التصعيد الإسرائيلي في غزة والاستعداد لعملية برية في القطاع، هما الهدف الذي وضعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للحرب التي يخوضها الآن. وهو يرفض الاستماع لنصيحة الرئيس الأميركي جو بايدن، بعدم ارتكاب أخطاء كتلك التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن.
تحفل الصحافة الأميركية والغربية عموماً، وليس عن عبث، بالمقالات التي تحذّر من عواقب الغزو البري لغزة، وتنبّه إلى أنّ “حماس” لا بدّ من أن تكون قد جهّزت نفسها لهذه اللحظة بشبكة أنفاق تمتد 30 ميلاً تحت الأرض، أي ما يزيد 12 مرّة على مساحة غزة.
وها هو القائد السابق للقوات الأميركية في العراق وأفغانستان والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي أي آي” الجنرال ديفيد بيتريوس، يذكّر بأنّ توغلاً برّياً في غزة لن يكون أقل من حيث الخسائر والمدة مما تكبده واستغرقه التحالف الدولي كي يتمكن من طرد تنظيم “داعش” من مدينة الموصل العراقية في 2016-2017.
استمرت تلك المعركة 277 يوماً بدعم من القصف الجوي الكثيف للمقاتلات الأميركية، ونجم عنها بحسب تقديرات تقريبية مقتل ما بين 9 آلاف إلى 11 ألف مدني. لكن ثمة من يشكّك في أن يكون الرقم أعلى بكثير. ولم تصدر أي حصيلة بالخسائر التي تكبّدتها فصائل الحشد الشعبي وقوات الجيش والشرطة العراقية، والتي كانت تخوض المعركة البرية تحت غطاء جوي أميركي.
لا يقدّم المسؤولون الأميركيون النصائح لإسرائيل، من باب الحرص على الخسائر التي ستلحق بالجانب الفلسطيني، وإنما حرصاً على ما سيلحق من خسائر بالقوات الإسرائيلية الغازية.
وحتى الآن، لا يُظهر نتنياهو أي علامات على التراجع عن خوض الحرب “حتى تغيير الشرق الأوسط”. وفي الواقع أنّ نتنياهو لا يرى أنّ من مصلحته الشخصية التراجع أو خفض التصعيد في هذه المرحلة، كي لا تزداد الضغوط عليه للتنحّي بسبب الإخفاق في توقّع هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
ولا يزال نتنياهو يعتقد أنّه أذكى من غولدا مائير بعد صدمة حرب 1973، وأذكى من إيهود أولمرت بعد حرب 2006. ولا يرى سبيلاً لتجنّب المساءلة عمّا حدث فجر 7 تشرين الأول، إلاّ في إطالة أمد الحرب، وتوريط ما يستطيع من الأطراف الخارجيين فيها وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
إنّ نتنياهو الذي كان يواجه انقساماً في المجتمع الإسرائيلي بسبب تشكيله حكومة من أقصى اليمين المتطرّف دينياً وقومياً، وعلى خلفية إدخاله تعديلات قضائية تحدّ من دور المحكمة العليا، بهدف واحد وهو ألاّ يتعرّض للإدانة في قضايا الفساد المتهم فيها، لن يتوانى عن إطالة أمد الحرب بقدر ما يستطيع كي لا يواجه اتهاماً أكبر وهو الفشل في يوم السابع من تشرين الأول 2023.
لا بدّ من أنّ المسؤولين الأميركيين الذين يبدون أقصى التعاطف مع إسرائيل يدركون أي محنة ستواجه نتنياهو في اليوم التالي لتوقف الحرب.
إنّ جزءاً من القصف الجوي المدمّر لغزة ومن توالي المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، ليسا سوى محاولة من نتنياهو لاستعادة هيبته والإيحاء للإسرائيليين بأنّه يسيطر على الزمام وبأنّه يقود إسرائيل إلى الانتصار على “حماس”.
ومع ذلك، يوجد في إسرائيل وفي أميركا وفي أوروبا، من يسأل بأي ثمن سيتمّ الدخول إلى غزة، وحتى لو دخلت القوات الإسرائيلية، فما هي الخطة التي ستلي ذلك؟
لا بدّ من أنّ نتنياهو غير مستعد للاستماع الآن، سوى لمن يشجعونه على ارتكاب المزيد من القتل من أجل القتل في غزة.
والسؤال، إلى أي مدى يمكن أن يذهب بايدن في مسايرة نتنياهو وعدم التحرّك للسيطرة على الوضع، قبل أن ينفلت إلى ما هو أسوأ بكثير ويورط أميركا نفسها في حرب أخرى في الشرق الأوسط، لن يكون المستفيد منها إلاّ التنظيمات الجهادية على غرار “القاعدة” و “داعش”؟
ويتعيّن على نتنياهو أن يقرأ جيداً موقفي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.