حتى اندلاع الأعمال العدائية الأخيرة بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، فيما بات يُعرف إعلاميا بـ”حرب الأيام الاثني عشر”، لم يكن الجنرال مايكل إريك كوريللا، القائد الحالي للقيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، معروفا على نطاق واسع خارج الأوساط العسكرية المتخصصة.
فهو ضابط ميداني متميّز، ارتبط اسمه في السابق بمواقف بطولية لافتة، خلال خدمته الطويلة في الجيش الأميركي، واشتهر تحديدا عندما كان برتبة مقدم، على رأس الكتيبة الأولى من فوج المشاة الرابع والعشرين، خلال المعارك التي خاضها ضد المسلحين في مدينة الموصل العراقية في ذروة الفوضى الأمنية.
تولّت الكتيبة التي كان يقودها كوريللا آنذاك، تنفيذ دوريات أمنية، والتخطيط لهجمات ضد الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة العراقية، والتي كانت تستهدف قوات الأمن، ومراكز الشرطة المحلية. وخلال قيادته، أصيب أكثر من 150 جنديا من وحدته، ونالوا وسام القلب الأرجواني، فيما قُتل ما لا يقل عن اثني عشر عنصرا من الكتيبة. أما كوريللا نفسه، فكان حاضرا دائما في قلب الاشتباكات، وقد أصيب في أغسطس/آب 2005 بعدة طلقات نارية، أثناء اشتباك مباشر في الموصل، ونال على أثر ذلك وسام النجمة البرونزية مع علامة الشجاعة، بالإضافة إلى أحد وسامي القلب الأرجواني، اللذين مُنحا له لاحقا. وبسبب شراسته في الميدان ومهاراته القتالية، أطلق عليه لقب “الغوريلا”.
وبعد سنوات في الظل، عاد اسم كوريللا إلى الواجهة عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في يونيو/حزيران بشن غارات جوية ضد البرنامج النووي الإيراني. ومع تعاظم دوره في تلك العملية، برز كوريللا كأحد أهم الشخصيات في تسلسل القيادة العسكرية، وبدأت ترد تقديرات في واشنطن بأن نفوذه بات يتجاوز نفوذ وزير الدفاع المعين حديثا، بيت هيغسيث.
وقد كان لافتا أن من بين أبرز السمات في حملة القصف الأميركي ضد منشآت إيران النووية، كان الدور المحوري الذي اضطلع به كوريللا في التخطيط والتنفيذ، إذ منح هيغسيث، المعروف بتشدده، صلاحيات غير مسبوقة لكوريللا. ووفق ما نقلته مصادر مطلعة في البنتاغون، فقد تمّت الموافقة على غالبية طلباته خلال مرحلة التخطيط، والتي شملت إرسال مجموعات إضافية من حاملات الطائرات، ونشر طائرات مقاتلة متطورة في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن كوريللا معروف في الأوساط العسكرية كأحد “صقور إيران”، وكان من أبرز الداعين إلى رد عسكري حاسم، على ما يعتبره تجاوزات من قبل النظام الإيراني ومرشده الأعلى. هذا الاعتماد الواضح من قبل هيغسيث عليه، نسف إلى حد كبير، الصورة التي سعى وزير الدفاع إلى ترسيخها لنفسه، كقائد مدني قوي يعتزم كبح جماح الجنرالات ذوي النجوم الأربع، وإعادة التوازن لصالح القيادة المدنية.
وقد كان لافتا أن من بين أبرز السمات في حملة القصف الأميركي ضد منشآت إيران النووية، كان الدور المحوري الذي اضطلع به كوريللا في التخطيط والتنفيذ، إذ منح هيغسيث، المعروف بتشدده، صلاحيات غير مسبوقة لكوريللا
وتشير تقارير إلى أن كوريللا تربطه علاقة وثيقة بمايك والتز، مستشار الأمن القومي السابق والمرشح لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وأنه أمضى وقتا إلى جانب الرئيس ترمب، يتجاوز ما أمضاه معظم الجنرالات الآخرين. وبما أن فترة خدمته في القيادة المركزية الأميركية شارفت على نهايتها، فإن ذلك جعله أكثر جرأة في تقديم آرائه، والدفع بتوجهاته داخل البيت الأبيض، دون خشية من تداعيات وظيفية.
ولم يكن الجميع راضيا عن خطط كوريللا، فقد واجهت مقترحاته بإرسال مزيد من الأسلحة الأميركية إلى الشرق الأوسط، بما في ذلك بطاريات دفاع جوي، معارضة صريحة من كل من الجنرال دان كاين، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وإلبريدج كولبي، رئيس السياسات الدفاعية في البنتاغون، حيث طالبوا بالحذر من التورط المفرط في المنطقة.
أ.ف.بأ.ف.ب
مايكل كوريلا أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ بشأن ترشيحه لتولي زمام القيادة المركزية، 8 فبراير 2022
وفي هذا السياق، قال دان شابيرو، الذي كان حتى يناير/كانون الثاني أعلى مسؤول عن سياسات الشرق الأوسط في البنتاغون: “كوريللا يتمتع برؤية استراتيجية عميقة، وهو مقنع جدا عندما يتحدث عما يمكن للقيادة المركزية تحقيقه، عند توفير الموارد اللازمة. هذا كان صحيحا إبان إدارة بايدن، ويبدو أكثر وضوحا اليوم”.
معرفة واسعة بالشرق الأوسط
ولد كوريللا في ولاية كاليفورنيا ونشأ في مينيسوتا. والتحق بالأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت وتخرج منها عام 1988 حاصلا على درجة البكالوريوس في هندسة الطيران. بعد تخرجه، التحق بالجيش كضابط مشاة، وشارك في عمليات عسكرية في مناطق متعددة، من بينها بنما وهايتي والبلقان والعراق وأفغانستان.
ويمتلك كوريللا معرفة واسعة بمنطقة الشرق الأوسط، حيث خدم لفترة امتدت من 2004 إلى 2014 ضمن القوات التقليدية والخاصة، التي عملت تحت مظلة القيادة المركزية الأميركية، وهي واحدة من بين 11 قيادة قتالية موحدة تابعة للبنتاغون، وتشرف على العمليات في 21 دولة، بينها العراق وأفغانستان.
كما تولى مناصب قيادية بارزة في القيادة المركزية، بينها منصب رئيس أركان القيادة من أغسطس 2018 حتى سبتمبر/أيلول 2019. وقبل أن يتسلم قيادة (CENTCOM) ، قاد كوريللا الكتيبة الثانية من فوج الرينجرز، والفرقة 82 المحمولة جوا، والفيلق الثامن عشر المحمول جوا، وكلها من بين أكثر التشكيلات النخبوية في الجيش الأميركي.
أ.ف.بأ.ف.ب
مايكل كوريلا، خلال حفل تأبين لجنديين أميركيين أقيم في معسكر ماريز، بمدينة الموصل، شمال العراق، في 22 فبراير 2005
ويجمع كثير من المتابعين على أن كوريللا، يُعد من القادة المثاليين لهذه المرحلة، وهو ما أكده وزير الدفاع هيغسيث في تصريح لشبكة “فوكس نيوز”، حيث قال: “الجنرال كوريللا قائد شجاع وديناميكي وملهم، يبث الرهبة في قلوب أعداء أميركا. إنه محارب حقيقي يضع وطنه ومهمته وجنوده فوق كل اعتبار. لقد كان شرفا لي أن أعمل إلى جانبه في الدفاع عن أمتنا العظيمة”.
أما دان شابيرو، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، فقال في تصريح للقناة نفسها إن كوريللا: “مفكر استراتيجي ومخطط دقيق، وقد قدم، على مدى عشرين شهرا من الاضطرابات في الشرق الأوسط، سلسلة متواصلة من الخيارات لكل من الرئيسين ووزيري الدفاع، ونجح في تنفيذها بفعالية عند الحاجة”. وأضاف شابيرو: “إنه يدرك تماما أن الأداة العسكرية ما هي إلا واحدة من أدوات السياسة العامة، ويحرص على ربطها بالدبلوماسية والضغوط الاقتصادية، والرسائل العامة والعمل الاستخباراتي لتحقيق الأهداف المنشودة”.
مفكر استراتيجي ومخطط دقيق. وقد قدم على مدى عشرين شهرا من الاضطرابات في الشرق الأوسط سلسلة متواصلة من الخيارات لكل من الرئيسين ووزيري الدفاع، ونجح في تنفيذها بفعالية عند الحاجة
يُذكر أن عددا من أبرز القادة الأميركيين شغلوا منصب قيادة (CENTCOM) من قبل، بينهم الجنرال المتقاعد جيم ماتيس، الذي أصبح لاحقا وزيرا للدفاع في إدارة ترمب، والجنرال لويد أوستن، الذي شغل المنصب ذاته في عهد الرئيس أوباما ثم أصبح أول وزير دفاع من أصول أفريقية في عهد بايدن.
ويُنسب إلى كوريللا فضل كبير في نجاح الهجوم الجوي على المنشآت النووية الإيرانية، والذي استخدمت فيه القوات الأميركية قنابل خارقة للتحصينات، لضرب مواقع تحت الأرض في نطنز وفوردو، بالإضافة إلى استهداف منشأة نووية أخرى في أصفهان.
وفي بيان مشترك صدر مع الجنرال كاين بعد انتهاء العملية، أكد كوريللا أن المهمة كانت “نجاحا ساحقا واستثنائيا”. وأضاف البيان: “تجنبت العملية، وفقا لتعليمات الرئيس، استهداف القوات الإيرانية أو المدنيين الإيرانيين، منعا لتوسيع نطاق الصراع”. وجاء فيه أيضا: “طوال أكثر من عشر سنوات، شدد الرئيس ترمب على أن إيران يجب أن لا تمتلك سلاحا نوويا بأي شكل. وبفضل قيادته الجريئة ورؤيته الواضحة، تم سحق طموحات إيران النووية تماما”.
أ.ف.بأ.ف.ب
اجتماع جمع بين الجنرال الأميركي مايكل كوريلا ونظيره الإسرائيلي هرتس هاليفي في إسرائيل، 15 يناير 2025
مع ذلك، لا يزال مدى فاعلية تلك الضربات موضع نقاش، حيث تشير تقارير استخباراتية إلى أن إيران ربما تكون قد استأنفت بالفعل تخصيب اليورانيوم، وتواصل تطوير قدرات نووية خفية.
رغم ذلك، لا شك أن الدور الذي لعبه كوريللا في التخطيط والتنفيذ رفع مكانته إلى مصاف الشخصيات الوطنية البارزة في المشهد الأميركي، مع توقعات بأن يحظى بأدوار أرفع في إدارة ترمب خلال السنوات المقبلة، مستفيدا من الثقة المتزايدة التي يحظى بها داخل البيت الأبيض.
+ / –
font change
حفظ
شارك
مواضيع مشابهة