا، وهو في الأصل قبو يعود للقرن الـ19، استخدم سابقاً كمخزن للنبيذ وأُعيد تأهيله عام 1940 ليكون ملجأ موقتاً في حال حدوث غارات جوية. لكن موقعه المكشوف وبُعده من المبنى الرئيس للإقامة جعلاه عرضة للاستهداف وأقل فاعلية من الناحية الأمنية.
أما الملجأ الثاني، فبُني داخل قبو كازينو نوبيل، المبنى السكني الذي كان يشغله موسوليني داخل الفيلا، وحُول قبو النبيذ فيه إلى مخبأ معزز بطبقة خرسانية بسماكة 120 سنتيمتراً وأبواب مانعة لتسرب الغاز، إضافة إلى نظام تهوئة بسيط. وكان هذا الملجأ أقرب ويسهل الوصول إليه، لكنه ظل غير مجهز لمقاومة القنابل الثقيلة، كما افتقر إلى أنظمة إنذار مبكر أو اتصالات متقدمة.
الملجأ الثالث الذي عرف باسم “الملجأ المدرع”، كان الأكثر تطوراً من الناحية الهندسية، وبدأ العمل عليه في ديسمبر (كانون الأول) عام 1942 بأمر مباشر من موسوليني، إذ كلفت هيئة الدفاع المدني الإيطالية إنشاءه كمخبأ مضاد للطائرات بمواصفات عالية، يقع ضمن الساحة الجانبية لمبنى كازينو نوبيل.
وشيّد هذا الملجأ على عمق 6.5 متر بهيكل خرساني مسلح بسماكة تصل إلى أربعة أمتار وتصميم داخلي متقاطع يضم غرفاً متعددة وممرات طوارئ، مع مخارج إضافية لضمان سهولة الإخلاء. كما كان من المخطط ربطه بالطابق السفلي للمبنى عبر درج داخلي لتسهيل الوصول السريع في حالات الطوارئ.
لكن في الـ25 من يوليو (تموز) عام 1943، أي تاريخ الإطاحة بموسوليني من السلطة، كانت أعمال البناء لا تزال غير مكتملة، إذ لم تركب فيه الأبواب المقاومة للمياه ولا أنظمة التهوئة أو التنبيه. ولم يستخدم الملجأ من قبل موسوليني، إلا أن سكان الفيلا والمنطقة المجاورة لجأوا إليه لاحقاً خلال فترة الاحتلال الألماني لروما، كملاذ من الغارات الجوية، وفق ما أورده الموقع الرسمي لمتحف فيلا تورلونيا.
وخلال الأعوام الأخيرة، قامت السلطات الإيطالية بترميم الملاجئ وفتحها أمام الزوار، ضمن مشروع توثيقي لتلك الحقبة من تاريخ البلاد، مع الحفاظ على طابعها التفسيري من دون أي طابع تمجيدي لرموز الفاشية.
جوزيف ستالين – “المخبأ 42”
مع تصاعد التوتر في بدايات الحرب الباردة عقب الحرب العالمية الثانية، بدأ الاتحاد السوفياتي ببناء شبكة من المنشآت المحصنة تحت الأرض، أبرزها “بانكر-42” في قلب موسكو الذي صمم ليكون مركز قيادة بديلاً في حال تعرضت العاصمة لهجوم نووي.
ويقع المخبأ على عمق 65 متراً أسفل تل تاجانسكي، في موقع استراتيجي قريب من الكرملين، مما يتيح نقل القيادة العليا بسرعة في حالات الطوارئ. ووفق الموقع الرسمي لمتحف “بانكر-42″، بدأ الإعداد للمشروع عام 1947 تحت الاسم الرمزي “الهدف 02″، وانطلقت أعمال البناء الفعلية عام 1950 على يد الشركة المسؤولة عن إنشاء شبكة مترو موسكو لضمان التنفيذ بسرية وباستخدام تقنيات الحفر العميق.
استند تصميم المخبأ إلى نتائج أول تجربة نووية سوفياتية عام 1949، فبلغ عمقه ما يعادل 18 طابقاً تحت الأرض، وعزل بطبقات خرسانية سميكة وزوّد بأنظمة تهوئة ومولدات كهرباء وآبار مياه داخلية، مما يسمح بالبقاء فيه لأيام طويلة من دون اتصال مباشر بالعالم الخارجي.
ودخل المخبأ الخدمة فعلياً عام 1954، حين بدأت فرق الاتصالات العسكرية العمل فيه ورُبط بشبكات إرسال سرية عالية التردد تخدم القوات الجوية الاستراتيجية، فيما تولّت وزارة الاتصالات تشغيل أنظمته وربطه بمراكز القيادة في دول حلف وارسو.
لكن مع تطور الأسلحة النووية خلال العقود اللاحقة، تبيّن أن تحصينات المخبأ لم تعُد كافية لمواجهة القدرات التدميرية الجديدة، ووفقاً لأرشيف “بانكر-42″، أوقف استخدامه كمركز قيادة عام 1986، ونقلت المهمات إلى منشآت أكثر تطوراً خارج موسكو. وخلال التسعينيات خرج المخبأ من التصنيف العسكري وأعيد تأهيله كموقع توثيقي لتاريخ الحرب الباردة.
وعام 2006، فتح أمام الزوار كمتحف تحت الأرض يعرض تجهيزات تلك المرحلة، من أنظمة الاتصال القديمة إلى غرف القيادة، ويتيح النزول بالمصعد الأصلي حتى عمق 65 متراً.
صدام حسين – “حفرة العنكبوت”
بعد الغزو الأميركي للعراق في أبريل (نيسان) عام 2003، اختفى الرئيس العراقي السابق صدام حسين عن الأنظار، لتبدأ واحدة من أوسع عمليات المطاردة في التاريخ الحديث، شارك فيها أكثر من 150 ألف جندي أميركي.
وخلال نحو ثمانية أشهر، تنقّل صدام بين مزارع ومنازل ريفية قرب تكريت، متجنباً استخدام وسائل الاتصال ومحاطاً بعدد محدود من المقربين. ووفقاً لتقارير وزارة الدفاع الأميركية، لجأ في النهاية إلى خندق صغير داخل مزرعة يملكها الفلاح علاء نامق في منطقة “الدور”، وكان الخندق مموّهاً بألواح خشبية وقش، ويضم أنبوب تهوئة بسيطاً.
وبلغت أبعاد الحفرة نحو 1.8 متر طولاً و0.75 متر عرضاً وعمقها قرابة 2.4 متر. ويستعرض الفلاح علاء نامق في الفيلم الوثائقي “إخفاء صدام حسين” تفاصيل تلك الفترة، إذ كان يتولى مهمات الحراسة والطهو والعناية الطبية للرئيس السابق، مشيراً إلى أن صدام تنقّل أحياناً إلى الجبال لتفادي ملاحقة القوات الأميركية.
وبعد سلسلة من الاعتقالات والتحقيقات، تمكنت وحدة “دلتا فورس” الأميركية من تعقب خيوط أوصلتها إلى الموقع. وفي الـ13 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2003، نفذت عملية سرية باسم “الفجر الأحمر” أسفرت عن العثور على صدام مختبئاً داخل الحفرة.
ووثقت صور رسمية لحظة اعتقاله، كما عثر إلى جانبه على مبلغ نقدي ومسدس. وبعد محاكمة علنية، صدر حكم الإعدام بحقه ونفذ في ديسمبر عام 2006.
معمر القذافي – من باب العزيزية إلى أنفاق الصرف
على مدى أكثر من أربعة عقود، اتخذ الزعيم الليبي معمر القذافي من مجمع باب العزيزية في طرابلس مقراً له، وهو مجمع محصن تبلغ مساحته نحو ستة كيلومترات مربعة ويضم ثكنات وملاجئ وأنفاقاً سرية.
وخلال الغارة الجوية الأميركية على طرابلس عام 1986، نجا القذافي، ويعتقد بأنه كان داخل أحد المخابئ تحت الأرض. ولاحقاً أمر بعدم إزالة آثار القصف، واستخدمها كرمز للصمود، فيما خضع المجمع لتحصينات إضافية في التسعينيات، شملت إنشاء ملاجئ مضادة للقنابل وأنفاقاً تؤدي إلى خارج المدينة.
لكن مع اندلاع الثورة الليبية عام 2011، سقط المجمع بعد قصف مكثف، وغادره القذافي عبر أحد الأنفاق، متوجهاً إلى سرت برفقة عدد من المقربين.
وبحسب وسائل إعلام محلية، اختبأ القذافي لاحقاً في منطقة مهجورة تحوي أنابيب صرف إسمنتية، يبلغ قطرها نحو متر واحد، وهناك عثرت عليه قوات من مدينة مصراتة بعد تلقي بلاغات من سكان محليين.
وأظهرت تقارير إعلامية أنه كان مصاباً، ونُقل من الموقع وسط فوضى وغضب شعبي، وتوفي لاحقاً في ظروف أثارت جدلاً واسعاً، ووثقتها تسجيلات مصورة نشرتها وسائل الإعلام الدولية.
أسامة بن لادن – من كهوف تورا بورا إلى أبوت آباد
أصبح زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن، المطلوب الأول عالمياً بعد هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001، وأطلقت الولايات المتحدة حملة مطاردة واسعة النطاق استمرت سنوات وكلفت مئات ملايين الدولارات.
في ديسمبر من العام نفسه، لجأ بن لادن إلى كهوف تورا بورا شرق أفغانستان، وهي منطقة وعرة استخدمت خلال فترة الحرب ضد السوفايت. وبحسب “بي بي سي”، استندت هذه الكهوف إلى شبكة طبيعية من الأنفاق والمخابئ، بعضها بعمق 300 متر، مزودة بممرات تهوئة ومسالك سرية نحو الحدود الباكستانية.
وعلى رغم القصف المكثف، تمكن بن لادن من الفرار، ليبدأ مرحلة جديدة من الاختباء، استقر خلالها في مدينة أبوت آباد شمال باكستان، على مقربة من منشأة عسكرية بارزة.
ووفقاً لـ”أرشيف أبوت آباد” الذي كشفت عنه الاستخبارات الأميركية، عاش بن لادن مع عدد من أفراد أسرته في مجمع محاط بجدران خرسانية وأسلاك شائكة، واعتمد على مساعدَين لنقل الرسائل المكتوبة، فيما كانت القمامة تحرق داخل المجمع لتجنّب أي تحليل استخباراتي.
وفي مايو (أيار) عام 2011 وبعد أشهر من المراقبة، نفذت عملية سرية باسم “رمح نبتون”، شارك فيها عناصر من القوات الخاصة الأميركية. واقتحمت مروحيتان من طراز “بلاك هوك” المجمع، وجرت تصفية بن لادن في الطابق الثالث من المبنى، ثم نقل إلى حاملة طائرات أميركية، حيث فحص الحمض النووي، وأعلنت واشنطن لاحقاً دفنه في البحر.