في وقت كشفت كلّ من روسيا وسوريا عن تفاصيل “الردّ” على الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، وسط سوريا، في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، سُرّبت وثيقة صادرة عن هيئة الأركان العامة في الجيش السوري، تتضمن إشارة مباشرة إلى احتمال أن يكون الهجوم قد وقع نتيجة اختراق أمني في محيط الكلية الحربية، وهو ما استدعى اتخاذ إجراءات عدة للتحقيق بشأن هذه الفرضية والتأكّد من صحتها، فضلاً عن الاحتراز من وقوع أحداث دموية مشابهة باستخدام الآلية ذاتها.
 
عمليات سورية – روسية
وأكّد مدير الإدارة السياسية في الجيش السوري اللواء حسن سليمان، أنّه “بعد الجريمة النكراء التي ارتكبها الإرهابيون يوم 5 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم باستهداف الكلية الحربية، اتخذت القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة وبالتنسيق مع القوات الروسية الصديقة العاملة في سوريا، إجراءات حازمة للردّ على هذا العدوان، وبدأت سلسلة من العمليات النوعية والضربات المركّزة والكثيفة التي استهدفت تلك التنظيمات الإرهابية المجرمة التي أقدمت على ارتكاب هذا العمل الإرهابي الجبان”.
وخلال مؤتمر صحافي سوري – روسي مشترك لتسليط الضوء على الهجوم الذي استهدف الكلية الحربية في حمص، والردّ الذي نفّذه الجيش السوري بالتعاون مع القوات الروسية، كشف اللواء سليمان أنّ “العمليات السورية – الروسية المشتركة أدّت إلى تدمير كل المواقع والمقار المستهدفة، ومن ضمنها مستودعات الذخيرة والعتاد والقضاء على مئات الإرهابيين التابعين لما يُسمّى “هيئة تحرير الشام” و”الحزب الإسلامي التركستاني” وغيرها من التنظيمات الإرهابية، كما أسفرت هذه العمليات النوعية والمتواصلة حتى لحظة انعقاد هذا المؤتمر، (الثلثاء)، عن شلّ القدرات القتالية والتنظيمية للإرهابيين ومنعهم من إعادة تجميع صفوفهم وخلق حالة من الفوضى والذعر بينهم، وباتوا يستنجدون بأسيادهم ومشغليهم إثر الخسائر الفادحة التي تعرّضوا لها”.
وشدّد اللواء سليمان على مواصلة الجيش السوري “تنفيذ مهامه الوطنية في محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه”، مؤكّداً أنّ أي “اعتداء قد تشنّه التنظيمات الإرهابية سيلاقي رداً مزلزلاً وفورياً وفي أي زمان أو مكان”.
بدوره، قال رئيس مركز التنسيق الروسي في دمشق والمنطقة الوسطى اللواء فاديم كوليت، إنّه “منذ الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تقوم القوات الروسية بالتعاون مع الجيش العربي السوري بتنفيذ عملية الردّ التي ينبغي أن تثبت للمجتمع الدولي حتمية محاسبة المسؤولين عن مثل هذه الأفعال”. وكشف أنّ القوات الروسية حتى اليوم “قضت على أكثر من 200 مسلح من بينهم 34 قائداً ميدانياً، وضرب 225 منشأة، بما في ذلك 23 نقطة مراقبة، و 9 معسكرات تدريب و 28 مستودعاً للأسلحة والعتاد و 35 ملجأً ونفقاً تحت الأرض”. وشدّد على أنّ “القوات الروسية ستواصل عملها القتالي ما دمنا نرى ذلك ضرورياً”.
اتهامات وتساؤلات
ووجّهت السلطات السورية منذ الساعات الأولى لوقوع الهجوم أصابع الاتهام إلى فصائل جهادية مسلّحة، في مقدمتها “الحزب الإسلامي التركستاني” و”أنصار التوحيد”، مؤكّدةً أنّ الهجوم نُفّذ عبر استخدام طائرات مسيّرة، وهي الفرضية التي أثارت الكثير من التساؤلات، بخاصة بسبب البُعد الجغرافي بين موقع الكلية الحربية ومواقع الفصائل المسلّحة، وهي مسافات لم يكن يُعتقد أنّ الأخيرة تملك طائرات مسيّرة في إمكانها تجاوزها، نظراً لعدم امتلاكها التقنيات الفنية اللازمة.
ويبدو أنّ سلطات التحقيق العسكري في دمشق قد بدأت بالبحث عن احتمال آخر قد يكون أكثر واقعية، ويتمثل في إمكان أن يكون الهجوم ناجماً عن اختراق أمني لمحيط الكلية الحربية، الأمر الذي قد يغطي مبدئياً ثغرة التطور التقني غير المتوافر في الطائرات المسيّرة المُستخدمة في سوريا من بعض الفصائل المسلّحة.
وقد سرّبت مواقع سورية معارضة برقية صادرة عن هيئة الأركان العامة مُرسلة للجهات العسكرية، تضمنت القيام بأربعة إجراءات، عقب الاستهداف الذي جرى في محيط الكلية الحربية في حمص خلال احتفال تخريج دفعة من طلابها في 5 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
أربعة إجراءات
ووفق البرقية، الصادرة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، اقترحت اللجنة المشكّلة بالأمر الإداري رقم 8977 بتاريخ 5 من الشهر نفسه، الصادر عن مكتب رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة بشأن “العمل الإرهابي” الذي استهدف الكلية الحربية، أربعة إجراءات، وفق ما ذكر موقع “عنب بلدي” السوري المعارض.
تمثل الإجراء الأول بتكليف الفروع الأمنية بمسح وتمشيط قطاعاتها في المناطق المحيطة بالكلية الحربية وغيرها من المناطق، للبحث عن أي خلايا نائمة، وإجراء مسح شامل للمزارع ضمن قطاعات العمل بالسرعة الفورية، وإعلام رئيس اللجنة الأمنية بالنتائج، ليُصار إلى عرضها على “القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة”.
ولفتت البرقية إلى تشكيل لجنة مشتركة من الأجهزة الأمنية في المحافظة من أجل إجراء تحقيق وجمع المعلومات من المصادر بشأن “الاعتداء الإرهابي”، والتدقيق في وجود أي حالات اختراق أمني داخل الكلية الحربية وخارجها، والإعلام عن النتائج.
وتمثّل الإجراء الثالث بإلغاء الاجتماعات المركزية العسكرية والاحتفالات في الأماكن المكشوفة، والاستعاضة عنها عند الضرورة بالصالات المغلقة في الأوقات الراهنة. فيما تضمّن الإجراء الرابع منع استخدام “الدرونز” في عمليات التصوير والعمليات الإعلامية في المناسبات والاحتفالات العسكرية.
وكان الهجوم أسفر عن مقتل 89 شخصاً، بينهم 31 سيدة و5 أطفال، و277 إصابة، قابلته قوات النظام بتصعيد هجماتها ضدّ مناطق سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا.
وتقع الكلية الحربية شمال غرب مدينة حمص، وتبعد عن أقرب جبهة قتال نحو 100 كيلومتر، بمحاذاة معرة النعمان جنوبي محافظة إدلب، ويفصلها عن أماكن تمركز “جيش سوريا الحرّة” المدعوم أميركياً في التنف نحو 160 كيلومتراً.
وتبعد المنطقة المستهدفة عن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) شرق نهر الفرات أكثر من 300 كيلومتر، وعن مناطق سيطرة الجهة نفسها في الرقة نحو 230 كيلومتراً.