بعد أيام من الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء بين القوات الحكومية ومسلحين من طائفة الموحدين الدروز، بدأت الأوضاع تشهد هدوءاً حذراً، وسط مخاوف من تجدد العنف في ظل تدخلات خارجية تهدد استقرار المنطقة. فقد لعبت إسرائيل دوراً محورياً في الأزمة، بدءاً من التصعيد الميداني عبر ضربات جوية استهدفت دمشق والسويداء وصولاً إلى الضغوط السياسية التي فرضت شروطاً على نشر القوات الحكومية في المحافظة.
لكن إسرائيل ليست اللاعب الوحيد في المشهد، فقد تصدرت الولايات المتحدة جهود الوساطة عبر مبعوثها الخاص، حيث ساعدت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار يشمل إدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المحتجزين، وفي الوقت نفسه، تحاول تركيا، رغم اختلافها مع دمشق، لعب دور تهدئة عبر التأثير على الفصائل المسلحة في شمال سوريا، في إطار سعيها لمنع تحول السويداء إلى بؤرة صراع إقليمي.
وفي خضم الأزمة الأمنية التي عصفت بمحافظة السويداء السورية، برزت أدوار إقليمية ودولية حاولت احتواء التصعيد بين المكونات المحلية، بينما أثارت تدخلات أخرى مخاوف من تعقيد المشهد، فقد قاد الأردن جهوداً ديبلوماسية مكثفة، توجت بلقاء ثلاثي في عمّان جمع وزيري خارجية الأردن وسوريا مع المبعوث الأميركي، حيث تم الاتفاق على خطوات عملية تشمل نشر قوات أمن سورية، وإطلاق سراح المحتجزين، وإدخال المساعدات الإنسانية.
شد وجذب
شهدت محافظة السويداء تطورات معقدة تزامنت مع ضربات جوية إسرائيلية استهدفت مواقع في دمشق والسويداء، في سياق قيل إنه مرتبط بـ”حماية المجتمع الدرزي”. وقد أُثيرت تساؤلات حول أهداف هذا التدخل وتداعياته واحتمالات تأثير ذلك على المشهد المحلي وتوازن القوى في المنطقة.
اقرأ أيضاً: من سايكس بيكو إلى الشرق الأوسط الجديد.. هل تبقى الحدود الجغرافية ثابتة؟
وعلى المستوى الدولي، برزت الولايات المتحدة كطرف فاعل في مساعي التهدئة، حيث عبّر المبعوث الأميركي عن دعمه للجهود الأردنية-السورية، ما يشير إلى انفتاح واشنطن على إدماج سوريا في الترتيبات الإقليمية الناشئة، رغم استمرار التحفظات الإسرائيلية حيال بعض جوانب هذا المسار.
داخلياً، سلطت أزمة السويداء الضوء على التحديات التي تواجهها السلطة السورية في ترسيخ الاستقرار، إذ لم تتمكن الحكومة، بقيادة أحمد الشرع، من ترميم العلاقة مع بعض المكونات المحلية، ما أدى إلى بروز دعوات محلية للبحث عن أطر حماية خارجية. كما عاد الحديث عن “الفيدرالية” أو أنماط من الحكم الذاتي لبعض المناطق إلى الواجهة، على الرغم من رفض الولايات المتحدة الرسمي لأي مساعٍ لتقسيم البلاد.
وتواجه الحكومة السورية تحدياً معقداً في إدارة تداخل الأجندات الدولية والإقليمية، إذ تسعى إلى الاستفادة من المساعدات الإنسانية دون الإخلال بمبدأ السيادة. ويظل الوضع في السويداء هشاً في ظل استمرار التوترات الاجتماعية بين المكونات المحلية، ووجود مؤشرات على رغبة بعض القوى الإقليمية في استثمار الأزمة لتحقيق أهداف استراتيجية.
وتشير التقديرات إلى أن تطورات السويداء قد تكون جزءاً من صراع أوسع تدور ملامحه بين أطراف إقليمية مثل إسرائيل وتركيا، حيث تعمل الأولى على توسيع نفوذها في الجنوب السوري، فيما تركز الثانية على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ضمن رؤيتها الإقليمية.
فواعل إقليمية
يقول البروفيسور حسن عبدالله الدعجة، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بجامعة الحسين بن طلال، لـ”963+”: إن “السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، تشهد في السنوات الأخيرة حالةً من التوتر والتجاذب بفعل تداخل العوامل المحلية مع الإقليمية والدولية”.
ويضيف: “أصبح من الواضح أن هناك أطرافًا دولية تحاول التأثير في مجريات الأحداث فيها من خلال دعم جماعات محلية تتبنَّى خطابًا مناهضًا للحكومة السورية. وقد ظهرت مؤخرًا مؤشراتٌ على ارتباط بعض هذه الجماعات بجهات خارجية تتخذ من تل أبيب مركزًا لدعمها. هذا الواقع يثير تساؤلاتٍ جديةً حول مدى قدرة المجتمع المحلي في السويداء على الحفاظ على استقلال قراره، وسط تزايد محاولات الاستثمار السياسي في مطالب الأهالي الاقتصادية والمعيشية”.
ويتابع: “أما الأردن، فَرغم تجاوره الجغرافي ومصالحه الأمنية الحيوية المرتبطة باستقرار الجنوب السوري، فإنه يتبنَّى موقفًا واضحًا يقوم على عدم التدخل في الشأن الداخلي لسوريا، مع التركيز على حماية أمنه الوطني من التهديدات العابرة للحدود، مثل تهريب المخدرات والسلاح، والنشاطات غير الشرعية التي نشطت بفعل تراجع سلطة الدولة السورية في بعض المناطق الحدودية. ومن هذا المنطلق، يحرص الأردن على التنسيق الأمني مع الأطراف المعنية دوليًّا وإقليميًّا، دون أن يتورط في أيِّ صيغةٍ من صيغ التدخل السياسي أو العسكري في الداخل السوري”.
ويرى أن مستقبل السويداء يَبقى مرتبطًا إلى حدٍّ كبيرٍ بالتوازن بين قدرة الدولة السورية على استعادة دورها في الجنوب، وبين حجم التأثير الخارجي المتزايد الذي يستغلُّ حالة الفراغ والفوضى. وإذا استمرت بعض القوى الدولية، وخصوصًا إسرائيل، في استثمار الأوضاع الداخلية من خلال دعم جماعات محلية خارجة عن الإجماع الوطني السوري، فقد يتحول الجنوب السوري إلى ساحة صراعٍ دائمٍ تُهدِّد الاستقرار الإقليمي.
اقرأ أيضاً: المسار السوري ـ الإسرائيلي السري: فرصه وحدوده في ضوء تراجع محور الممانعة
ويشير إلى أن “من هنا، فإن المطلوب هو تحصين الداخل السوري من محاولات التوظيف الخارجي، وتمكين أبناء السويداء من التعبير عن مطالبهم ضمن الإطار الوطني الجامع، بعيدًا عن الأجندات التي قد تجرُّ المنطقة إلى مزيدٍ من الانقسام”.
ويعتقد أنه يمكن أن يكون للأردن دورٌ إيجابيٌّ في جنوبي سوريا من خلال تعزيز التنسيق الأمني لحماية حدوده ومكافحة تهريب المخدرات، دون التدخل في الشأن السوري الداخلي. كما يمكن أن يساهم في دعم جهود الاستقرار عبر العمل الإنساني والإغاثي بالتعاون مع منظمات دولية، والمساهمة في تخفيف التوترات عبر القنوات الدبلوماسية، بما يحافظ على وحدة سوريا وأمن المنطقة.
من جهته، يقول حسام طالب محلل سياسي دمشق، لـ”963+”، إن “بداية الأحداث في السويداء كانت جميع الأطراف موافقة على دخول قوات حكومية إلى المحافظة، لكن أحد الأطراف في السويداء نقض ذلك الاتفاق ودعا لمواجهة القوات الحكومية، مشيراً إلى أن ذلك كان مرتبطاً بطرف خارجي شجّع على مواجهة الدولة ليكون طرفاً في صراع وشأن سوري”.
اقرأ أيضاً: العلاقات السورية الأردنية.. كل أزمة على حدة
ويضيف أن “لإسرائيل دور كبير بإشعال الفتنة بين السوريين، كما أنها قصفت قوات الجيش والأمن ومبنى الأركان والقصر الجمهوري، الذي أجبر الحكومة في الانسحاب من السويداء، والتوصل إلى اتفاق أميركي تركي أردني يقضي بوقف إطلاق النار”.
ويشير إلى أن الأردن قادت جهوداً للتهدئة والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في السويداء، كما أن للسعودية دور كبير في التوصل للاتفاق الذي لا زال سارياً بين الدولة وفصائل السويداء. في حين كان للطرف الإسرائيلي تأثير سلبي في الأحداث وأشعل مواجهات أدت إلى ارتكاب انتهاكات من قبل مجموعات مسلحة.
تصفح أيضاً