ماذا في كواليس التّوصّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار بين إيران وإسرائيل؟ وكيف تمّ الاتّفاق على ضرب قاعدة العديد الأميركيّة في دولة قطر؟ وهل كانَت…
ماذا وراء الهجوم الإسرائيليّ العنيف على مؤسّسات الدّولة السّوريّة؟ وما علاقة المُفاوضات غير المُباشرة بين دمشق وتل أبيب بما حصلَ في السّويداء؟ ولماذا تُصرّ إسرائيل على عنوان “حماية الدّروز”؟
ليسَ سِرّاً أنّ سوريا وإسرائيل تخوضان مُفاوضاتٍ غير مباشرة للتّوصّل إلى اتّفاقٍ أمنيّ يؤدّي إلى إنهاء حالةِ التّوتّر والتّصعيد الذي تُبادرُ إليه تل أبيب في المنطقة المُمتدّة من العاصمة دِمشق إلى مدينة درعا في أقصى الجنوب.
لماذا هاجمَت إسرائيل دمشق؟
تُخاضُ هذه المُفاوضات عبر قناتَيْن أساسيّتَيْن:
عبر وساطة تُركيّة – أذربيجانيّة، حيثُ شهِدَت العاصمة باكو عدّة جولات من المُفاوضات كانَت آخِرتها الأسبوع الماضي.
عبر وساطةٍ أميركيّة في العاصمة التّركيّة أنقرة، يقودها المبعوث الأميركيّ إلى سوريا وسفير واشنطن لدى أنقرة توم بارّاك.
ليسَ سِرّاً أنّ سوريا وإسرائيل تخوضان مُفاوضاتٍ غير مباشرة للتّوصّل إلى اتّفاقٍ أمنيّ يؤدّي إلى إنهاء حالةِ التّوتّر والتّصعيد الذي تُبادرُ إليه تل أبيب
واجهَت المفاوضات بين دمشق وتل أبيب عقبات عديدة أبرزها:
تمسّك تل أبيب بالمطالبة بالتّنازل السّوريّ عن منطقة الجولان المُحتلّ والاعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على الهضبة التي تُسيطرُ عليها إسرائيل منذ حزيران 1967.
تُريد تل أبيب إقراراً سوريّاً ببقاء قوّاتِها على قمم جبل الشّيخ السّوريّة، التي دخلتها قوّات الاحتلال بعد سقوط نظام آل الأسد في كانون الأوّل الماضي.
اعتبار منطقة الجنوب السّوريّ من الكسوة جنوب دمشق إلى الحدود مع الأردن منطقة عازلة لا يدخلها الجيش السّوريّ الجديد، مع ضمان حرّيّة الحركة للجيش الإسرائيليّ تجاه ما يُسمّيه أيّ “تهديدٍ” أو خرقٍ للاتّفاق إلى عمق 30 كلم.
في المُقابل تتمسّكُ دِمشق باتّفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، الذي ينصّ على هويّة الجولان السّوريّة ويحدّد منطقة الفصل بين القوّات السّوريّة والإسرائيليّة. وتعتبر دمشق الجنوب السّوريّ منطقة سيادة سوريّة يكون ضبط الأمن فيها من مهامّ القوّات المُسلّحة السّوريّة على اختلافِ مُسمّياتها، من الجيش أو قوّات الأمن العامّ.
بعدَ جولة التّفاوض السّوري – الإسرائيليّ الأخيرة في أذربيجان، وتمسُّك الجانب السّوريّ بمطالبِهِ، وقعَت الاشتباكاتُ بين بعض عشائر البدو في بادية السّويداء وأهالي المنطقة ذات الغالبيّة الدّرزيّة.
دَفعَت هذه الاشتباكات الحكومة السّوريّة إلى إرسال قوّات الأمن العامّ مع تعزيزات محدودة من قوّات الجيش التّابعة لوزارة الدّفاع، سُرعان ما انسحبَت من المنطقة نحوَ دمشق ما إن مالت الكفّة لمصلحة القوّات السّوريّة.
تُريد تل أبيب إقراراً سوريّاً ببقاء قوّاتِها على قمم جبل الشّيخ السّوريّة، التي دخلتها قوّات الاحتلال بعد سقوط نظام آل الأسد في كانون الأوّل الماضي
الفخّ الدّرزيّ
لكنّ ما حصلَ بين البدو والدّروز لم يكن سوى فخّ إسرائيليّ لاستدراج الذّرائع لتطبيق ما تُريده تل أبيب بالقوّة، وهو فرضُ توسيع المنطقة العازلة لتشمل كامل الجنوب السّوريّ بالنّار. فالذّهاب إلى حملة عسكريّة جوّيّة في سوريا تحت عنوان “حماية الدّروز” لن يلقى معارضةً بالدّاخل الإسرائيليّ لأسباب عديدة:
العلاقة بين إسرائيل والطّائفة الدّرزيّة في فلسطين التّاريخيّة تعود جذورها إلى عام 1948. إذ تعترف إسرائيل بالدّروز مُجتمعاً منفصلاً عن عرب الدّاخل وبديانتهم ديانةً مُستقلّة، وهم يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة منذ قيام إسرائيل 1948. ولم تتعرّض البلدات الدّرزيّة لهجمات من العصابات الصّهيونيّة في حرب 1948 ولم يُهجّروا من بلداتهم الـ19 المُنتشرة في منطقة الجليل.
كما ينخرطُ دروز فلسطين التاريخيّة في المجتمع الإسرائيليّ ويُشكّلون قوّة لا يُستهان بها في الجيش والحياة السياسية الإسرائيلية.
ترسيخ حرّيّة الحركة والتّلويح بغزو دمشق
هذه العوامل اتّخذها نتنياهو حجّة لتبرير تدخّله العسكريّ في سوريا تحت عنوان “حماية الدّروز” لفرضِ ما يُريد من انسحابٍ للجيش السّوريّ من منطقة الجنوب. فهو أيضاً يُريدُ أن يُرسّخَ مبدأ “حرّيّة الحركة” الذي تقومُ عليه عقيدته الأمنيّة والعسكريّة في المنطقة منذ ما بعد السّابع من أكتوبر. وقد يكونُ من العبث التّوهّم أنّ نتنياهو قامَ بالضّربات على سوريا من دون تنسيق أو رضا أميركيّ، بمعزل عن التّصريحات التي خرجَت من وزارة الخارجيّة الأميركيّة عن شعورها بالقلق من الغارات على سوريا.
لجأَ نتنياهو إلى العنفِ المفرط في سوريا، هدفه رسم شروط التفاوض مع دمشق بالنّار. ولذلك سارعَ إلى استهداف مبنى وزارة الدّفاع وقيادةِ الأركان وباحة القصر الجمهوريّ.
استهداف وزارة الدّفاع والقصر الرّئاسيّ جاءَ بعد ضربتيْن تحذيريّتيْن من طائرةٍ مُسيّرة على مدخل وزارة الدّفاع وأعلى المبنى قبل الاستهداف بساعةٍ لإخلاء المبنى.
كما تشير روايةٌ أخرى إلى أنّ تل أبيب أخطَرت دمشق عبر وسطاءٍ بضرورة أخلاء هذه المباني قبل استهدافها. وهذا يُفسّر غياب الخسائر البشريّة جرّاءَ هذا الاستهداف تحديداً.
لجأَ نتنياهو إلى العنفِ المفرط في سوريا، وهدفه رسم شروط التفاوض مع دمشق بالنّار
أرادَت تل أبيب الإيحاء أنّها قد تذهبُ إلى ما هو أبعد من الغارات على قوّات الجيش السّوريّ لفرضِ شروطها.
عزّزَ ذلكَ نقلُ فرقتيْن عسكريّتَيْن، منها الفرقة 98 إلى الجولان المُحتلّ. وهي فرقة تضمّ 5 ألوية، منها “لواء المشاة 35″ و”لواء عوز” ووحدتا “ماجلان” و”إيجوز” وكتيبة دبّابات. وتضمّ هذه الفرقة وحدها ما يصل إلى 20 ألف جنديّ.
تعمل هذه الفرقة في العمليّات البرّيّة وشاركت في غزو لبنان 1982، وحرب تمّوز 2006، وحرب لبنان 2024، وحرب غزّة المُندلعة منذ تشرين الأوّل 2023. وهي فرقة مُتخصّصة بالعمليات التي تتطلّب إجراءات سريعة وحاسمة، وصُمّمَت في الأساس للدّفاع عن التهديدات من سوريا ولبنان.
إقرأ أيضاً: “قسد” ضحيّة اللّعبة الأميركية الكبرى!
كان الهدف من نشر الفرقتين القول إنّ تل أبيب لن تتوانى عن التوغّل برّاً في جنوب سوريا، وربّما إلى مشارف دمشق لفرضِ ما تريد، خصوصاً أنّ وحدات من الجيش الإسرائيليّ تتمركَز على بُعد 18 كلم من العاصمة السّوريّة على قمم جبل الشّيخ.
استطاع نتنياهو بفائض القوّة وفي ذروة التغوّل السّياسي – العسكريّ الإسرائيليّ أن ينال انسحاب الجيش السّوريّ من الجنوب وأن يُقدّمَ إسرائيل كحامية للأقلّيّات في المنطقة، حيث فشلت إيران ومحورها. لكنّ الطّبيعة الدّيمغرافيّة لسوريا وللمنطقة بشكلٍ عامّ قد تجعلُ هذا العنوان صالحاً على المدى القريب، وليسَ على المدى الاستراتيجيّ.