تتضمن تبادل أسرى… ومساعدات… وحكومة فلسطينية جديدة… وخطوات إقليمية- دولية بينها الاعتراف بالدولة الفلسطينية

تكثف دول كبرى وإقليمية، جهودها لتحويل مجموعة من الأفكار إلى خطة عمل بمراحل محددة وتفصيلية ومتداخلة، تبدأ بهدنة في غزة لمدة 45 يوما، وتنتهي باتفاق إقليمي- دولي كبير قبل يونيو/حزيران المقبل، موعد بدء انشغال المؤسسات الأميركية خصوصا الكونغرس في الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

هذه الأفكار، تقوم على ثلاث مراحل: هدنة في غزة. مسار سياسي يخص الإسرائيليين والفلسطينيين. اتفاق إقليمي- دولي.

ونقطة البداية لهذه التحركات، هي الاتفاق على هدنة في غزة بناء على مسودة الاتفاق الإطاري الذي أعده مسؤولون أميركيون وقطريون ومصريون وإسرائيليون في باريس، وحصلت “المجلة” على نص مشروع الاتفاق.

 

 

نص “اتفاق باريس”

كان مدير “وكالة الاستخبارات المركزية” الأميركية (سي آي إيه) وليم بيرنز قد عقد مع مسؤولين أمنيين وسياسيين إسرائيليين وقطريين ومصريين محادثات للوصول إلى اتفاق حول هدنة غزة. وبعد جولات مكوكية، تم التوصل إلى ورقة تحمل اسم “إطار عام لاتفاق شامل بين الأطراف”، من ثلاث مراحل.

وحسب النص، الذي حصلت “المجلة” عليه، تستمر المرحلة الأولى 45 يوما، وتهدف “الحركة الإنسانية إلى الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين من النساء والأطفال (دون سن 19 عاما) والمسنين والمرضى، مقابل عدد محدد من المسجونين الفلسطينيين، إضافة إلى تكثيف المساعدات الإنسانية. وإعادة تمركز القوات خارج المناطق المأهولة بكثافة، والسماح ببدء أعمال إعادة إعمار المستشفيات في كافة مناطق القطاع، والسماح للأمم المتحدة ووكالاتها بتقديم الخدمات الإنسانية، وإقامة مخيمات الإيواء للمدنيين، وذلك وفق ما يلي:
–    وقف مؤقت للعمليات العسكرية، ووقف الاستطلاع الجوي، وإعادة تمركز القوات الإسرائيلية بعيدا خارج المناطق المأهولة بكثافة في كل قطاع غزة، وذلك لتمكين الأطراف من استكمال تبادل المحتجزين والمسجونين.
–    يقوم الطرفان بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين من النساء والأطفال (دون سن 19 عاما) والمسنين والمرضى، مقابل عدد من المسجونين الفلسطينيين، على أن يتم ذلك بشكل يضمن الإفراج خلال هذه المرحلة عن جميع الأشخاص المدرجة أسماؤهم في القوائم المتفق عليها مسبقا.
–    يسمح الجانب الإسرائيلي بتكثيف إدخال كميات كبيرة (سيتم تحديدها) من المساعدات الإنسانية والوقود وما يشبه ذلك، بشكل يومي، وكذلك يتيح وصول كميات مناسبة من المساعدات الإنسانية إلى كافة المناطق في قطاع غزة بما فيها شمال القطاع.
–    السماح بإعادة إعمار المستشفيات في كل القطاع وإدخال ما يلزم لإقامة مخيمات للمدنيين/ خيام لإيواء المدنيين، والسماح باستئناف كل الخدمات الإنسانية المقدمة للمدنيين من قبل الأمم المتحدة ووكالاتها.
–    البدء بمباحثات (غير مباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة لإعادة الهدوء”.

 

وتتضمن المرحلة الثانية حسب الورقة: “الإفراج عن جميع المحتجزين الرجال (المدنيين والمجندين)، مقابل عدد محدد من المسجونين الفلسطينيين، واستمرار الإجراءات الإنسانية للمرحلة الأولى، وذلك وفقا لما سيتم التوافق عليه في المرحلة الأولى”، فيما تقول إنه في المرحلة الثالثة “يجب الانتهاء من المباحثات (غير المباشرة) بشأن المتطلبات اللازمة لإعادة الهدوء والإعلان عنها، وذلك قبل نهاية المرحلة الثالثة. وتهدف هذه المرحلة إلى تبادل جثامين ورفات الموتى لدى الجانبين بعد الوصول والتعرف عليهم، واستمرار الإجراءات الإنسانية للمرحلتين الأولى والثانية، وذلك وفقا لما سيتم التوافق عليه في المرحلتين الأولى والثانية”.

“حماس” و”الجهاد”

أرسلت مصر مسودة الاتفاق هذه إلى قادة “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، وهما تدرسان نصها، لإبلاغ القاهرة بموقفهما، لكن النقطة الأساسية لديهما، هي تحويل الهدنة إلى وقف إطلاق نار كامل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإطلاق أكبر عدد من الأسرى، إضافة إلى تكثيف المساعدات الإنسانية وعودة النازحين إلى ديارهم. ويتوقع أن ترسل “حماس” و”الجهاد” ورقة بموقفهما إلى مصر قريبا.
كانت مصر قد سلمت الجانبين ورقة مختلفة نهاية العام الماضي، تضمنت بنودا فنية عن الهدنة وأمورا سياسية تشمل بندين: الأول، تشكيل “حكومة تكنوقراط غير فصائلية لإدارة قطاع غزة والضفة الغربية”، وتخلي “حماس” عن حكم غزة، مقابل وقف كامل لإطلاق النار. الثاني: رعاية أميركية– مصرية– قطرية لهذا الاتفاق.

 

 

وكانت تلك الورقة تتحدث عن صفقة إنسانية تمتد بين 7 و10 أيام، يتم خلالها قيام “حماس” بالإفراج عن جميع المدنيين الموجودين لديها من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد مناسب يُتفق عليه من الأسرى الفلسطينيين لديها.
وتقول إسرائيل إن 129 شخصا لا يزالون محتجزين كرهائن، وكان التقدير في ديسمبر/كانون الأول أن 21 شخصا على الأقل قد ماتوا. وقد أطلقت “حماس” المحتجزين المدنيين، وهم 110 أشخاص، وتم انتشال 11 جثة، بينهم ثلاثة رجال أطلق عليهم الجيش الإسرائيلي النار عن طريق الخطأ. وفي المقابل، أفرجت إسرائيل عن 240 فلسطينيا من سجونها.

 

المرحلة الثانية: الإطار السياسي

تراهن أميركا ودول عربية على الاستفادة من “الهدنة الإنسانية” التي تستمر 45 يوما، لإعادة ترتيب الأولويات في إسرائيل والشرق الأوسط. وحسب مسؤولين غربيين، فإن هناك سلسلة من الخطوات التي يجري العمل عليها، وتشمل:
– تحويل الهدنة الإنسانية إلى وقف دائم للنار.
– الضغط على إسرائيل لوقف التحريض في الضفة الغربية ولجم المستوطنين.
– إعلان مواقف سياسية غربية إزاء الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
– إصلاح السلطة الفلسطينية وتشكيل حكومة تكنوقراط، لحكم قطاع غزة والضفة الغربية.
– تنفيذ تل أبيت للاتفاق الأميركي- النرويجي بتحويل أموال الضرائب لدفع رواتب موظفي السلطة الفلسطينية.
– بحث إعمار قطاع غزة ونشر مراقبين لتوفير الأمن.
– يعمل فريق الرئيس الأميركي جو بايدن على ورقة تسمى “معايير بايدن” للحل السياسي، في تقليد لـ”معايير كلينتون” التي أعلنها الرئيس السابق بيل كلينتون نهاية عام 2000.
ويقول مسؤولون غربيون إن تصريحات وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون ومسؤولين غربيين عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هدفه فتح أفق المسار السياسي والضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. كما يجرى تداول مقترح لعقد مؤتمر دولي للسلام في المنطقة، بموجب اقتراح أوروبي.

السياق الإقليمي- الدولي

يأمل العاملون على هذه الأفكار بالانتقال إلى المرحلة الثالثة، أو السياق الثالث، الذي يشمل بحث ترتيبات أمنية وهيكلية إقليمية تغير الأولويات في المنطقة، وتعيدها إلى مرحلة ما قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خصوصا بعد اتخاذ خطوات للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويشمل ذلك مفاوضات أميركية– سعودية لتوقيع اتفاقات دفاعية استراتيجية.
وحسب مسؤولين غربيين، فإن هناك ثلاث عقد أمام تحويل هذه الأفكار إلى واقع ملموس. الأولى، نتنياهو وحكومته اليمينية، فهو يريد استمرار بقائه في الحكم لتجنب المحاكمة ولا يريد اتخاذ خطوات تؤدي إلى انهيار حكومته. الثانية، يحيى السنوار، قائد “حماس” في غزة، الذي لا يريد بدء مسار يؤدي إلى خروجه من المشهد. الثالث، إيران التي لا تريد إطلاق مسار إقليمي يضعف دورها وأوراقها في الإقليم.

 

 ويقول المسؤولون، إن الإدارة الأميركية تراهن على أن تحويل الهدنة الإنسانية إلى وقف نار دائم، قد يغير المزاج الإسرائيلي ويدفع باتجاه انضمام يائير لابيد إلى حكومة نتنياهو وخروج وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. ويشيرون إلى أن أفكارا طرحت لاحتمال خروج بعض قيادات “حماس” مثل يحيى ومحمد السنوار، والقائد العسكري لـ”القسام” محمد الضيف، من غزة إلى دولة عربية.
ولا شك أن اجتماع باريس الرباعي، وجولة وزير خارجية أميركا أنتوتي بلينكن في المنطقة، والاجتماع السداسي العربي المقبل، تبحث جوانب هذه النقاط.