
أبلغت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية في شرق سورية إدارات المدارس الخاصة والعامة بقرار توحيد المناهج الدراسية، واعتماد المناهج الخاصة بها، وإلغاء تدريس المناهج الصادرة عن الحكومة في دمشق، أو مناهج الأمم المتحدة ومنظمة “يونيسف”، ما أثار موجة اعتراضات، خصوصاً على مقررات الثقافة الجنسية، فضلاً عن كون الشهادات غير معترف بها.
مدرسة مكتظة في الحسكة، يناير 2025 (العربي الجديد)
طلاب وشباب
مدارس شمال شرقي سورية غير جاهزة للعام الدراسي الجديد
ووفق معلمين سوريين، أُبلغ القرار شفهياً خلال اجتماع للكوادر التربوية، قيل فيه إن “مناهج الحكومة السورية لن تُدرّس بعد اليوم في أي من مدارس شمالي وشرقي سورية”، وأكد مسؤول في هيئة التربية في القامشلي التابعة للإدارة الذاتية أن “القرار يسري على جميع المدارس، الحكومية والخاصة”.
ورد المكتب الإعلامي في وزارة التربية السورية على طلب تفاصيل، قائلاً إن الوزارة لا ترغب في التعليق على الموضوع، فيما أكد مسؤول في الوزارة لـ”العربي الجديد”، أن هناك لجنة مشتركة بين وزارة التربية وإدارة التربية في مناطق الإدارة الذاتية تجتمع بشكل دوري لبحث الموضوع.
وكان ملف التعليم محور نقاشات عدة بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية الانتقالية خلال الأشهر الماضية، من بينها اجتماع جرت خلاله مناقشة تفاصيل تتعلق بالمناهج والامتحانات. وفي وقت سابق، اتفق مسؤولون من الطرفين على إجراء الامتحانات في بعض المناطق شمالي سورية، لكنهم لم يتوصلوا إلى صيغة مشتركة حول المناهج، أو إلى قرر يتيح اعتراف دمشق بالشهادات الصادرة عن مؤسسات الإدارة الذاتية التعليمية.
ويوجد في العاصمة دمشق حالياً وفد من الإدارة الذاتية ليجري لقاءات مع وزارة التربية والتعليم بمشاركة الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد، التي قالت إن ملف التعليم سيكون المدخل الأول لبدء الحوار.
من ريف دير الزور الشرقي، يقول المعلم قاسم الحسين لـ”العربي الجديد”: أبلغنا كثيرٌ من أولياء أمور التلاميذ عزمهم نقل أبنائهم الى مدارس الحكومة في مدينة دير الزور حال تنفيذ القرار الصادر من هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية بفرض المنهاج الخاص بها. غالبية مدارس ريف دير الزور الشرقي تدرس منذ سنوات منهاج “يونيسف”، والكوادر الإدارية والتعليمية في هذه المدارس أبلغوا هيئة التربية أنهم سيقدمون استقالات جماعية حال تم فرض المنهاج عليهم”.
ومن ريف تل حميس شمال مدينة الحسكة، يقول إدريس بيندوري لـ”العربي الجديد”: “الإدارة الذاتية تصدر الكثير من القرارات، ثم تتراجع عنها، وهذا القرار غير مدروس، ولم يصدر بشكل رسمي، والأغلب أنه لن ينفذ. لنفترض أن الناس قبلوا، وأرسلوا أولادهم إلى مدارس الإدارة الذاتية، فهي غير مزودة بالكفاءات التدريسية، والمناهج غير معترف بها. الأمور السياسية لم يتم التوصل إلى حلول فيها، وكان الأفضل أن يكون التعليم آخر خطوة، وتجرى دراسته بعد إنجاز تفاهمات واتفاقات”.
من جهته، يقول المحاضر السابق في جامعة دمشق فريد سعدون، لـ”العربي الجديد”، إن “الإدارة الذاتية قررت فرض مناهجها التعليمية في مناطق شرق الفرات، لكن لا نعلم إن كانت قادرة على تحمل تبعات هذا القرار، وهل لديها القدرة على احتواء رد فعل المجتمع، سواء العشائر أو المنظمات أو الكنيسة؟ عدا رد فعل الحكومة التي ما زالت مفاوضاتها مستمرة مع قوات سوريا الديمقراطية”.
يضيف سعدون، وهو كردي: “أعتقد أن القرار كان يجب أن يُتخذ منذ بداية استلام الإدارة الذاتية السلطة في مناطق شرق الفرات في عام 2014، لكن أن يُفرض اليوم في ظل التفاوض السياسي القائم بين قسد والحكومة، فعلى الأرجح ستكون له عواقب غير محمودة، والتراجع عنه لا يزال ممكناً. كان هناك تفاهم خلال الفترة الماضية، ولقاءات بين الطرفين، وناقشت المسؤولة الكردية إلهام أحمد موضوع التعليم مع الوزير أسعد الشيباني، وكانت هناك تسريبات حول إمكانية الاعتراف بمناهج الإدارة الذاتية مقابل تسليم مناطق للحكومة، ما يعني أن التعليم بات مادة للتفاوض السياسي. أتوقع أنه بمجرد الاتفاق، ستعود مدارس الدولة لممارسة عملها في مناطق شرق الفرات، بينما تراهن قسد على عدم بقاء الحكومة، من دون النظر إلى الظروف الدولية والإقليمية التي تمنع سقوطها”.
بدوره، يقول مسؤول المنظمة الآثورية الديمقراطية كبريئيل موشي، لـ”العربي الجديد”، إن القرار “يمثل خطوة إلى الوراء، ويثير الإشكالات نفسها التي أثيرت خلال الأعوام الماضية عند بدء العام الدراسي. المشكلة أن هذه المناهج غير معترف بها، وكان الناس يضطرون إلى نقل أبنائهم إلى محافظات أخرى، أو يضطرون إلى الهجرة لتعليمهم، وهذا العام الأوضاع مختلفة، فالحكومة لم يعد لها دور في مناطق الإدارة الذاتية، أو حتى وجود رسمي، وباعتقادي أن هذا سيعمق استعصاء الحالة الراهنة، وسيكبد أهالي الطلاب أعباء إضافية من أجل تعليم أبنائهم. القلق لا يقتصر على المجتمع المسيحي وحده، بل يشمل جميع الفئات من عرب وأكراد وسريان وآشوريين ومسيحيين ومسلمين وإيزيديين، وأعتقد أن الكنائس ستدخل في حوار مع الإدارة الذاتية من أجل التوصل إلى حلول”.
وحول ما نقل عن “مجلس كنائس الجزيرة” بأن المدارس التابعة له ستبقى مفتوحة، وستدرس المنهاج السوري المعترف به دولياً، يوضح موشي أن “المجلس دوره اتخاذ قرارات متعلقة بالمدارس التابعة له، لكن ربما يكون هناك توافق بين جميع الكنائس من أجل بدء تحرك تجاه الإدارة الذاتية من أجل حل الموضوع. ليست الكنائس فقط التي تريد المنهاج الحكومي، وإنما كل أهالي مناطق الجزيرة السورية بمختلف مكوناتها، وليس هذا حباً فيه، وإنما لكونه معترف به، ويؤمن الفرصة لأبنائهم لاستكمال دراستهم في جامعات الداخل والخارج”.
ومن الحسكة، ترى المعلمة سوزان محمود القرار غير صائب، وتقول لـ”العربي الجديد”: “التعليم خط أحمر، وقد تحملنا كل الضغوط والصعاب من أجل تعليم أبنائنا، ولن نرسلهم إلى مدارس الإدارة الذاتية. جميع أبناء الكوادر التعليمية يدرسون في مدارس الحكومة، أو المدارس الخاصة، فكيف يقبلون بدراسة أطفالهم منهاجاً ليسوا مقتنعين به؟ هذا المنهاج مرفوض دولياً، وغير معترف به على مستوى سورية”.
ويرفض باسل يوسف فرض الإدارة الذاتية مناهجها وكأنها دولة، قائلاً إن “الحق في فرض المناهج لا تملكه سوى الدول، حتى في أوسع أشكال الفيدرالية واللامركزية. في النتيجة، أطفالنا سيتحولون إلى ضحايا الشعارات الحزبية التي لا تعترف بها أي جامعة، ولا أي سوق عمل. جيل كامل يُضحّى بمستقبله فقط ليُقال إن للإدارة الذاتية منهاجاً خاصاً، بينما ليس من حق حزب أو إدارة مؤقتة أن تقرر هوية جيل كامل”.
الحكومة السورية تسعى لربط التعليم بسوق العمل، 12 يوليو 2025 (فيسبوك/التربية والتعليم)
طلاب وشباب
سورية تشكل المجلس الأعلى للتربية والتعليم لتعزيز تطوير المناهج
في المقابل، يقول الناطق باسم المجمع التربوي في مخيمات الإدارة الذاتية محمد حاجو، لـ”العربي الجديد”، إن “مناهج الإدارة الذاتية وضعت من قبل مختصين وأكاديميين في اللغات والمواد العلمية، سواء في اللغة العربية أو الكردية أو السريانية، وقد أشرفوا على هذه المناهج التي كانت تطبق سابقاً في محافظة الحسكة ومدينة القامشلي، بينما كانت مناهج الحكومة السورية تُدرَّس في المربعات الأمنية التي كانت تحت سيطرة قوات النظام السابق، وبعد سقوط نظام الأسد، سيطرت الإدارة الذاتية على هذه المناطق، وأصبحت المدارس تابعة لها، لذا من الطبيعي أن تفرض عليها مناهجها”.
ويتابع حاجو: “هناك خمسة مناهج في سورية، هي منهاج الإدارة الذاتية، والمنهاج التابع للائتلاف الوطني، ومنهاج محافظة إدلب (منهاج الحكومة الانتقالية الحالية)، والمنهاج التابع للنظام السوري السابق، وفي كل منطقة حسب جهة السيطرة، كان يُدرَّس المنهاج المخصص، فضلاً عن منهاج الأمم المتحدة الذي تعتمده منظمة يونيسف، وعندما اتخذت الإدارة الذاتية قرار توحيد المناهج في مناطق شمال وشرق سورية، فرضت مناهجها الخاصة التي تتألف من اللغات الثلاث، الكردية والعربية والسريانية، أي أن كل مكون يدرس بلغته، وهناك تأييد كبير لقرار فرض المناهج من قبل السكان، خلافاً لما يُروَّه حول الرفض، وخلافاً لتوقعاتنا السابقة”.
وفي العاشر من مارس/آذار الماضي، وُقّع في العاصمة دمشق اتفاق مكون من ثمانية بنود بين قوات سوريا الديمقراطية، ممثلة بقائدها مظلوم عبدي، والحكومة السورية ممثلة بالرئيس أحمد الشرع، بهدف وضع أساس للعلاقة بين مناطق الإدارة الذاتية والحكومة المركزية، ونصّ الاتفاق على ضمان الحقوق الدستورية للمكوّن الكردي، ودمج المؤسسات العسكرية والمدنية في إطار الدولة، ووقف إطلاق النار، وتأمين عودة المهجرين، إضافة إلى رفض خطاب الكراهية ودعم الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب.