بعد سبعة أشهر من القتل والتدمير الإسرائيلي في غزة، لم تعثر بعد الإدارة الأميركية على خطوط حمراء ترفعها بوجه إسرائيل. وإعلان الرئيس الأميركي عن وقف تسليم إسرائيل دفعة من 3500 قنبلة طيران ذكية، سارع وزير خارجيته انتوني بلينكن إلى الإعلان بأن ذلك لا يعني التوقف عن مد إسرائيل بالأسلحة، بما فيها القنابل الذكية. وأضاف الوزير، حسب وكالة تاس في 12 الجاري، بأن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل بأنها ستوقف مدها بأنظمة أسلحة معينة إذا بدأت عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح. وقال بأن ما تم تجميده حتى الآن هو القنابل الضخمة، “لأننا نواصل التشاور مع إسرائيل، آخذين بالإعتبار التأثير الذي يمكن أن تحدثه هذه الأسلحة في حال إستخدامها في المناطق المكتظة بالسكان، بما فيها رفح”. وأشار إلى أن الولايات لم تتسلم من إسرائيل حتى ذلك اليوم الخطة التي وعدت بها، والمتعلقة يضمان أمن المدنيين في رفح، وكذلك خطة ما سيحدث في غزة ما بعد إنتهاء الحرب.
كما نقلت الوكالة عن بلينكن تشكيكه في قدرة إسرائيل على القضاء التام على الخطر الذي تمثله حماس، حتى في حال القيام بالعملية العسكرية في رفح التي لايستبعد أن تترافق مع خسائر فادحة من المدنيين. وقال بلينكن يمكن ملاحظة كيف تعود حماس إلى مناطق غزة التي سـبــق أن “طهرتها” إسرائيل من مقاتلي المنظمة، بما فيها شمال القطاع ومن ضمنه مدينة خان يونس. وقال بأن إنسحاب القوات الإسرائيلية من غزة سوف يخلف فراغا لا يستبعد أن تعود حماس لملئه. وأشار إلى أن إدارته تعمل منذ أسابيع على وضع خطة لتوفير الأمن في القطاع وإدارته وإعادة إعماره، “لكننا لا نرى الأمر عينه من جانب إسرائيل”.
صحيفة الإزفستيا المخضرمة نقلت في 9 الجاري عن كبير الباحثين في المركز الروسي لبحث شؤون الأمن Konstantin Blokhin قوله بأنه حتى هذه الإجراءات غير المسبوقة من جانب الإدارة الأميركية، ليس بوسعها أن تترك أثراً على العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فعلى خلفية الضغط المتواصل على واشنطن من الداخل والخارج، يجد البيت الأبيض نفسه مضطراً لإظهار عدم موافقته على تكتيك الجيش الإسرائيلي في خوض العمليات الحربية في قطاع غزة. ولا ينبغي إطلاقاً النظر إلى الأمر على أنه تحول جذري في السياسة الأميركية الخارجية حيال إسرائيل. في الولايات المتحدة ثمة إجماع واضح مؤيد لإسرائيل بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وإن كان على درجة أعلى بين الجمهوريين.
يذكر الباحث بأن تعليق الإمدادات لا يعني وقفها نهائياً، وتسريبات الإعلام تقول بأن ثمة لعبة تجري أمام الجمهور. فخلال الصراع في قطاع غزة تأذت بشدة صورة الولايات المتحدة، لأن تصرفات إسرائيل ترتبط في نظر الكثيرين بشكل مباشر بالولايات المتحدة التي تعتبر الضامن للأمن في المنطقة. ويشير إلى أن التوترات العلنية بين الحليفين، والتي يعتبرها كثيرون استعراضية، أخذت تظهر مطلع السنة الحالية، وذلك حين تم الكشف عن عقوبات أميركية على أربعة مستوطنين إسرائيليين. وفي نهاية الشهر المنصرم كشف الإعلام عن إحتمال فرض عقوبات على وحدات من الجيش الإسرائيلي بسبب خرق محتمل لحقوق الإنسان في الضفة الغربية. كما يذكّر الباحث بامتناع الولايات المتحدة عن إستخدام حق الفيتو ضد قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بعد أن كانت استخدمت هذا الحق ثلاث مرات لصالح إسرائيل منذ اندلاع دورة العنف الحالية. لكنه يستدرك بأنه على الرغم من وجود ما يبدو تبايناً في الرأي، أقر الكونغرس في 20 المنصرم مساعدات بقيمة 26,4 مليار$ للحرب ضد حماس ومواجهة إيران، يخصص جزء منها للمساعدات الإنسانية في غزة.
كما نقلت الصحيفة عن رئيس قسم معهد العلوم الاجتماعية بالأكاديمية الرئاسية Sergei Demidenko قوله بأنه يجدر النظر إلى تصرفات واشنطن من منظور تعزيز “موقف إنساني خيري”، لأن إسرائيل قادرة تمامًا على وضع حد لحماس بمفردها حتى من دون إمدادات الذخيرة تلك. ويرى أن رسالة جديدة وجهتها واشنطن إلى نتنياهو، لكنه لن يتراجع وسيستمر باتباع الخطط المرسومة، رغم “المواقف الإعلامية والدبلوماسية” لحليفه الغربي.
آراء هذين الخبيرين تعكس صورة جزئية لموقف روسيا بوتين من دورة العنف الجديدة في الشرق الأوسط. فخلال الأشهر السبعة المنصرمة، كان صوت روسيا منخفضاً للغاية وسط أصوات اللاعبين المحليين والخارجيين، خاصة الولايات المتحدة. ويمكن ملاحظة سمتين للمواقف الروسية من كل التطورات التي طرأت. فالخلفية البلشفية لا تزال بارزة للعيان ىالحديث ليس عن حماس وغزة، بل عن فلسطين والقضية الفلسطينية بتاريخيتها. كما تبرز في التركيز على الإنتقاد الدائم للغرب عبر علاقته الإستراتجية بإسرائيل، وانتقاد إسرائيل على نحو يحافظ على إحتمال لعب روسيا دور الوسط حين تتاح الفرصة.
موقع عملاق بروباغندا الكرملين RT نشر في 9 الجاري نصاً بعنوان “”على خلفية الوضع السياسي الداخلي”: بايدن وصف السلاح الأميركي بأنه سبب مقتل سكان مدنيين”.
يقدم الموقع لمجموعة الخبراء الذين استضافهم بالإسهاب في الحديث عن ما قاله بايدن بشأن حظر نوع معين من القذائف الذكية كي لا تستخدمها إسرائيل في عمليتها العسكرية بمدينة رفح، بعد أن كانت استخدمتها في عملياتها السابقة في بقية مناطق القطاع.
ينقل الموقع عن المدير العام لمركز المعلومات السياسية الروسي Alexey Mukhin قوله بأنه بعد تعليق دفعة القذائف الذي أعلنه بايدن، ستواصل واشنطن مد إسرائيل بالسلاح. ويرى أن البيت الأبيض يتظاهر بأنه يتحكم بالوضع المرتبط بالدولة اليهودية وعمليتها في رفح. لكن القيادة الإسرائيلية تنجح في تحطيم هذه الصورة، لأن تصريحات الساسة الأميركيين شيئ، وما يجري في قطاع غزة شيئ آخر يتعلق بإسرائيل.
لا يستبعد Mukhin أن تبدأ إسرائيل قريباً عملية عسكرية شاملة في رفح، بغض النظر عن تصريحات السلطات الأميركية. ويشير إلى أن هدف إسرائيل هو السيطرة الكاملة على قطاع غزة بغية القضاء على أي تهديدات من هذه الأراضي. ويرى أن تل أبيب تشارك في عملية التفاوض، لكن لذر الرماد في العيون وليس للمصالحة.
البوليتولوغ Alexander Asafov افترض أن البيت الأبيض يدرك جيداً أنه كلما ارتفع عدد المدنيين الفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل، كلما أصبح من الصعب إعادة إنتخاب بايدن الذي كان حتى وقت قريب يدعم كل ذلك صامتاً. ويقول بأن أي شخص بوسعه تحميل بايدن المسؤولية عن عدوان تل أبيب. فالولايات المتحدة تقوم بنقل الأسلحة لقتل الأطفال الفلسطينيين. وهذه الحقيقة تعمل ضد رئيس البيت الأبيض في الولايات الأميركية المتأرجحة. وقد لا يكون لتصريحات بايدن لاحقا أي تأثير على إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل، ولكن سيتم استخدامها كدليل على نوايا الرئيس الأمريكي لا أن يلعب دور صانع السلام، لكن على الأقل ليس كمشارك في إبادة الفلسطينيين.
مدير مركز الأبحاث العسكرية السياسية في معهد الإقتصد العالمي والعلاقات الدولية الروسي Alexey Podberezkin قال بأن من الواضح أن نتنياهو تجاوز في سلوكه معايير خوض الحرب، وتسبب في كارثة إنسانية في رفح. ولهذا يريد يايدن أن ينأى بنفسه عن هذا الوضع كي لا يتحمل مسؤولية عن قتل مدنيين.