فاليري جيسكار ديستان صاحب الرواية هو رئيس فرنسا من 1974 إلى 1981 وهو عضو الأكاديمية الفرنسية وعضو المجلس الدستوري، صدرت مذكراته في ثلاثة أجزاء واختار لها «السطة والحياة» عنوانا، ألف خمس روايات ولكن رواية «الأميرة والرئيس» هي التي أثارت الاهتمام بعد أن تحدث الإعلام الغربي عن قصة حب حقيقية لا متخيّلة جمعت الراحليّن جيسكار وديانا
إذا أردتَ أن تكتشف كيف يَعْلَقُ الحبّ بقلوب الساسة الذين لا نراهم إلا في زيّهم الرسميّ، ينشرون الجدّيّة والرتابة حيثما نزلوا وحلّوا، فاقرأ هذا الكتاب… وإذا عنّ لك أن تتّبع خطى «رئيس» وهو يتسلّل إلى غرفة «أميرة» عاشقة، متستّراً بظلمة الليل ومنتشياً بغياب أضواء الإعلام، فالكتاب ضالّتك لما يحمل في متنه من مغامرات، قفز بها عاشقان على كلّ الألغام المحيطة بهما.. لحظات حبّ صادقة تُسرق من عمر الرئاسة القصير، ومن وحشة القصور الملكيّة المؤبّدة في لندن. نعم الرؤساء والملوك كغيرهم من البشر يحبّون ويتألّمون… حقيقة بديهيّة تاهت وراء أسوار «التحنيط» و«التنميط»… ننسى للحظات أنّ هؤلاء الذين نراهم يلوّحون بأيديهم للجموع، بشر مثلنا… كائنات عطشى للحبّ ولكلمات رقيقة صادقة تعيدهم إلى إنسانيّتهم، بعد أن حنّطتهم المناصب وتفاهة المحيطين بهم.. في عالمهم المسيّج بالبروتوكول، لا أحد يسأل عن عذاباتهم الدفينة.. هم مجرّد آلات جاهزة دائماً للخدمة.. لترؤّس اجتماعات، ولتناول وجبات الغداء الرسميّة.. أليس مثيراً حقّاً أن نرى رئيساً يركن سيارته بعيداً عن منزل حبيبته، ليتسلّل إليها في ظلمة الليل، يغمره فرح طفوليّ، بعد أن راوغ أعوان حراسته والمخابرات للحظات.. للحبّ مواقيت ومواعيد لا تتلاءم دائماً مع المراسم.. الحبّ دائماً خارج المراسم.. بعيد عن قصور الوهم التي تبنيها المناصب السياسيّة.
من الخطأ أن نستهين بهذه العواطف المتشظّية، وراء قضبان القصور الملكيّة والرئاسيّة على حدّ سواء، من الخطأ أن نقتل في هذه الذوات ملوكاً ورؤساء إنسانيّتها، بالتأليه مرّة، وبالاصطفاف خلفها أخرى، لنحرمها من سرقة لحظات حبّ بعيداً عن أيدينا التي تصفّق لها غباء أو نفاقاً.
الراوي
يتناوب على رواية قصّة الحبّ الطريفة والمسلّية، التي جمعت بين رئيس دولة فرنسيّ اسمه «جاك هنري لامبرتي» وأميرة بريطانيّة تُدعى «باتريسيا».
عنوانان سرديان:
الأوّل ملحقة صحافيّة في قسم الإعلام في مكتب الرئيس اسمها «آن دينيم» تضطلع بدور إعداد تقارير عن كلّ ما ينشر في الصحف «الأنغلوسكسونيّة». اختارت أن تكتب «رواية» تؤرّخ فيها لعلاقة الحبّ التي جمعت الرئيس، الذي تشتغل في مكتبه بالأميرة، لقد كانت شاهدة على هذا الحبّ الجارف، الذي جمع بين قلبين قرّبا المسافات وألغيا الحواجز. ولم تشرع في الكتابة إلا بعد أن استأذنت العاشقيْن. في كلامها كثير من الحبّ للرئيس الذي اشتغلت معه، رغم أنّه لم ينتبه إلى أنوثتها.
والثاني، الرئيس بطل الحكاية وفاعلها الرئيسي، فقد اختارت صاحبة الرواية أن تتركه يتكلّم بنفسه عن تجربته وحوّلته إلى راو شخصيّة.
الرئيس العاشق
رئيس فرنسيّ يمينيّ أرمل فقد زوجته منذ أربع سنوات، يعيش مدّته الرئاسيّة الثانية، بعد أن فاز في الانتخابات على منافسه من أقصى اليسار.. التقى الأميرة لقاء أنثى عطشى للحبّ بكهل يعيش الخواء، بعد وفاة زوجته فاستسلما لحبّ جارف… قرّر أن يترك منصبه قبل نهاية المدّة الرئاسيّة ليتفرّغ لحبيبته بعيداً عن ضوضاء السياسة وألاعيبها.
الأميرة باتريسيا
بفم من الكريستال، يبتسم إلى الجموع ببلاهة، وبروح إلى الحبّ ظمأى بشراهة، وبعينين زرقاوين يرسمان بعيداً أفق انتظار حبيب المتاهة.. سارت الأميرة «باتريسيا» ترسم مصيرها، هازئة بمجاهل الجغرافيا التي تتحرّك فيها، وبرحابة التاريخ الذي لا يرحم… هي أميرة بريطانيّة أمّ لطفلين: ولد وبنت. ابنها الأمير «جيمس» سيرث العرش بعد وفاة والده في حادث طائرة… كانت تستعدّ للانفصال عن زوجها وليّ العهد، الذي كان على علاقة مع امرأة يجاهر بها ويفتخر… موته المفاجئ مع أمّه في حادث طائرة فوق سماء العراق عطّل ما كان محسوماً.. في داخل هذه الأنثى الأميرة يتقاطع عالمان: عالم السياسة الذي حمّلها وزر عرش بريطانيا بإنجابها الأمير «جيمس»، وعالم المشاعر الإنسانيّة التي تبحث عن لحظات سعادة تسرقها من براثن المخابرات والكاميرا المثبّتة في كلّ مكان، كَلام السياسة الخطر وكُلام الحب المرير، جراح تُفتح وأخرى تندمل. التقت الرئيس الفرنسي وكان مثلها وحيداً بعد وفاة زوجته، تشابكت الأعين منذ اللقاء الأوّل ثمّ تشابكت الأيدي والقلوب.
العشق في خدمة السياسة
حوّل الرئيس والأميرة الاجتماعات الرسميّة إلى مواعيد غرام، تُجنّد كلّ الترتيبات لتنتهي الحكاية بالعاشقين، وهما يصعدان درجات غرفتهما يتهامسان بلغة الحبّ والشوق، غير آبهيْن بالزوّار والضيوف والوفود الرسميّة وهم يتأهّبون لمغادرة قصر «رامبويي»… أصبحت العلاقات الفرنسية الإنكليزيّة تخضع لأجندة الحبّ ولبارومتر القلب ودقّاته المتسارعة في لهفة، توارت غرف التجارة واختفت حسابات البنوك.. ذاب جليد الكلمات الرسميّة التي تشيد بعلاقة الصداقة التي تربط بين البلدين، نعم عظمة الصداقة بين البلدين على تعقّدها أمست أحقر من عظمة الحبّ وهو يجمع عاشقيْن ذلّلا كلّ الصعاب وقهراها.. حتّى لكأنّ «نفق المانش» لم تحفره جرّافات الاقتصاد والمال، بل دموع الحبّ الصادق الذي جمع بين الرئيس والأميرة.
السيرة الذاتيّة
بسرعة، التقط بعض النقاد أوصاف هذه الأميرة ليسقطوها على الأميرة الراحلة ديانا» وليستنتجوا علاقة حب حقيقية جمعت الرئيس الفرنسي صاحب الرواية مع الأميرة الراحلة.. لكأن القدر أراد لهذه الأميرة الراحلة أن تعرف أحلى أيام حياتها في فندق «الريتز» في باريس لتموت ناثرة دماء عشقها تحت جسر «الألما» وفوقه، فتحوّل إلى حائط مبكى إليه يهرع كلّ العشاق يجففون دموعهم بمناديل الذكريات والحسرة.. حادث مروّع أراد للشمعة أن تنطفئ.. وأراد لقصة الحب الجميلة أن تنتهي بفاجعة السيارة المحطمة.. يبدو أن دقات قلب الأميرة في آخر حياتها لم تتلاءم مع دقات ساعة «بيغ بن» في لندن فتدخلت المخابرات لوأد الحلم.
إنّ ميثاق القراءة المنعقد بين الكتاب وقارئه، يشير إلى أن النص «رواية». ويأبى الخيال أحيانا إلا أن يبحث لقصص الحب المتخيلة عن وجود فعلي.. وفي مواجهة للصحافة الإنكليزيّة صرّح الرئيس جيسكار، بأنه اختلق هذه الأحداث وأنّ ما فيها محض تخيّل وإنشاء.. إجابة لم ترضِ نهم كثير من الفضوليين الذين تحدثوا عن علاقة غرامية جمعت الرئيس الفرنسي بالأميرة الراحلة.. ألم نحلم نحن أمة الشرق بأن يحبّ شاعرنا «المتنبي» أخت سيف الدولة فبحثنا عن هذا الحب في مرثية يتيمة حملناها فوق ما يحتمل الشعر؟ ألم نتأمّل لميل «ولادة» إلى «ابن عبدوس» وتركها «ابن زيدون» لدموعه وأحزانه».
*٭ كاتب تونسي