–
يمكن اعتبار صيف هذا العام في إيران الأكثر حرارة وسخونة خلال العقود الأخيرة، ليس بيئياً فحسب وإنما سياسياً وعسكرياً أيضاً، إذ يشكّل نقطة التقاء أزمات متداخلة ومتعدّدة الأبعاد، داخلية وخارجية، يتشابك بعضها ببعض وتؤثّر وتتأثّر في ما بينها بشكل مباشر. فعلى الصعيد الداخلي، وإلى جانب استمرار الغلاء المتفاقم، تشهد البلاد هذا الصيف تصاعداً غير مسبوق في أزمتي المياه والكهرباء، حتى أصبحت جداول انقطاع التيار الكهربائي جزءاً ثابتاً من الحياة اليومية، وامتدت في بعض المناطق من ساعتين إلى مرتين يومياً، لتبلغ أربع ساعات في اليوم. أما أزمة المياه، فقد ظهرت آثارها أوضح من أي وقت مضى، خاصة في طهران، حيث اضطرت السلطات فيها لأول مرة إلى جدولة توزيع المياه أو تقليل ضغطها في بعض مناطقها.
تضاعفت حدة هذه الأزمات بفعل الجفاف الممتد الذي ينهك إيران منذ سنوات، حيث وصلت معدلات الأمطار والثلوج فيها وخاصة في العاصمة إلى أدنى مستوياتها خلال ستة عقود. غير أنّ المفارقة المثيرة للتساؤل تكمن في أن إيران، رغم ثرائها بالنفط والغاز، تعاني من نقص في وقود محطات التوليد، وهو ما يكشف أنّ جذور الأزمة تتجاوز الظواهر الطبيعية لتتصل بسوء الإدارة وتراكم الإخفاقات وغياب التقدير والتخطيط السليمين لدى الحكومات السابقة، الأمر الذي يبرر تصاعد موجات الانتقاد واتساع دائرة الاستياء لدى المواطنين.
وعلى الرغم من كل ذلك، لا يمكن إغفال التأثير العميق للعقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة منذ عقود، خاصة الشاملة منها منذ عام 2018، إذ تسببت في تقليص حاد للموارد المالية لتطوير قطاع الطاقة ومعالجة الأزمات البيئية، بعدما كانت إيرادات النفط تغطي كثيراً من مكامن الضعف البنيوية في الاقتصاد الإيراني. لهذا، لم يكن مستغرباً أن يتوقع البعض اندلاع احتجاجات شعبية هذا الصيف مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية، لكن ما حدث كان مختلفاً، فقد فرض العدوان الإسرائيلي والأميركي أولوية قصوى على الساحة مرتبطة بموضوع الأمن القومي ومستقبل الدولة، ما همّش الأزمات المعيشية والطاقوية ولو بشكل مؤقت رغم تفاقمها وأبعدها عن تصدُّر المشهد.
واليوم مع تصاعد الخشية الشعبية من تدهور الأوضاع على ضوء جمود أفق مفاوضات نووية ترفع العقوبات، وتهديد أوروبا بتفعيل “سناب باك” في حال لم يُعقَد اتفاق جديد بحلول نهاية أغسطس/ آب الحالي، يبقى السؤال الأبرز الذي همش أسئلة ملحة أخرى: هل ستندلع حرب جديدة تجعل هذا الصيف أشد سخونة من أي وقت مضى خلال ما تبقى من الشهر؟
تتجلى حالة عدم اليقين حيال نهاية الحرب في التهديدات المتصاعدة من المسؤولين الإيرانيين ورؤى المراقبين والمتخصصين في الداخل الإيراني. الذي يعزز احتمال وقوع جولة أخرى من المواجهة بين إيران وإسرائيل هو عدم تحقق أهداف الطرف الآخر الاستراتيجية في تدمير البرنامج النووي الإيراني، بالرغم من كل الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية أثناء الحرب الأخيرة التي استمرت 12 يوماً.