لا تكف تل أبيب عن إرسال رسائل النار والبارود لإيران على متن مقاتلاتها الحربية من دون تغيير عنوان “المرسل إليه” فما زالت مطارات سوريا المدنية، لا سيما في دمشق وحلب، تتلقى الضربة تلوى الأخرى، وسط ذهول حول ما يحدث من قصف ذات الأمكنة لثلاث مرات متتالية خلال 10 أيام
الأهداف المدنية
وقتل ثمانية جنود سوريين، فجر اليوم الأربعاء، في قصف إسرائيلي استهدف نقاطاً عسكرية عدة في محافظة درعا في جنوب البلاد، وفق ما نقل إعلام النظام السوري عن مصدر عسكري.
ولقي موظف مدني مصرعه وأصيب آخر بجروح جراء قصف صاروخي على مطار دمشق (يقع على بعد 25 كيلومتراً، شرق العاصمة) مما أدى إلى خروجه عن الخدمة، كما تعرض مطار حلب (يبعد عن مركز المدينة 10 كيلومترات) لاستهداف مماثل وخرج عن الخدمة أيضاً. وألحقت الغارات أضراراً بمهابط المطارين، وتم تحويل الرحلات الجوية إثر هذه التطورات إلى مطار اللاذقية الدولي، غرب سوريا.
ورد النظام السوري ببيان إدانة عبر وزارة الخارجية لفتت خلاله إلى أن تلك هي المرة الثالثة على التوالي، خلال أسبوع واحد تقريباً، التي تشن فيها إسرائيل هجمات ضد أهداف على . وحذر النظام في بيان “من مغبة مواصلة هذه الاعتداءات والممارسات التي تنتهك القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، والتي من شأنها إدخال المنطقة في دوامة أوسع من العنف الذي يصعب احتواؤه”.
في المقابل، ليس من عادة الجيش الإسرائيلي بث إعلانات رسمية عن غاراته الجوية على الجانب السوري، وفي حال التعليق على ذلك تعزو غاراتها إلى نشاطات وتحركات لفصائل موالية لإيران. وأقدم الجيش الإسرائيلي، الأسبوع الماضي، على ضرب مدفع على الحدود السورية قال إنه معد للهجوم، فأقدم على تدميره من دون تحديد لمن يعود، في وقت لا يبدي النظام السوري أي حماسة أو اندفاع لفتح جبهتها الجنوبية.
ومن المستبعد وصف الهجمات على المطارات المدنية بالهجمات الطارئة بل إن إسرائيل درجت على ضرب مواقع مدنية في كل من اللاذقية وطرطوس وريف دمشق وحلب وغيرها لأسباب تتعلق بنشاطات ذات صلة بإيران ومواقعها في الداخل السوري خلال سنوات الحرب، لكن كثافة هذه الهجمات وحدتها زادت بعد أحداث غزة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.
الجبهات المتصارعة
وفي وقت يرى فيه مراقبون أنه من دواعي الحكمة أن يتريث النظام وألا ينجر إلى معركة هو غير مستعد لها، لا سيما أن البلاد ما زالت تعاني نزاعاً داخلياً مسلحاً لم تنته فصوله بعد، تعتبر أوساط سياسية أن “تصرف القيادة العسكرية والسياسية من دون التصريح عن نوايا الجيش أو القوات الرديفة أو فصائل المقاومة يأتي أيضاً لإرباك الخصم”، من دون استبعاد نكأ الجبهة المحتقنة بين سوريا وإسرائيل منذ أكتوبر 1973 أي منذ “الحرب التحريرية”، وحتى لو عبر أذرع فصائل مسلحة، حيث تشير المعلومات الأولية عن تحرك تلك الفصائل من شرق البلاد ووسطها إلى الحدود الجنوبية، وبريف مدن القنيطرة ودرعا.
قد يبدو للوهلة الأولى، ولغير المتابع للملف السوري أن الصواريخ الإسرائيلية تخطئ العنوان حين تضرب الأراضي السورية ولا تصل إلى إيران، لكن يبدو أنها تدرك جيداً ما تفعله، نظراً إلى دخول الحرب على قطاع غزة أسبوعها الثالث، وفي ظل الحديث عن توغل بري إسرائيلي.
حشود على الجبهة
في موازاة ذلك، بدأت التحركات على الجبهة السورية في الثامن من أكتوبر الحالي بعد يوم من إعلان عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها “حماس”. ورصدت مصادر ميدانية تحرك لقوات من “حزب الله” و”لواء القدس” وقوات من جنسيات إيرانية وعراقية ولبنانية مع فرق تكتيكية بأسلحة متطورة وفي معظمها صواريخ أرض- أرض بعيدة ومتوسطة المدى.
وتعد اليوم البوكمال، والميادين في ريف دير الزور، شرق البلاد، أكثر المدن التي تتحشد بها هذه القوات. وجاء هذا الحشد لتأمين الطريق الممتد من طهران، مروراً ببغداد، ووصولاً إلى دمشق، من ثم يوجد تموضع في ريف العاصمة السورية لا سيما في السيدة زينب كمقرات ومخازن أسلحة. ويزيد عدد التشكيلات على 50 فصيلاً ويبلغ عدد الأفراد أكثر من 100 ألف مقاتل بحسب تقديرات أولية يمكن أن تكون على أهبة الاستعداد لشن هجمات ومناوشات مسلحة على الحدود.
ورصد في الأيام القليلة الماضية سحب “حزب الله” قادة وعناصر له من جبهات قتال في وسط وشمال سوريا مع اندلاع المواجهات في جنوب لبنان. وتشير معلومات حديثة إلى عودة بعضهم إلى مزاولة مهامهم التقليدية في سوريا منذ الثلاثاء 24 أكتوبر الحالي، وهذا يشير، إما إلى وفرة في عدد عناصر الحزب على الجبهة الجنوبية، أو إلى التصدي لتحرك للمعارضة السورية المسلحة في الجهة الغربية من الشمال السوري منتهزة فرصة الفراغ الحاصل لإحداث خرق ما.
طهران وموسكو
وحذر تقرير صادر عن معهد الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب في فبراير (شباط) الماضي عن كون الجبهة الشمالية تعد بمثابة “التهديد العسكري التقليدي الأكبر بالنسبة إلى إسرائيل”. وكشف التقرير أنه “رغم سحب موسكو لمنظومة الصواريخ (أس 300) من الأراضي السورية بسبب تأثير الحرب الأوكرانية، لكن التقرير يرى دوراً مركزياً للروس في ترميم جيش النظام السوري ودعمه والدخول في الوساطات السياسية والمشاريع الاقتصادية.
وارتفعت الحساسية لدى روسيا إزاء العمليات الإسرائيلية في سوريا، لا سيما بوقوف تل أبيب إلى جانب كييف في الحرب الدائرة بينها وبين موسكو، ولهذا يلفت التقرير ذاته إلى أن التعاون بين إيران وروسيا وتقديم المساعدات الإيرانية، قد يفضي إلى طلب طهران أموراً تتعلق بالحد من حرية العمل الإسرائيلي في سوريا. ومن المرجح أن توافق موسكو على حماية القواعد الإيرانية من الهجمات على الأراضي السورية.
في غضون ذلك، يرجح متابعون ألا تبقى الهجمات على سوريا من دون رد، في ظل توقعات بتكثيف استهداف للقواعد الأميركية، وهذا ما يفسر تبني “المقاومة الإسلامية في العراق”، الموالية لإيران، شن هجومين متتالين على قاعتين للتحالف الدولي (التنف والركبان) عبر طائرتين مسيرتين. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن “القوات الأميركية أحبطت هجوماً بالمسيرات على التنف عند المنطقة الواقعة قرب المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن”.
في المقابل، تراقب تل أبيب بحذر شديد تحركات فصائل “محور المقاومة” على الجبهة السورية مع نية “توحيد الساحات”، لا سيما وسط المناوشات الدائرة من جهة الجبهة اللبنانية. ويمكن القول إن النظام السوري لن يدخل في هذه المعركة إلا إذا حظي بدعم روسي، الذي نضب بعد دخول موسكو الحرب في أوكرانيا.
في السياق ذاته، يمكن استبعاد انخراط النظام السوري في معركة جديدة في وقت ينشغل فيه بالتوترات في الجزء الشمالي من البلاد، بشقيه الشرقي والغربي، حيث لا يكف التدخل التركي أو الحضور الأميركي عن التمدد، مع اندلاع معركة العشائر ضد “قوات سوريا الديمقراطية”.