مع اقتراب موعد الحادي عشر من تشرين الثاني موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة، يزداد منسوب التوتّر في المشهد السياسي العراقي. إذ يشهد توتّرات متشعّبة ومعقّدة داخل كلّ مكوّن من مكوّناته الأساسية التي تتحكّم بصورة وتركيبة الدولة والمؤسّسات.
تضاف إلى هذه التعقيدات، ما يعيشه العراق من تحدٍّ مختلف مرتبط بتداعيات التطوّرات العسكرية والأمنيّة والسياسية التي تشهدها المنطقة منذ تشرين الأوّل 2023 وانطلاق عمليّة “طوفان الأقصى”. وزادت وتيرتها بعد الهجوم الإسرائيلي – الأميركي على إيران قبل نحو شهر، وما نتج عنه من تعميق الخلل في معادلات النفوذ والدور والتأثير وأحجام كلّ اللاعبين المعنيّين على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط.
لا تشكّل الانتخابات البرلمانية لحظة تاريخية للشعب العراقي لتسجيل موقف واضح من العمليّة السياسية، نتيجة الإحباط الذي يعيشه جرّاء تكرار المشهد السياسي، الذي بات لا يعبّر عمّا يطمح له وما يريده من تغيير وإصلاح في العملية السياسية وإدارة الدولة.
مع ذلك تنظر الأحزاب السياسية الممثِّلة لجميع المكوّنات العراقية المذهبية والقومية إلى هذه الانتخابات، كما نظرت إلى سابقتها، باعتبارها أداةً وممرّاً لإعادة إنتاج سلطتها وسيطرتها وقدرتها على فرض التقاسم والتحاصص، وأيضاً لتحسين شروط مشاركتها وحجمها في العملية السياسية والمواقع القيادية في الدولة والمؤسّسات.
آليّة لإعادة إنتاج وجودها
في الطريق إلى هذه الانتخابات، واجه ويواجه العراق الكثير من التحدّيات التي قد تضع العمليّة السياسيّة أمام إشكاليّة شرعيّتها الدستورية والشعبية. وعلى الرغم من إدراك القوى السياسية لحجم هذه التحدّيات، لا تبدي استعدادها لإعادة النظر في أدائها في إدارة الدولة والمؤسّسات. وبالتالي تنظر إلى الانتخابات كآليّة ولباس ديمقراطي لإعادة إنتاج وجودها واستمراره من دون التخلّي عن مكتسباتها الخاصّة.
تتكرّر تجربة عام 2021 حين حرَم “الإطار التنسيقي” الصدر وتحالفاته مع قوى تنتمي لمكوّنات أخرى من حقّه الدستوري
تحاول هذه القوى، التي تحتكر تمثيل المكوّنات العراقية، التمسّك باستحقاق الانتخابات البرلمانية، من خلال الفصل بينه وبين التهديدات التي تحيط بالعراق، وما يمكن أن ينتج عن التغيير الحاصل في موازين القوى الإقليمية ومعادلاتها.
في حال أُجريت الانتخابات في موعدها، من المتوقّع أن تشهد الأشهر المقبلة تصاعداً في وتيرة الصراعات بين الأقطاب السياسيين داخل المكوّنات العراقية الرئيسة، الشيعية والسنّية والكردية. إلّا أنّ حدّتها ستكون أكثر وضوحاً داخل المكوّن الشيعيّ المعنيّ الأوّل بنتائج هذه الانتخابات ومخرجاتها.
خلافات حادّة داخل المكوّنات الطّائفيّة
إذا ما كانت عودة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي إلى المشهد السياسي بعدما أُخرِج منه بسلاح القضاء، ستشعل المنافسة من جديد داخل المكوّن السنّي، خاصّة بعدما سعى أقطاب هذا المكوّن إلى تقاسم نفوذه وتمثيله، فلن تكون بحجم الصراع داخل المكوّن الكردي، بعد اتّساع رقعة الخلافات بين مراكز القرار فيه، التي ساهمت في حرمان الإقليم من تشكيل حكومته المحلّية وأدّت إلى تعطيل عمل برلمانه، بالإضافة إلى تفجّر الخلافات بين إدارة الإقليم وقطاعات إنتاجية من مختلف المستويات على خلفيّة تلكّؤ الإقليم في دفع استحقاقات هذه القطاعات الماليّة، وذلك في ظلّ فشل إدارة الإقليم في إقناع هذه القطاعات بأنّ الأزمة سببها الخلاف مع بغداد حول الرواتب وقانون النفط والغاز.
الصدر
أمّا داخل “الإطار التنسيقي”، الذي يجمع في صفوفه غالبيّة القوى والأحزاب الشيعية، التي تشكّل الثقل الأساس المتحكّم بتشكيل الدولة، فإنّ حدّة الصراع بين أحزابه حالت دون التوصّل إلى تفاهم لبناء تحالفات انتخابية، دافعةً أقطاب هذه القوى إلى الذهاب إلى الانتخابات كقوى مستقلّة أو تشكيل تحالفات خاصّة بكلّ منها مع أحزاب ناشئة أو غير مؤثّرة، مع الإبقاء على الرهان على عقد تحالف واسع بعد النتائج قد لا يحمل بالضرورة اسم “الإطار التنسيقي”، من أجل تشكيل الكتلة الكبرى التي تملك حقّ تسمية رئيس الحكومة.
يراهن بعض الأحزاب الشيعية على فشل التفاهم على إعادة فتح باب الترشّح وتسجيل التحالفات في المفوضيّة المستقلّة للانتخابات الذي أُغلق في شهر حزيران الماضي
إذا ما كان بعض أقطاب “الإطار التنسيقي” يبدي ارتياحاً لتمسّك السيّد مقتدى الصدر زعيم “التيّار الشيعي الوطني” (“التيار الصدري”) بقرار مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي يضمن لهم تعزيز حصصهم في المقاعد النيابية، فإنّ أطرافاً أخرى في “التيّار” تصرّ على محاولة إقناع الصدر بالرجوع عن قراره والعودة للمشاركة في الانتخابات التي تضمن لهم إضعاف خصومهم داخل “الإطار” وتفتح الطريق أمامهم ليكونوا جزءاً من تحالف أوسع قد يتشكّل في ظلّ التيّار الصدريّ وقيادته.
الصّدر يعود إذا…
يراهن بعض الأحزاب الشيعية على فشل التفاهم على إعادة فتح باب الترشّح وتسجيل التحالفات في المفوضيّة المستقلّة للانتخابات الذي أُغلق في شهر حزيران الماضي. وعليه، ستكون عودة الصدر إلى العملية السياسية، في حال حصول التمديد بخلفيّة هذه المواقف، والسعي إلى الحصول على ضمانات واضحة من هذه القوى بتمكينه من تنفيذ مشروعه السياسي في الحكومة في حال استطاع استعادة تمثيله البرلماني وتعزيزه بأن لا تتكرّر تجربة عام 2021 حين حرَم “الإطار التنسيقي” الصدر وتحالفاته مع قوى تنتمي لمكوّنات أخرى (محمد الحلبوسي ومسعود بارزاني) من حقّه الدستوري بتسمية رئيس الوزراء بعد حصوله على 73 مقعداً في البرلمان، فذهب إلى الاستقالة والخروج من العملية السياسية.
تفيد العديد من المؤشّرات والكثير من الهمس في الكواليس السياسية أنّ بعض الجهود التي تبذلها أطراف من داخل “الإطار التنسيقي” قد تسهم في تغيير موقف الصدر وإعادة النظر في قرار المقاطعة، ومنها:
1- الكلام الذي يدور عن طلب “التيّار الصدري” رسميّاً من رئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى البحث عن مخرج قانوني يسمح للمفوضية بإعادة فتح باب التسجيل للانتخابات.
2- استعداد رئيس الجمهورية للتعاون لتذليل العقبات من أجل تحقيق هذه العودة، التي قد تشمل طرح تعديل قانون الانتخابات، لإعادة النظر في توزيع الدوائر، بحيث تتحوّل كلّ محافظة إلى دائرتين انتخابيّتين بدلاً عن دائرة واحدة، على مبدأ النسبية مع إمكان بحث نسبة العتبة الانتخابية.
لا تعني هذه العودة في حال حصلت أنّ الصدر على استعداد للتخلّي عن الشعارات التي يرفعها وما يريده من العملية السياسية
السوداني رجل المرحلة..
لا تعني هذه العودة في حال حصلت أنّ الصدر على استعداد للتخلّي عن الشعارات التي يرفعها وما يريده من العملية السياسية، في ما يتعلّق بالسلاح المنفلت والميليشيات الوقحة والتبعيّة للخارج والإصرار على الإصلاح ومحاربة الفساد والمحاصصة.
إقرأ أيضاً: عندما تلعب إيران في ملعب أميركا!
لذا ستعيد مشاركته في الانتخابات رسم المشهد السياسي وخلط الأوراق بما ينعكس على الجميع، خاصّة على رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني الذي يعمل على توظيف إنجازاته السياسية والاقتصادية والإنمائية لتقديم صورة إيجابية عن حكومته، وتأكيد أنّه خيار شعبيّ قادر على توفير متطلّبات العراقيّين بعد عقود من الاهتمام والأزمات المعيشية والاقتصادية والإنمائية، بالإضافة إلى الجهد الذي يبذله لنسج تحالفات مع بعض القوى السياسية من داخل “الإطار” وخارجه، طامحاً إلى تحقيق نتائج تسمح له بإعادة فرض نفسه في رئاسة الحكومة لدورة جديدة.