أصدرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، أواخر الأسبوع الماضي، قراراً حظّرت بموجبه أنشطة حركة “حماس” وشبكة “صامدون” الفلسطينيتين، بحجة سلوكهما العدواني الواضح في البلاد، إضافة إلى خرقهما تعاميم السلطات بمنع التظاهرات ومسيرات الاحتجاج الداعمة للقضية الفلسطينية والمنددة بالعمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة، والتي انتهت في غالبيتها بصدامات مع عناصر الشرطة.
ووفق السلطات الألمانية، فإنّ المشاركين في التظاهرات، يحرّضون على الكراهية مع تردادهم للشعارات المعادية للسامية، كما بمهاجمة منازل ومؤسسات يهودية.
فماذا حمل قرار الحظر، وما هي تبعاته على أنشطة “حماس” و”صامدون” مع تمادي إسرائيل في حربها  على غزة؟
نشر دعاية معادية لإسرائيل
أوضحت وزارة الداخلية الألمانية، أنّ “صامدون”، التي تأسست في العام 2012 باعتبارها شبكة تضامن مع الأسرى الفلسطينيين وملتزمة العمل على إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية، هي شبكة دولية تعمل في ألمانيا كحركة تعبئة للشباب الفلسطيني، وتوجّهات ونشاط الشبكة يعرّضان التعايش السلمي والنظام العام والمصالح الهامّة الأخرى لألمانيا للخطر.
وقالت الوزارة إنّ الشبكة تدعم منظمات إرهابية أجنبية مختلفة، بينها “حماس”، حتى أنّها تدعو إلى استخدام العنف كوسيلة لتأكيد الأهداف السياسية.
وبحسب الاستخبارات الداخلية الألمانية، فإنّ للشبكة ارتباطات مع “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” التي تعمل على نشر الكفاح المسلح ضدّ إسرائيل. وقد أقدمت الشبكة بعد عملية “طوفان الأقصى” على توزيع الحلوى والاحتفال بعفوية في برلين.
وبخصوص حركة “حماس” المحظورة، فليس لها أي ذراع رسمية في ألمانيا، وقالت وزيرة الداخلية الألمانية إنّ أنشطة مؤيّديها في ألمانيا تتعارض مع القوانين الجنائية، وموجّهة ضدّ مبادئ المفاهيم الدولية المنصوص عنها في القانون الأساسي، وهم معادون للسامية والإنسانية، والحركة ليست جمعية محلية ذات هياكل واضحة، بل منظمة أجنبية منبثقة من الفرع الفلسطيني لجماعة “الإخوان المسلمين”، وتتلقّى الدعم المادي من عدد من الدول بينها إيران.
وتفيد الاستخبارات الداخلية الألمانية أنّ هناك نحو 450 شخصاً يساندون حركة “حماس” في البلاد.
وصنّف الاتحاد الأوروبي منذ قرابة 20 عاماً “حماس” منظمة إرهابية، وفي ألمانيا أيضاً صنّف المدّعي العام الاتحادي “حماس” منذ سنوات منظمة إرهابية وجُمّدت أموالها، كما تمّ حظر العديد من الأندية التي كانت محسوبة عليها. ومنذ العام 2021 حظّر قانون مكافحة المواد الإعلانية توزيع موادها الدعائية، لاسيما وأنّها مدرجة على ما يسمّى قائمة الإرهاب للاتحاد الأوروبي، وبقي حينها نشاطها محظوراً.
انتهاك الحظر جرم جنائي
بعد صدور قرار وزارة الداخلية، بات واضحاً أنّه سيتمّ مقاضاة أي شخص ينتهك الحظر، وسيُعتبر أي نشاط مساند لـ”حماس” أو “صامدون” مرتكباً لجريمة جنائية. وبنتيجة الحظر أيضاً بات في الإمكان مصادرة أصول شبكة “صامدون”، فضلاً عن حظر نشاطها على شبكة الإنترنت وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، كما أنّ ذلك يمنح السلطات الإطار القانوني للتدخّل وفضّ أي اجتماع.
من جهة ثانية، اعترفت الوزيرة فيزر بصعوبة طرد العديد من أنصار “حماس” من ألمانيا، لأنّ كثيرين منهم من عديمي الجنسية، لكن ووفقاً لوزارة الداخلية من الممكن فرض عقوبات بالسجن لمدة أقصاها سنة واحدة أو فرض غرامات مالية.
وفي هذا الاطار، أشارت قراءات قانونية، إلى أنّ حظر الجمعيات عادة ما يُواجه عقبات كبيرة لأنّها مع الأندية تستند على حرّية التأسيس، وهذا حق أساسي يكفله الدستور، وغالباً ما ترتبط نشاطاتها بالحرّيات الأخرى، بينها على سبيل المثال، تنظيمها للاجتماعات أو إقامة الفعاليات، وتتعلق عادة بالتعبير عن الرأي. من جهة ثانية، فإنّ الحظر يجب أن يستند أيضاً إلى سلوكيات النادي أو الجمعية برمته، أي أنّ الإجراءات الجنائية أو غير الدستورية من قِبل أفرادها ليست كافية للحظر، ويمكن مراجعة الحظر من قِبل القضاء. ووفق السلطات فإنّ الشرطة تمنع تنظيم التظاهرات بناءً على معطيات ومعلومات دقيقة حول المشاركين والمنظمين والتوقعات حول المخاطر وإخلالها بالنظام العام.
ارتياح صاحبه تشكيك
وقال وزير داخلية ولاية شمال الراين فستفاليا هربرت ريول لصحيفة “بيلد” أخيراً، إنّ الداخلية الألمانية سلكت المسار الصحيح، ويُعدّ حظر الأنشطة وسيلة دستورية مهمّة لوضع حدّ لهذه المنظمات، لكن في بعض الأحيان يكون من الحكمة التخطيط أولاً، ثم الإعلان عن الخطوة مباشرة. وتساءل: “هل يمكن الآن مصادرة الأدلة وأصول الجمعية بعد أن كان تمّ الاعلان عن هذا التوجّه في وقت سابق؟”. وفي المقابل، اعتبر وزير داخلية ولاية براندبورغ شتوبغن غريميغ، أنّ الإنتظار لأسابيع عدة قبل الإقدام على هذه الخطوة يُعدّ خطأ فادحاً للغاية.
ومع صدور أمر الحظر، كان هناك امتعاض من الأجهزة الأمنية، إذ لم تعرف السلطات الأمنية في ولاية هيسن مثلاً بحظر أنشطة “حماس” إلاّ من خلال وسائل الإعلام، ولم يكن قد ورد بعد أي طلب تنفيذ من الداخلية الفيدرالية إلى وزارة الداخلية في الولاية المذكورة.
وفي ضوء المهام الإضافية التي سبّبتها الحرب بين “حماس” وإسرائيل والآثار الملحوظة والواضحة على عمل الشرطة في ألمانيا، اعتبر محللون أنّ تصرّف الوزيرة فيزر، سيئ، لا سيما وأنّه عادة ما يتمّ الإتفاق على أوامر الحظر مسبقاً مع السلطات المسؤولة في الولايات، ويتمّ الإعلان عنها توازياً، وعند تقديم الإجراءات التنفيذية المصاحبة. عدا ذلك، فإنّ تحذير هذه المجموعات مسبقاً يمكنها من إخفاء الأموال، وحتى إلى اخفاء حاملي البيانات التي تدينهم.
بدوره، قال الرئيس الإتحادي لنقابة الشرطة الألمانية يوخن كوبلكه، إنّ النقابة تشعر الآن بالارتياح لأنّ الإطار القانوني أصبح واضحاً، وهذا عامل مساعد للتنفيذ، وأنّ الضباط سيتولّون هذه المهمّة الإضافية، وسيُعمل عليها بشكل مكثف. وتمنع الشرطة تنظيم التظاهرات او التجمّع بناءً على معطيات ومعلومات دقيقة حول المشاركين والمنظمين.
وعن مدى تأثير ذلك، كتب أستاذ الدراسات الأمنية في كلية كينغز في لندن، الألماني بيتر نيومان على منصّة “إكس”، “كان لدى مساندي “حماس” و”صامدون” ما يكفي من الوقت لإخفاء الأموال وإعادة ترتيب أمورهم”، في إشارة منه إلى خطورة التأخّر في صدور قرار الحظر، بعد أن كان المستشار أعلن قبل أسابيع عن هذه الخطوة، ما أضعف تأثيرها.