مزارعون وتجار التمباك حذروا من حظره في  الخرطوم ودارفور (حسن حامد)

على رغم الجدل الواسع الذي يحيط بالتبغ السوداني (التمباك)، فإنه استطاع الحفاظ على شعبيته ومكانته المميزة في إمبراطورية الكيف والمزاج السودانية، كما بقي على مسافة واحدة من كثير من القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والنصائح الصحية والقانونية

وما بين الإباحة والتأثيم حظي التمباك بالقدرة على الثبات لقرون عدة، بيد أن إرثه يتضمن ما هو أكثر من ذلك، إذ برع متعاطوه في التحايل على وضعه ضمن المكيفات العادية بالتخفيف من وطأة تأثيره.

ويتعاطى التمباك الذي يطلق عليه أيضاً اسم السعوط والعماري فئة كبيرة من السودانيين على نطاق واسع في أنحاء البلاد المختلفة، فبحسب دراسة أجرتها كلية طب الأسنان بجامعة العلوم الطبية في عام 2014، فإن 24 في المئة من جملة سكان المدن السودانية و32 في المئة من سكان القرى يتعاطون التمباك.

والتمباك هو أحد أنواع التبغ، لكنه بلون ورائحة مختلفة عن السجائر العادية. ويعد السودان من أكبر الدول في زراعة التمباك، وينسب إلى رحلات الاستكشاف الأوروبي في القرن الـ15 الميلادي، ويقال أيضاً إنه أتى مع دخول الأتراك إلى السودان في القرن الـ19 الميلادي.

وتزدهر زراعة التمباك في ولاية شمال دارفور، حيث أنشئت منذ ثلاثينيات القرن الماضي بورصة لشراء وبيع محاصيل التمباك في الفاشر عاصمة الولاية. ويزرع التمباك ود عماري بكميات غير محدودة، جنوب غربي مدينة الفاشر، ووادي بيرة ووادي شقراء بغرب الفاشر، ووادي الملم جنوب الفاشر، وفي جهات مدن نيالا وزالنجي، وغيرها.

أما المكان الرئيس لزراعته بدارفور فهو طويل، وهو من أهم مصادر الثروة بدارفور، ويعد أول صادراتها من المنتجات الزراعية. ولأن مكان زراعة وإنتاج التمباك في دارفور والتصدير والاستهلاك في الخرطوم وبقية أقاليم السودان، فإن تأثير الحرب في هذه السلعة الشعبية سيكون كبيراً.

قانون المهدية

حرمت الدولة المهدية التي حكمت السودان في الفترة من 1881 إلى 1898، تعاطي التمباك. واجتهد زعيم الثورة المهدية محمد أحمد المهدي في بعض الأمور التي كان يعدها من باب البدع، فقد انتشرت عادة التدخين واستعمال التمباك، فوضع عقوبة السجائر والتمباك أكبر من عقوبة شرب الخمر التي كانت 80 جلدة وثمانية أيام سجناً، أما المدخن ومتعاطي التمباك فعقوبته 80 جلدة، ويسجن شهراً.

وهنا قال الباحث تاج السر عثمان “اتخذت المهدية قرارات تتعلق بالبنية العلوية الثقافية والاجتماعية للقبائل وذات جذور راسخة في حياة وتقاليد الناس مثل منع الغناء والرقص والطبول والنحاس وضرب المزامير ومنع الألعاب مثل الطاولة والطاب، إضافة إلى منع التمباك والتبغ”.

وأضاف عثمان “وعلى رغم الجلد والقمع، فإن الواضح أن تلك العادات كانت مستمرة، مما يشير إلى أن القضايا التي تتعلق بالبنية الثقافية من المستحيل إزالتها بقرارات أو قوانين وعقوبات، وإنما تحتاج مواجهتها إلى تنمية وتطوير عادات ثقافية بديلة”.

قائمة التهريب

في كتابه “السودان من التاريخ القديم إلى رحلة البعثة المصرية”، أورد عبدالله حسين عن زراعة التمباك في السودان أنه يقع ضمن أهم موارد دارفور الزراعية “تقدم زراعة التمباك ود عماري بدارفور على رأس محصولاتها، وإن الأحوال الجوية هناك ملائمة لنمو التمباك، ويعلق الأهالي أهمية عظمى على هذا المحصول في إنعاش ثروتهم”.

وأضاف حسين “أسعار محصول التمباك هي التي تقرر مستوى الأسعار لباقي المحصولات الزراعية الأخرى، فإذا كان سعر التمباك منخفضاً فمن المعتاد أن يكون هناك كساد عام، ولكن إذا كان التمباك مرتفع السعر، أو إذا كان ثمنه في مستوى معتدل، فهذا التماسك يكون مصحوباً غالباً بميل مشابه له في أسعار المحاصيل الأخرى التي تبدو أنها تتأثر بتأثيره. ويباع هذا المحصول على نظام المزاد العلني تحت إشراف الحكومة بسوق الفاشر. ولقد أحدث هذا النظام فائدة كبرى في إنعاش هذا الصنف منذ عام 1931”. وتابع “كثر من تجار التمباك المعسرين بالفاشر يشترون أحياناً كميات كبيرة من تجار الجملة بأثمان عالية، وبسبب اضطرارهم، إذ قد يرهقهم الدائنون، فقد يبيعون هذه الكميات بخسارة فادحة، وأملهم في ذلك أن يشتروا التمباك ويعوضوا منه هذه الخسارة مع الربح. والبيع بالخسارة ينتج منه انحلال في ميزان التمباك التجاري بزيادة العرض على الطلب”.

ودخل التمباك خلال الأعوام الأخيرة في قائمة التهريب كما تهرب أنواع عدة من الصادر السوداني مثل الماشية والصمغ العربي والذهب، وغيرها. ففي مارس (آذار) الماضي أحبطت إدارة جمارك مطار الخرطوم فرع الصادر عملية تهريب لنحو 250 كيلوغراماً من التمباك داخل شحنة صادر نبات الكركديه متجهة إلى إحدى الدول العربية، كما ضبطت مباحث شرطة تأمين الموانئ البحرية بميناء الأمير عثمان دقنة بمحلية سواكن بولاية البحر الأحمر، نحو 100 جوال من التمباك بوزن 30 كيلوغرام للجوال الواحد مخبأة وسط شحنة محصول السمسم في طريقها للتصدير.

أخطار جمة

وفقاً لدراسة أجرتها كلية طب الأسنان في جامعة الخرطوم للآثار السرطانية للتمباك، تبين من خلالها “تضاعف ارتفاع نسبة الإصابة بسرطان اللثة والفم إلى 10 مرات بين الذين يتعاطون التمباك، ويتسبب التمباك باضطرابات في عمل القلب ويؤثر في ضغط الدم، ويدمر صحة الأوعية الدموية ويسبب السرطانات، وأبرزها في الفم، والحنجرة، والبلعوم”.

وأضافت الدراسة أنه “يسبب الإصابة بعديد من التقرحات في تجويف الفم، والبقع وتآكل اللثة، وضعف نموها، وانحسارها عن الأسنان بشكل لافت، كما يسبب ضيق النفس، والشعور بالاختناق، وأمراض الرئة والقصبة الهوائية، ويولد الشعر بالاكتئاب الشديد، خصوصاً بعد الإدمان عليه لفترة من الزمن”.

وقال طبيب الأسنان النور البشير “التمباك هو نوع من التبغ يسمى نوكيتيانا راستيكا، وتوجد هذه النبتة الصغيرة بكثافة في السودان، كما توجد أيضاً في السويد والنرويج، ولكن بنسبة أقل. ويحضر التمباك بقطف أوراق النبتة وتجفف وتخمر بإضافة مواد منها روث الحيوانات لأنها تضيف إليها نوعاً معيناً من البكتيريا تؤدي إلى تخميرها، ثم تطحن حتى تصير بودرة وتعجن بالماء ومادة العطرون (حجر صخري يحوي بيكربونات الصوديوم)، وتسمى هذه العملية التمطير”.

وذكر عضو “جمعية دعم الإقلاع عن التمباك” ميرغني العمدة أن “هناك اعتقاداً سائداً في المجتمع السوداني أن أخطار التمباك أقل من أنواع التبغ الأخرى، ويتحول مدخنو السجائر إلى تدخين التمباك عندما يريدون الإقلاع عن التدخين. وقد ثبت أن الجسم قادر على امتصاص النيكوتين الموجود في التمباك بنسبة ثلاث مرات أكثر مما يمتصه عند تدخين السجائر”.

مصدر رزق

في عام 2012 أوردت هيئة علماء السودان (مجمع الفقه الإسلامي) فتوى بتحريم التمباك. وطالب رئيس هيئة علماء السودان حينذاك محمد عثمان صالح الأجهزة الأمنية والدوائر ذات الصلة، بمحاربة زراعة التبغ، وعده لا يقل خطورة عن استخدام المخدرات. ورداً على ذلك، طالب مزارعو التمباك بالفاشر “مجمع الفقه الإسلامي” بإيجاد بدائل ومصادر رزق أخرى، وتعويضهم، في حال أخذت الحكومة بهذه الفتوى ونفذتها. ولأن اقتصاد معظم سكان ولاية شمال دارفور يعتمد على التمباك، فقد كونوا نقابة لرعاية مصالحهم وحقوقهم ورفد خزانة الدول بأموال منتظمة تشمل الضرائب والزكاة.

وحذر المزارعون من أن “حظر التمباك في العاصمة الخرطوم سيكون له آثار سياسية واقتصادية واجتماعية سالبة على مواطني دارفور، وأن أربعة ملايين نسمة يعتمدون في معيشتهم على زراعة التمباك وبيعه في الخرطوم والولايات الأخرى”. وهكذا، لم تستطع الفتوى الدينية ولا النصائح الطبية الوقوف في وجه مزارعي وتجار التمباك، وظل حزب المؤتمر الوطني خلال حكمه يتلقى الدعم من عضويته في شمال دارفور من التمباك. وقد أوردت الصحف السودانية في عام 2017 أن “حزب المؤتمر الوطني تلقى دعماً بنحو مليون كيلوغرام من التمباك”.

حادثة المنتخب

يكاد لا تخلو سوق محلية أو حي شعبي في السودان من أكشاك بيع التمباك، ولكن هناك أحداثاً مرتبطة به في الخارج أثارت جدلاً واسعاً، ومنها أنه أثناء مشاركة منتخب السودان الأول لكرة القدم (صقور الجديان) في بطولة كأس العرب بقطر “فيفا 2021″، ضبطت نحو 50 كيلوغراماً من التمباك مع بعثة المنتخب السوداني، واحتجزت سلطات مطار الدوحة التمباك عند وصول البعثة السودانية، والتي امتدت آثارها لتحدث فوضى في بعثة المنتخب بالعاصمة القطرية.

وتواترت أنباء عن استبعاد البعثة الإدارية للمنتخب للإعلاميين السودانيين من تغطية التدريبات الخاصة بالمنتخب احتجاجاً على نشر الخبر. وكذلك خلال لقاء السودان وغانا في تصفيات أمم أفريقيا ضبطت الكاميرات الناقلة للمباراة حارس السودان الاحتياط أكرم الهادي سليم في المدرجات وهو يمنح زميله محمد الرشيد التمباك.

نهب مسلح

تأثراً بالنزاع المستمر في دارفور أعلنت “منظمة أطباء بلا حدود” بعد أعوام من تقديم الرعاية الطبية في منطقة طويلة إغلاق مشروعها في المنطقة. وذكرت المنظمة “تعرضت هذه البلدة الصغيرة الواقعة في ولاية شمال دارفور لهجمات مستمرة، حيث أجبر سكانها على الفرار، واستضافت طويلة بعد ذلك موجات من النازحين الفارين من العنف في مناطق أخرى”.

يذكر أن التمباك ظل مصدراً مهماً للدخل والإيرادات الضريبية، إذ يستهلك بكثافة في أماكن أخرى في السودان. وقبل النزاع استطاع بعض التجار المحليين امتلاك عقارات وأملاك في الخرطوم ومدن مختلفة من عائد تجارة التمباك.

وقبل الحرب التي اشتعلت في الخرطوم في الـ15 من أبريل (نيسان) الماضي، أصدر اتحاد أصحاب العمل السوداني “الغرفة الفرعية لتجار التمباك بولاية الخرطوم” في فبراير (شباط) 2022، رفع أسعار التمباك بصورة كبيرة بلغت نحو ما يعادل دولارين لـ200 غرام من التمباك، وأرجعت الغرفة رفع الأسعار لارتفاع أسعار الترحيل وكلف الإنتاج، فضلاً عن وجود زيادة في الملحقات الأخرى.

وظلت مخازن التمباك تتعرض للنهب المسلح، ومنها هجوم نفذه مسلحون على مخزن للتمباك يتبع لعدد من التجار، في مخيم زمزم للنازحين، جنوب غربي الفاشر، وغيرها من المناطق واتهموا عناصر مسلحة بالضلوع في الحادثة. ويعزي التجار تكرار الهجمات على مخازن التمباك إلى ارتفاع أسعاره في الفترة الأخيرة.