ملخص
توقعت الاستطلاعات الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة أن الليكود لن ينجح في كسب عدد كاف من المقاعد اللازمة لتشكيل غالبية برلمانية في حال إجراء انتخابات، على رغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت ارتفاعاً في التأييد للحزب، الذي يعد واحداً من أبرز الأحزاب الإسرائيلية، وأحد الأركان الأساسية في المشهد السياسي منذ عقود.
لم يكن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل في الـ24 من يونيو (حزيران) الماضي، الذي أنهى صراعاً دام 12 يوماً واعتبره كثيرون نجاحاً باهراً لتل أبيب، مجرد عنوان عابر في تغطيات الأخبار وبين سطور الافتتاحيات وتقارير الرأي والتحليلات، بل تحولت الهدنة إلى محطة مرحلية تحاصرها أزمة ثقة تتسع ولا تنحسر لدى كثير من الإسرائيليين، لا سيما في ظل استمرار العمليات العسكرية، وتأرجح مسار الدبلوماسية الجاد المشوب بالغموض.
وفي وقت انشغلت وسائل الإعلام الرسمية الإسرائيلية بالترويج لخطاب “الانتصار على إيران”، أظهر معهد “ميدغام” لاستطلاعات الرأي ما يواجهه رئيس الحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو من صعوبات في استطلاعات الرأي منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
وتوقعت الاستطلاعات الإسرائيلية خلال الآونة الأخيرة أن الليكود لن ينجح في كسب عدد كاف من المقاعد اللازمة لتشكيل غالبية برلمانية في حال إجراء انتخابات، على رغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت ارتفاعاً في التأييد للحزب، الذي يعد واحداً من أبرز الأحزاب الإسرائيلية وأحد الأركان الأساسية في المشهد السياسي منذ عقود.
ووفقاً للمكتبة اليهودية الافتراضية، تعني كلمة “ليكود” في العربية الاتحاد أو الدمج، وقد نشأ الحزب في سبعينيات القرن الـ20 من تكتل أحزاب يمينية إسرائيلية، التي أصبحت في ما بعد حزباً واحداً تمكن من قيادة إسرائيل في كثير من محطاتها التاريخية، ولعب دوراً محورياً في تشكيل السياسات، خصوصاً في مجالات الأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية.
بيان تأسيسي
في سبتمبر (أيلول) 1973 بادر الجنرال الإسرائيلي آرييل شارون بعد تسريحه من الجيش، لتجميع تكتل أحزاب “حيروت” و”الليبرالي” و”المركز الحر” و”حركة العمل من أجل أرض إسرائيل الكاملة”، لتحدي حزب العمل الإسرائيلي، الذي كان يهيمن على حكم البلاد منذ نشأتها في عام 1948. ونجح التكتل الذي سمي بـ”الليكود” بإلحاق هزيمة كبيرة بحزب العمل، ليشكل الحكومة للمرة الأولى في تاريخه عام 1977 برئاسة مناحيم بيغين.
آنذاك عرف البيان التأسيسي الحزب بأنه عبارة عن “حركة وطنية – ليبرالية تسعى من أجل جمع الشتات اليهودي حول العالم وحرية الإنسان والعدالة الاجتماعية، مروجاً لسياسته الراسخة في تعميق قيم الشعب الإسرائيلي في التراث وإقامة نظام حكم ديمقراطي ودمج الأقليات، مع التأكيد أن القدس هي عاصمة إسرائيل الأبدية والموحدة، مع رفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، في مقابل الالتزام بتعزيز الاستيطان اليهودي وتعزيز الأمن القومي الإسرائيلي وقوة الردع العسكري”.
ويؤمن الحزب السياسي الذي تبنى التوجه اليميني الليبرالي بفكرة “إسرائيل الكبرى” و”خصوصية الأمة اليهودية” كدستور، وتوجهه مذهبي وسياسي. وبين عام 1977 وحتى عام 1984 بقي حزب “الليكود” في الحكم، لكنه غاب بعد ذلك مدة عامين قبل العودة للحكم مرة ثانية بقيادة إسحق شامير عام 1986 الذي استمر حتى عام 1992، ثم عاد الحزب للحكم مرة ثالثة بقيادة بنيامين نتنياهو عام 1996 مدة ثلاثة أعوام.
وفي عام 2001 تمكن المبادر الأول لتأسيس حزب “الليكود” شارون من إطاحة زعيم حزب العمل إيهود باراك والوصول إلى سدة الحكم، واستمر في منصبه كرئيس للحكومة حتى عام 2005. وشهد الحزب على مدار تاريخه انشقاقات متعددة، بدءاً من انشقاق أعضاء “المركز الحر”، خلال انتخابات الكنيست الثامنة، ثم انشقاق أعضاء آخرين اعتراضاً على اتفاق “كامب ديفيد” عام 1978، وشهد أيضاً انقساماً عند الانسحاب من غزة عام 2005، وهو الأمر الذي دفع نتنياهو آنذاك إلى قيادة حملة لإقصاء شارون من رئاسة الحزب.
تحول لافت
منتصف التسعينيات، شهد حزب “الليكود” الذي نشأ على الإيمان بفكر المحافظين الجدد تحولات نوعية، وانتقل من كونه حزباً عقائدياً أيديولوجياً إلى حزب تهيمن عليه فئة من المستوطنين المتشددين التي دفعت الحزب لتبني خطاب وسلوك سياسي أدى إلى صدامات داخلية وخارجية، خصوصاً بعد أن بدأ الحزب العمل بنظام الانتخابات الداخلية لاختيار مرشحين للانتخابات التشريعية، مما أعطى قدرة كبيرة للتيار الأكثر تشدداً داخل المستوطنات للتأثير في مسار الحزب الذي أصبح بعد ذلك يتسم بالمحافظة القومية.
وعلى رغم أن “الليكود” أيد السلام مع ضمانات أمنية، اتخذ موقفاً غامضاً من اتفاق أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وعارض التنازل عن عدد من الأراضي لصالح الفلسطينيين وتفكيك المستوطنات في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967، وخلق مسار “حل الدولتين ” آنذاك انقساماً داخل الحزب المعارض بالأساس لفكرة إنشاء دولة فلسطينية تحت أي ظرف. الأمر الذي أدى إلى انشقاق في صفوفه وانسحاب مؤيدي حل الدولتين، خصوصاً بعد أن أشرفت الحكومة بقيادة “الليكود” تحت زعامة شارون عام 2005 على الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
وقد دفعت المعارضة الشديدة لخطة “فك الارتباط” أحادي الجانب بشارون إلى ترك الحزب مع عدد من المعتدلين، وتشكيل حزب الوسط كاديما (إلى الأمام) الذي فاز بالانتخابات البرلمانية عام 2006 بأكبر حصة من المقاعد، أما “الليكود” الذي قاده نتنياهو بعد رحيل شارون آنذاك فقد كان أداؤه جيداً في الانتخابات واحتل المركز الرابع.
وعلى رغم احتلال “الليكود” المركز الثاني في الانتخابات البرلمانية عام 2009 تمكن نتنياهو من تشكيل الحكومة، إلا أنه ظل متأرجحاً لأكثر من عقد بين ائتلافات هشة من أحزاب الوسط واليمين. وأظهرت انتخابات عام 2015 فوزاً مفاجئاً للحزب بـ30 مقعداً، وشكل نتنياهو حينها ائتلافاً ضيقاً ضم أحزاباً يمينية متطرفة صغيرة، وحزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان الذي عينه وزيراً للدفاع، وكان يعتقد أنها الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل حتى تلك المرحلة، لكن النزاع المتجدد حول الإعفاءات من الخدمة العسكرية لليهود الحريديم (الأرثوذكس المتطرفين) أدى إلى انتخابات مبكرة.
معارضة شرسة
صحيح أن نتنياهو واجه اتهامات بالفساد والرشوة وإساءة الأمانة منذ عام 2019، لكن حزبه حقق مكاسب كبيرة في انتخابات مارس (آذار) 2020. وفي حين لم تكن تلك المكاسب كافية لتشكيل ائتلاف حاكم، تسبب تفشي فيروس كورونا حينها في منحه الفرصة لقيادة حكومة طوارئ لمدة 18 شهراً. ومع فشل حكومة الوحدة في تمرير موازنة سنوية بحلول نهاية عام 2020، دخل حزب “الليكود” مجدداً في جولة جديدة من المنافسة في الانتخابات البرلمانية في مارس (آذار) 2021، لكنه لم يحقق عدداً مماثلاً لعدد المقاعد في الانتخابات التي سبقتها، وأطاح به طيف واسع من الأحزاب المتحدة، مما دفع “الليكود” للمرة الأولى منذ أكثر من عقد الدخول في خانة المعارضة، ولكن الائتلاف التاريخي الذي كان يضم حزباً يمثل مصالح الأقلية الفلسطينية الكبيرة في إسرائيل، لم ينجح في الصمود أمام قدرات “الليكود” في إثارة الانشقاقات بين أقصى أعضاء الحكومة يميناً.
وأجبر الائتلاف في يونيو عام 2022 على مواجهة خطوط صدعه والانقسامات التي أفشلت المضي قدماً في تشريعات، إلى أن جرى حل الكنيست في وقت لاحق من ذلك الشهر. وعلى إثر شعور عدد من الناخبين بالاستياء والقلق حول تآكل الهوية اليهودية لإسرائيل جراء الانتخابات السابقة التي ضمت أحزاباً عربية تدعم حقوق الفلسطينيين في إسرائيل، حول عدد منهم دعمهم إلى حزب “الصهيونية الدينية” اليميني بزعامة بتسلئيل سموتريتش، الذي عارض بشدة الجلوس في حكومة تعتمد على الدعم الفلسطيني. وبرز حزبه باعتباره ثالث أكبر حزب في الكنيست، الذي ساعد حزب “الليكود” العودة للحكم من جديد أواخر عام 2022، وتشكيل تركيبة سياسية ائتلافية هي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل.
علامة فارقة
منذ فوز حزب “الليكود” في الانتخابات الأخيرة، برز عدد من القضايا التي شكلت محط انقسامات وخلافات غير مسبوقة، خصوصاً في أعقاب دعوة وزير الدفاع السابق يوآف غالانت الحكومة الإسرائيلية إلى وقف موقت لتشريع الإصلاح القضائي للسماح بإجراء محادثات تسوية.
وأظهرت الانتقادات المتبادلة بين غالانت ونتنياهو اللذين ينتميان للحزب نفسه، منعطفاً جديداً يعكس عمق الخلافات داخل حزب “الليكود” إذ يعتبر غالانت الوزير الوحيد الذي خرج ضد التعديلات القضائية وصرح بأن ذلك يشكل خطراً على إسرائيل وشكل قراره الموافقة على إصدار أمر بتجنيد الحريديم نهاية عام 2024 صدعاً آخر أدى إلى إعلان استقالته من الكنيست مع بقائه عضواً في حزب “الليكود” برئاسة نتنياهو.
وفي ظل تخوفات متزايدة تتمحور حول مدى صمود نتنياهو في سدة الحكم وسط حرب متعددة الجبهات تواجه عاصفة من الانتقاد العالمية، بدأ وزراء في الحزب وأعضاء الكنيست الانجذاب من وراء الكواليس نحو خلفاء محتملين، خصوصاً وأن السابع من أكتوبر 2023 بات علامة فارقة في تاريخ ومكانة حزب “الليكود”، وزعيمه أكثر من أي عامل آخر، على اعتبار أن الفشل الذي وقع في المجالين الأمني والعسكري للأجهزة الأمنية الإسرائيلية القوية، مثل “الشاباك” والاستخبارات العسكرية، في توقع هجمات “حماس” التي كان يمكن التحذير منها بصورة تسمح بتعبئة القوات واتخاذ تدابير استباقية، خصوصاً وأن فشل المنظومة الأمنية في صد تدفق عناصر الحركة في الساعات الأولى للهجوم على المستوطنات القريبة من حدود غزة، أدى إلى مقتل نحو 1200 إسرائيلي.
وتعد صفقة تبادل الأسرى بين “حماس” وإسرائيل من أبرز نقاط الخلاف بين أعضاء الحزب الذي انقسم بين مؤيد ومعارض، وفي الـ14 من أغسطس (آب) 2024 وجه 10 من أعضاء الكنيست في “الليكود” رسالة إلى نتنياهو يفصلون فيها خطوطهم الحمراء للصفقة، بما في ذلك السيطرة على محور “فيلادلفي” و”نتساريم” ومعبر رفح وإعادة جميع المحتجزين الإسرائيليين لدى “حماس”.