هاني السالم – ريف حلب

يعجز نصرت علي، عن التعبير عن ألمه بفقدان أبناءه الثلاثة (عمار وصلاح وجركس) في معارك ليبيا التي زجت بها القوات التركية الشبان السوريين المنتسبين للجيش الوطني الموالي لتركيا، تحت إغراء المال والحصانة.

ومنذ عامين التحق أولاد “علي”، في القتال بليبيا لصالح تركيا، تحت راية فصيل العمشات، إلا أن أكثر ما يحزنه هو أن أبناءه قتلوا لكنه لم يتسلم جثثهم أو حتى مستحقاتهم المالية “التي وعدهم بها الجيش التركي”.

و”علي” من مدينة أعزاز، التحق أبنائه في القتال بليبيا لصالح تركيا عبر “أبو عمشة”، قائد فصيل سليمان شاه، بمنطقة الشيخ حديد، ولم يزوروا سوريا منذ ذلك الحين.

يقول الأب لنورث برس: “كغيرهم من الشبان لم يعودوا إلى أرضهم لا أحياء ولا جثث، وعند سؤالنا عنهم يتنصل الفصيل عن الإجابة مدعياً أن الملفات والقضايا تحت يد القوات التركية”.

حرقة قلب

وواصل “علي”، ملاحقة أمور أبنائه والاستفسار عنهم من بعض زملائهم اللذين عادوا من ليبيا، ليتبين أنهم “قتلوا في ليبيا وتم دفنهم حتى دون إبلاغنا بالأمر”.

وبحرقة وغصة يقول الأب: “ما حرق قلبي إلا أنو جماعة أردوغان بعد ما استغلوا شبابنا وأغروهم بالمال والتسهيلات داخل تركيا كقوات مقاتلة رديفة للجيش التركي، حرموهم حتى أن يدفنوا بسوريا”.

ويضيف: “طلعت وعود الرواتب والتأمينات الخاصة بالمقاتلين ومنح الجنسية التركية وهالقصص مجرد حبر على ورق والمستفيد الأول والأخير هو الحاكم التركي وبعض قيادات الفصائل المدعومين من تركيا”.

ويقول بحرقة: “يعني ماتوا ولادنا وما شفناهم وفوق هالشي عوائلهم لا شافت رواتب ولا تأمينات ولا أي مميزات من اللي انحكى عنها ووعدوا فيها”.

ويقدر عدد المقاتلين السوريين المنتمين للجيش الوطني الموالي لتركيا ممن تم زجهم في معارك ليبيا لتغذية الأهداف التركية، بأكثر من 8000 مقاتل خلال العامين 2021 و 2022، ضمن عقود “ارتزاق” تمنح المقاتل راتباً شهرياً يتراوح بين 1500 و2000 دولار بداية ليتناقص إلى 800 دولار، بحسب إداري في مكتب الديوان في وزارة الدفاع بالحكومة السورية المؤقتة.

ما مصيرهم؟

وبين الإداري لنورث برس، أن “الشكاوى التي وصلتنا عبر البريد الإلكتروني وعبر مكاتبنا ضمن الفصائل في عفرين وأعزاز وجرابلس ورأس العين، أظهرت أن عدد المفقودين في ليبيا  زاد عن الـ235 مقاتل دون وجود إجابة من الجانب التركي حول مصيرهم”.

في حين برر بعض قيادات الفصائل أن هذه الأسماء “تعود لمقاتلين فروا نحو أوروبا، الأمر الذي نفاه ذوو هؤلاء، وشددوا على أنهم لم يتلقوا أي رسالة من أبنائهم، مطالبين بالكشف عن مصيرهم”، بحسب الإداري.

وشدد على أنه “من واجب السلطات التركية أن تقدم التوضيح اللازم لذوي المفقودين، سواء قتلوا أو أسروا، ويجب أن يتم دفع المستحقات المالية التي تنص عليها عقود الانتساب في بداية التحاقهم بمعارك ليبيا”.

وبين فترة وأخرى، تسلم تركيا بعض الجثث لعناصر في فصائل الجيش الوطني السوري المعارض، كانوا قد شاركوا في القتال بليبيا.

ومنذ أسبوعين تقريباً، سلمت السلطات التركية، جثث أربعة عناصر تابعين للجيش الوطني الموالي لها عبر معبر سري كانيه/ رأس العين شمالي الحسكة، كانوا قد قتلوا ضمن الأراضي الليبية.

وقال قيادي في فصيل الحمزات الموالي لتركيا في عفرين، “لا زالت أسماء المئات من الشبان السوريين الذين انضموا للقتال في ليبيا تحت راية الجيش التركي، مغيبة عن السجلات الخاصة بفصائلهم”.

وأضاف لنورث برس: “الأرقام التي تصلنا من الجانب التركي تخفي الأسماء الكاملة للقتلى وذلك بهدف التنصل من مستحقاتهم المالية التي تضم الرواتب والتأمينات المتفق عليها بموجب العقود المبرمة بين المقاتل والجانب التركي بوساطة الفصيل المعتمد”.

وعلى سبيل المثال، قدم فصيل الحمزات، بحسب السجلات، “نحو 2800 مقاتل منذ العام 2020 براتب 1500 دولار شهري مع تعويض إصابة للمصابين 5000 دولار عند عودته إلى سوريا، وتعويض المقاتل الذي يقتل في ليبيا بمنح ذويه عند تسليم جثته لهم 10000 دولار”.

وأوضح القيادي أن تلك الأرقام شكلت “إغراءً كبيراً للمقاتلين الذين يبحثون عن المال لتغيير واقع عوائلهم وحياتهم”.

نكث بالعهود

لكن ما قامت به القوات التركية، بحسب “القيادي”، مخالف تماماً، “فمن أصل 90 مفقوداً من فصيل الحمزات منذ العام 2020، وصل قرابة ال55 قتيل فقط إلى الأراضي السورية تم تسليمها لقيادة الحمزات دون أي مستحقات أو تأمينات مالية علما أن غالبيتهم لم يحصلوا على مستحقاتهم خلال تواجدهم في ليبيا”.

“حتى العودة إلى بلدك تحتاج لدفع أموال وواسطة”، بهذه الجملة بدأ محمد عثمان، وهو اسم مستعار لمقاتل في فصيل السمرقند التابع للجيش الوطني، حديثه لنورث برس، واصفاً رحلة معاناته من لحظة ذهابه إلى ليبيا وحتى عودته.

يقول “عثمان”: “كل ما تسمعه من وعود عند الانضمام للقتال في ليبيا، بمجرد صعودك للطائرة تذهب أدراج الرياح وتبدأ مسيرتك كمرتزق لا أهمية لوجوده أو إصابته أو حتى عودته”.

وأصيب “عثمان” خلال الحرب التي دارت في ليبيا، وتم وضعه مع عشرات المقاتلين السوريين المصابين في أحد المشافي الميدانية بطرابلس.

وحتى تمكن “عثمان”، من العودة إلى سوريا، تخلى عن مستحقاته المالية لقائد فصيله “أبو رعد الديري”، “علماً أننا لم نستلم أي تعويضات إصابة أو رواتب طيلة 16 شهراً قضيتها في ليبيا”.

ويقول: “فقط ضمن فصيل السمرقند هناك أكثر من 72 عنصراً مفقودين في ليبيا، السلطات التركية تدعي جهلها بالموضوع وعدم وجودهم في سجلاتها بينما تتخذ قيادة السمرقند موقف المضحوك عليه مدعية أنها لم تحصل على إجابة من الجانب التركي”.

تحرير: تيسير محمد