لا يُفترض أن تتفاجأ تركيا بتفاقم الأوضاع في السويداء؛ فالسلوك الاستئصالي الذي مارسته الفصائل المسلّحة السورية، والمحسوبة على النظام الجديد في دمشق، طال سابقاً العلويّين في الساحل السوري، والمسيحيّين في دمشق وخلافها، والجماعات الشيعية في أكثر من منطقة، وصولاً إلى الكتلة الدرزية في السويداء. ومع ذلك، لم تبدِ أنقرة أيّ ردّ فعل جدّي تجاه تلك الممارسات، لوقفها أو منعها.
لكن للمرّة الأولى، تُظهر تركيا بعضاً من الخشية على النظام، بعدما تعرّضت مؤسّسات الدولة ورموزها لعدوان إسرائيلي عنيف استهدف العاصمة دمشق. وتدرك أنقرة أنّ أيّ تعرّض لقوات الأمن السورية، هو تعرّض لها في الوقت نفسه، ورسالة غير مباشرة بالنار إليها، من شأنها أن تفضي إلى تداعيات مهمّة على التوازنات السورية والإقليمية. ومع ذلك، فإنّ البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية التركية كان مقتضباً، وتجنّب إدانة العدوان الإسرائيلي، مكتفياً بالدفاع عن النظام، على اعتبار أنه «يعمل من أجل السلام في سوريا».
وجاء في البيان: «بعد تدخّلات إسرائيل العسكرية في جنوب سوريا، فإنّ الهجمات التي نفّذتها هذه المرّة ضدّ وسط دمشق، هي محاولة لتخريب الجهود لضمان السلام والاستقرار والأمن في سوريا. توجد أمام الشعب السوري فرصة تاريخية من أجل العيش برفاهية واندماج مع العالم. إن على كل الأطراف التي تقف إلى جانب اغتنام هذه الفرصة، أن تساهم في جهود الإدارة السورية لإحلال السلام».
وواكبت الأحداث في سوريا، حركة دبلوماسية نشطة لوزير الخارجية، حاقان فيدان، تمثّلت في اتصالات أجراها مع السفير الأميركي في أنقرة والمبعوث إلى سوريا ولبنان، توم برّاك، كما مع وزيرَي خارجية السعودية والأردن، ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني. وأعرب فيدان عن قلقه ممّا يجري، داعياً إلى إنهاء الأزمة، نظراً إلى تداعياتها على السلام في سوريا والمنطقة.
وفي وقت لم يصدر فيه بعد أيّ موقف على لسان رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان، الذي كان يستقبل في القصر الرئاسي، رئيس الإمارات محمد بن زايد، كان نائب الرئيس، جودت يلماز، ينتقد الهجمات الإسرائيلية، باعتبارها «انتهاكاً للسيادة السورية وتهديداً للاستقرار في المنطقة». وفي الاتجاه نفسه، قال الناطق باسم «حزب العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، إنّ الهجمات الإسرائيلية «تشكّل تهديداً للسلام العالمي».
إسرائيل تعمل على الدفع نحو إعلان «منطقة حماية»
على خط موازٍ، برز على المقلب السوري إرسال «قسد» تعزيزات عسكرية في اتّجاه دير الزور، ربّما في محاولة لتكثيف الضغوط على دمشق لوقف اعتداءاتها على الدروز الذين غادر العديد منهم هرباً في اتجاه مناطق مختلفة. ويعكس ذلك توجّساً كرديّاً من أنّ نجاح قوات الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، في إخضاع الدروز، سيليه الاندفاع نحو شرق الفرات لمحاولة إخضاع الأكراد هناك، بعد الخلاف على تفسير اتفاق العاشر من آذار الموقّع بين الشرع وقائد «قسد» مظلوم عبدي.
وإلى اختلاف الظروف مع الأكراد المحظيين بدعم أميركي، فإنّ القوات الكردية ذات بنية عسكرية قوية وتمتلك عشرات الآلاف من المسلحين المدرّبين والمجهّزين بأحدث الأسلحة، في حين تشكّل هجمات الفصائل السورية على الدروز ذريعة كبيرة جدّاً ليتمسّك الأكراد بشروطهم، عبر رفض الاندماج بالجيش الجديد.
ومن هنا، يمكن قراءة بعض تداعيات الأحداث في السويداء على الداخل التركي؛ إذ إنّ الحزب الوحيد الذي انتقد بشدّة الهجمات التي قامت بها القوات الموالية للشرع على السويداء، هو «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» الكردي. ووصف بيان الحزب ما تقوم به الإدارة المؤقّتة في دمشق بأنه «محاولة إبادة جماعية». ورأى أنّ انتقال المجازر التي استهدفت العلويين إلى الجنوب «سيُغرق سوريا في ظلام دامس».
ووفقاً للبيان، فإنّ «هيئة تحرير الشام تعمل على إقامة نظام آحادي على غرار داعش، عبر تخريب البنية الاجتماعية المتعدّدة الهويات في سوريا. وهذه ضربة قاصمة لمحاولات إقامة سوريا ديموقراطية». كذلك، استهجن البيان «كيف تحوّل الشرع إلى محاوِر شرعي من قِبَل الغرب بدلاً من محاكمته على جرائمه»، معتبراً أنّ «الغرب شريك في جرائم الشرع ضدّ العلويين والدروز»، داعياً الجميع إلى الوقوف في وجه «هيئة تحرير الشام وبناء سوريا ديموقراطية».
وقرأت صحيفة «جمهورييات» المعارِضة، بدورها، في ما يجري، «أزمة أمنية تؤثّر على التوازانات الإقليمية، إذ كان قصف إسرائيل لقصر الرئاسة ووزارة الدفاع خطوة متقدّمة لترهيب دمشق». ورأت أنّ «تدخّل إسرائيل في المعارك الدائرة بين دمشق والدروز بحجّة الحفاظ على الردع ضدّ الجيش السوري واستهداف المؤسسات الرسمية، هو رسالة تكتيكية وإستراتيجية في الوقت نفسه، بأنّ إسرائيل تريد، بذريعة حماية الدروز، توسيع نطاق قواعد اشتباكها في سوريا». ولفتت الصحيفة إلى أنّ إسرائيل تعمل على الدفع نحو إعلان «منطقة حماية»، ولكن، «إذا تفاقم الصراع ولم يحصل وقف سريع لإطلاق النار، فإنّ موجات هجرة كبيرة قد تحدث من جنوب سوريا باتّجاه الأردن ولبنان وحتى تركيا».
وفي السياق نفسه، قال رئيس «مركز دراسات أوراسيا الإستراتيجية» الموالي، إراي غوتشلوير، إنّ ما يجري في السويداء هو «انتفاضة درزية مدعومة من إسرائيل. وبعد سيطرة الجيش السوري على السويداء بدأ التدخّل الإسرائيلي الذي لم يكن ليحصل لولا التأييد الأميركي».