Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • رحلة أبناء «مجاهدي خلق» السويديّة من معسكر أشرف في العراق إلى استوكهولم.. هوزان شيخي.….المصدر: الجمهورية.نت
  • الأخبار
  • مقالات رأي

رحلة أبناء «مجاهدي خلق» السويديّة من معسكر أشرف في العراق إلى استوكهولم.. هوزان شيخي.….المصدر: الجمهورية.نت

khalil المحرر أغسطس 31, 2024

 

أثناء التحضيرات للانتخابات البرلمانية في صيف 2014، اتّصلتْ موظفةٌ من دائرة الهجرة لتسأل حنيف بالي إن كان راغباً في استقبال أُمه التي ستُنقلُ إلى السويد بعد أيام. كان جوابه واضحاً: «لا، لا أريدُ استقبالها»…

وصلَ حنيف بالي، حين كان في الثالثة من عمره، وحيداً إلى مطار أرلاندا شمال ستوكهولم في العام 1991، بقي والداه مُرابطَينِ في مُعسكر أشرف في محافظة ديالى شمال بغداد. قرارُ قيادة منظمة مُجاهدي خلق كان صارماً بعد الغزو العراقي للكويت: الوضع مُعقّد، ويجب أن يخرج كُلُّ الأطفال من المعسكر ومن العراق كي لا يعيقوا أهاليهم عن الكفاح.

تنقّل حنيف بين سبعة عوائل للرعاية في طفولته السويدية، أغلبها من عائلات الإيرانيين الذين يدعمون أو يتعاطفون مع مجاهدي خلق. أحبَّ مرةً، وهو في الخامسة من عمره، تجربةَ العيش في كَنفِ عائلةٍ سويدية، يصفهم حنيف بالعائلة السويدية العادية، عائلةٌ يحتفل أفرادها بعيد الميلاد ويشربون الشوكولا الساخنة ويلعبون سويةً في الثلج. بعد حوالي العام من العيش هُناك، جاءت عائلةٌ من إيرانيي السويد مرةً أُخرى لتأخذه للعيش معهم. كان أحدُ المُبررات لتغيير مكان إقامته هو أن مُجاهدي خلق في السويد كانوا يضغطون على دائرة الرعاية الإجتماعية، مُصرّين على أن حنيف الطفل يجبُ أن يكبرَ مُحافظاً على عاداته ودينه مع عائلاتٍ من أصل إيراني…

* * * * *

«فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً»
كان لمنظمة مُجاهدي خلق دورٌ رئيسي في الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه. وتعاونتْ قبل وأثناء الثورة مع المرجعيات الدينية التي قادتْ الثوار، ومع جماعات ومنظمات ثوريّة أخرى، وتكرر أثناء الثورة الإيرانية حَملُ المُتظاهرين لعلمِ منظمة مجاهدي خلق مُتوسطاً صورةً كبيرة للخميني ومثلها لعلي شريعتي.

زادتْ شعبية مجاهدي خلق في السنوات التي سبقتْ الثورة، واعتبرها الكثير من المراقبين المحليين والأجانب من أكبر التنظيمات المعارضة للشاه، وأكثرها تنظيماً وانضباطاً وتسليحاً. وتمكّنتْ المنظمة من التحوّل إلى قوة سياسية رئيسية بعد الثورة، بقاعدة شعبية تمتد على أغلب مدن وأرياف إيران، واستطاعتْ أن تحشد أكثر من نصف مليون شخص في مُظاهرة شهيرة في طهران 1981. أثارتْ هذه الشعبية المُتفاقمة مخاوف نظام الجمهورية الإسلامية الجديد، خصوصاً مع معارضة مجاهدي خلق الواضحة لمبدأ ولاية الفقيه، وتطوّر دور مسعود رجوي، زعيم المنظمة، ليكون التهديد الأكبر لسلطة آية الله روح الله الخميني. في السنوات من 1981 حتى 1985 أعدمتْ سُلطات الثورة الإسلامية أكثر من 9000 مُنتسب إلى مُجاهدي خلق، بالإضافة إلى حملات ممنهجة للاعتقال والتعذيب.

تشكّلتْ النواة الأساسية للمنظمة كامتدادٍ للجبهة الوطنية الإيرانية 1949، وللمحاولات الثورية للدكتور محمد مُصدّق رئيس الوزراء الإيراني الأسبق في عهد الشاه. حيث اجتمع المهندسون المؤسسون الثلاثة، محمد حنيف نجاد وسعيد محسن وأصغر بديع زادكان، في أيلول (سبتمبر) 1965، وخلصوا إلى أنَّ المحاولات السياسية والبرلمانية لإسقاط نظام الشاه من الداخل تتعرّض لقمع مستمر ولا تعطي النتائج المرجوة، ولذلك لا بد من إنشاء حركة ثورية تتبنّى الكفاح المُسلّح كطريق أساسي لإسقاط الشاه. وبعد سنوات قليلة من هذا الاجتماع تم تسمية الحركة باسم «منظمة مُجاهدي خلق الإيرانية» بالفارسية «سازمان مجاهدين خلق ايران». أصل الاسم آتٍ من الآية القرآنية «فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً» وفيه أيضاً إحالةٌ إلى المجاهدين الجزائريين الذين رأى فيهم الدكتور محمد مصدّق مثالاً جيداً للنضال ينبغي الاحتذاء به في إيران.

زادت أعداد المنتسبين إلى المنظمة منذ تأسيسها حتى أيلول (سبتمبر) من العام 1971، حين شنَّ السافاك، نظام المُخابرات في زمن الشاه، حملةً واسعةً ضدّهم، مُعتقِلاً كامل قيادات المنظمة وأغلب أعضائها. وبعد محاكمة عسكرية صدرتْ أحكامٌ بالإعدام على المؤسسين الثلاثة للمنظمة وكذلك على جميع أعضاء قيادتها المركزية. لاحقاً تم تخفيف الحُكم بحق واحِدٍ فقط من قياديي المنظمة، مسعود رجوي، من الإعدام إلى السجن المؤبد، وذلك بسبب صغر سنه وبسبب الحملة الإعلامية الدولية التي قادها أخوه كاظم رجوي المقيم خارج البلاد.

قاد مسعود رجوي المنظمة من داخل السجن، بعد إعدام المؤسسين وباقي القيادة المركزية، ونجح من سجنه في القضاء على محاولة انقلابية داخل المنظمة 1976. أُفرِجَ عن مسعود رجوي في 20 كانون الثاني (يناير) 1979 مع آخر دفعة من المعتقلين السياسيين الذين أطلق نظام الشاه سراحهم، واشترك مباشرةً في تنظيم الثورة التي كانت في أيامها الأخيرة قبل إسقاط الشاه.

* * * * *

سنوات إيران
نَجحَ مجاهدو خلق، بعد سقوط الشاه، في استقطاب فئات جديدة من الشارع الإيراني إلى صفوفهم، مُركّزين على ضرورة حماية الحُريات العامة وحقوق الأقليات. وُزِّعتْ الصحيفة الرسمية للمنظمة «مُجاهد» يومياً بأعداد لم تقترب منها أي صحيفة أخرى في تاريخ إيران، وصلت أحياناً إلى 600000 نسخة في اليوم. ووصل عدد المستمعين إلى خطابات مسعود رجوي في احتفالات المُجاهدين إلى 300000 مُستمع. شارك المجاهدون في إحباط محاولة الإنقلاب المضاد الذي عُرف باسم «انقلاب نوجه 1980»، كما دعموا اقتحام الطلاب الإيرانيين للسفارة الأميركية في طهران فيما عُرف باسم «أزمة رهائن إيران».

ورغم محاولات المشاركة في الحياة السياسية فأن مجاهدي خلق استمروا في معارضتهم الواضحة لولاية الفقيه، وكذلك في معارضتهم لاحتكار السلطة السياسية من قبل رجال الدين المُقرّبين من الخميني، كما رفض المجاهدون المشاركة في الاستفتاء الدستوري في كانون الأول (ديسمبر) 1979 الذي حوّل إيران رسمياً إلى جمهورية إسلامية.

حاول مسعود رجوي الترشّح للانتخابات الرئاسية مطلع العام 1980، لكن الخميني منع ترشّحه بفتوى مفادها «أن المعارضين للدستور لا يمكن الوثوق بهم لتطبيق الدستور». كما فشل المجاهدون في دخول البرلمان في الانتخابات التي جرتْ في العام نفسه. ادّعى المُجاهدون لاحقاً أن السلطات الإيرانية زوّرتْ نتائج الانتخابات لمنع دخول أي ممثل من المجاهدين إلى البرلمان.

تقرّب المجاهدون من الرئيس الإيراني الجديد، أبو الحسن بني صدر، وحاولوا سويةً تقويض شيء من السلطات التي احتكرها أنصار آية الله الخميني. في حزيران (يونيو) 1981، أصدر القاضي أسد الله لاجوردي قراراً باعتقال كل من مسعود رجوي وموسى خياباني من قيادات مجاهدي خلق، وبعدها بأيام أصدر آية الله الخميني قراراً بإقالة أبو الحسن بني صدر من منصبه كرئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

رداً على القرارات السابقة نظّم المجاهدون مظاهراتٍ حاشدة في مدنٍ إيرانية مختلفة، أشهرها وأكبرها كانت في طهران، إذ وصل عدد المشاركين فيها إلى نصف مليون متظاهر. أطلقت قوات الحكومة الإيرانية النار على المتظاهرين وقتلت أكثر من عشرين متظاهراً، أعلنتْ منظمة مجاهدي خلق بعدها اعتماد الكفاح المسلّح كطريق لتغيير النظام. وكان تفجير «هفت تير» في 28 حزيران (يونيو) 1981 أول العمليات الانتقامية التي نُسِبتْ إلى المُجاهدين، قُتِلَ في التفجير، الذي استهدف مقرَّ الحزب الجمهوري الإسلامي الحاكم، ثلاثة وسبعون مسؤولاً من الحزب، من بينهم قاضي القُضاة محمد بهشتي وأربعة من وزراء الحكومة الإيرانية.

أعلن المجاهدون بعدها عن تشكيل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يمثل إئتلافاً جامعاً للمنظمات والجماعات والأفراد الإيرانيين الساعين للإطاحة بالنظام الإسلامي الجديد، وعُيّنَ مسعود رجوي رئيساً للمجلس. في 30 آب (أغسطس) قام المجاهدون بتفجير مكتب رئيس الوزراء الإيراني محمد جواد باهنر، مما أدى إلى مقتله ومقتل الرئيس الإيراني محمد علي رجائي وستة أشخاص آخرين.

في الفترة من صيف 1981 حتى نهاية 1982، نفّذ المجاهدون 336 هجوماً واغتيالاً ضد مقرّات وشخصيات في السلطة الإيرانية، ردّتْ السُلطات بقتل وإعدام حوالي 3500 منتسباً لمنظمة مُجاهدي خلق.

* * * * *

سنوات العراق
كان مسعود رجوي قد خرج من إيران في صيف 1981 سِرّاً إلى تركيا ومنها إلى فرنسا برفقة الرئيس السابق أبو الحسن بني صدر، وتبعه لاحقاً عدد كبير من قيادات المُجاهدين. عمل رجوي من فرنسا على قيادة المجلس الوطني للمقاومة الإسلامية، وهُناك التقى بنائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وعقد مَعه اتفاقية سلام مع العِراق. حاولتْ فرنسا في السنوات اللاحقة التقرّب من النظام الإسلامي الجديد في إيران، ووقع رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك جاك شيراك اتفاقاً مع إيران لإطلاق سراح الرهائن الفرنسيين المحتجزين عند حزب الله في لبنان، طالبت بعدها السلطات الفرنسية من قيادات المجاهدين مُغادرة البلاد.

غادر مسعود رجوي باريس إلى العِراق في العام 1986 ليعلن بعدها تشكيل جيش التحرير الإيراني، والذي شارك إلى جانب القوات العراقية في حرب الخليج الأولى ضد القوات الإيرانية. نفذ المجاهدون من قواعدهم في العراق عملياتٍ نوعية ضد القوات الإيرانية على الحدود وداخل إيران، أشهر هذه العمليات كانت عملية «الثُريا» في 18 حزيران (يونيو) 1988 وعملية «الضياء الخالد» في 25 تموز (يوليو) 1988 التي وصل فيها المجاهدون إلى مدينة كرمنشاه. ردُّ السلطات الإيرانية على العمليات كان اعتقال وإعدام الآلاف من مُناصري المنظمة داخل إيران. إذ أصدر الخميني فتوى تعتبر أعضاء منظمة مُجاهدي خلق، بالإضافة إلى أعضاء الأحزاب اليسارية المعارضة، مُرتدّين عن الإسلام. وأُعدِمَ على إثر الفتوى وبعد محاكماتٍ شكليّة آلاف من السجناء السياسيين في إيران، بعض التقديرات قالت إن عدد الضحايا وصل إلى 30000 مُعتقل، غالبيتهم العُظمى من مُجاهدي خلق. شارك في إصدار أحكام الإعدام عدة قُضاة من بينهم القاضي أسد الله لاجوردي، الذي كان قد أصدر القرار باعتقال مسعود رجوي في العام 1981 ثم اغتالته منظمة مجاهدي خلق في العام 1998، وكذلك الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي الذي كان يشغل حينها منصب نائب المُدعي العام في طهران.

تلقى المجاهدون في العراق دعماً وتمويلاً كبيرين من نظام صدام حسين، وسُمِح لهم بالإقامة والتدرب في ستة معسكرات داخل العراق، أشهرها وأكبرها مُعسكر أشرف في مُحافظة ديالى شمال بغداد.

سُميّ المُعسكر على اسم أشرف ربيعي رجوي، القيادية السابقة في حركة مُجاهدي خلق، وزوجة مسعود رجوي الأولى التي قُتلت في هجوم لقوات الحرس الثوري الإيراني عام 1982 على مقرٍ لمجاهدي خلق في الزعفرانية شمال طهران. حوّل مجاهدو خلق المُعسكر إلى مدينة مُتكاملة مغلقة على نفسها، حيث قاموا ببناء المرافق الطبية والاجتماعية والرياضية والمدارس بالإضافة إلى بعض ورشات الأعمال الصناعية والزراعية، وقُدّرت أعداد سكان معسكر أشرف في نهاية الثمانينيات بحوالي 5000 شخص.

بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وكطريقة للتعبير عن امتنانها لكرم صدام حسين، دعمتْ قوات المجاهدين الجيشَ العراقي في قمع انتفاضات الأكراد والشيعة ضد نظام البعث 1991.

حاولتْ إيران إنهاء تواجد المجاهدين داخل العراق، مُستغلةً الغزو العراقي للكويت وعملية عاصفة الصحراء اللاحقة. فارتأتْ قيادات المُجاهدين أن تُغير من طريقة تواجدها وتنظيمها في معسكر أشرف، وقررتْ أن يخرج كُلُّ الأطفال الموجودين داخل المعسكر إلى دول غربية. حوالي 1000 طفل غادروا المعسكر بإشرافٍ من المجاهدين، أقاموا أولاً في فندقٍ في الأردن لمدة ثلاثة أشهر، ثم خرجوا سرّاً من هناك إلى مدن وعواصم غربية. غالبية الأطفال وصلوا إلى ألمانيا، حوالي 400 طفل، بينما وصل حوالي 150 طفلاً إلى السويد، بالإضافة إلى آخرين وصلوا إلى فرنسا، هولندا، إنجلترا، كندا والولايات المتحدة الأميركية.

* * * * *

سنوات السويد
عرض التلفزيون السويدي مؤخراً فيلماً وثائقياً بعنوان أطفال معسكر أشرف. يحكي الفيلم قصة أربعة من الأطفال الذين وصلوا دون أهلهم إلى السويد في العام 1991، من بينهم حنيف بالي. قوبل العرض الأول للفيلم في مهرجان غوتنبرغ للأفلام باحتجاجات واسعة من قبل مُناصري المجاهدين في السويد، مُتّهمين مخرجة الفيلم والقائمين عليه بالعمالة للنظام الإيراني.

تتشابه حكايات الأبطال الأربعة في الفيلم وتتشابه ذكرياتهم، صورٌ مُغبشة عن وداع سريع للأمهات في معسكر أشرف، باصٌ بطيءٌ يمضي بهم بعيداً في صحاري العراق، أطفال يبكون وأخرون يلعبون، حدودٌ ودولٌ لا يذكرون منها الكثير، ثم يتركهم أحد البالغين من المجاهدين وحيدين في أحد المطارات فتأتي عائلةٌ من مجاهدي خلق في السويد لتأخذهم للعيش معها.

يعرض الفيلم معاناة الأطفال في العيش في المجتمع الجديد بعيداً عن أهاليهم الأصليين، وعن المضايقات التي تعرضوا لها أثناء إقامتهم عند عوائل تتبع للمجاهدين. كما يركز الفيلم على السذاجة وعدم الاكتراث في معالجة الدوائر السويدية الرسمية لحالات الأطفال هؤلاء، حيث سمحت دوائر الرعاية الإجتماعية، السوسيال، لأي عائلة تدّعي معرفتها أو قرابتها لعائلة الطفل الأصلية بأن يأخذوا الطفل معهم، دون أي تدقيق أو متابعة لظروف عيش الأطفال.

لا يُخفي أبطال الفيلم الأربعة تحررهم من أفكار منظمة مجاهدي خلق، كما لا يخفون حِقدهم على المنظمة. مُتهمين قيادات المنظمة وعلى رأسهم مسعود ومريم رجوي بغسيل أدمغة أهاليهم وتحويلهم إلى مجرد جنود يتحركون فقط تنفيذاً لأجندات مرؤوسيهم.

حوالي 150 طفلاً من أبناء المجاهدين وصلوا إلى السويد، في أغلب الحالات انقطع تواصلهم تماماً مع أهاليهم في السنوات الأولى بعد خروجهم من العراق. لاحقاً حاول الكثير من هؤلاء الأطفال إعادة التواصل مع الأهالي الذين بقَوا في المعسكر. مُنظمة مجاهدي خلق حاولت بدورها أن تبقى مسيطِرةً على هؤلاء الأطفال، عن طريق الاستمرار في تربيتهم على مبادئ المنظمة وأفكارها عند العوائل التي استقبلتهم، والهدف الأساسي من هذه السيطرة هو إعادة الأطفال إلى العراق حين يصبحون مُراهقين كي يستمروا في القتال ضد النظام الإيراني من هناك. في بعض الحالات نجحتْ المنظمة في إعادة تجنيد الأطفال وإرسالهم للانضمام إلى المعسكرات في العراق وهم في سن الرابعة عشرة. كما في حالة إحسان شاكري، الذي جنّدته المنظمة من السويد، وذهب للانضمام إلى جيش التحرير الإيراني في العراق، لم يحتمل إحسان الأوضاع في العراق وحاول العودة إلى السويد، فتمَّ اعتقاله وتعذيبه من قبل المجاهدين، واتهامه بالعمالة لإيران. نجح إحسان لاحقاً في الهرب من العراق وعاد إلى السويد ثم انتحر شنقاً في إحدى غاباتها.

قسم آخر من الأطفال حاولوا لقاء أهاليهم حين كَبرِوا، سواءً في العراق أو في مدن وعواصم أخرى، ونجح قِلةٌ منهم في تحقيق هذا، إذ أنَّ قيادات المجاهدين والأغلبَية من الأهالي رفضوا لقاء الأبناء طالما لم يتبنوا تماماً فكر المجاهدين. كما في حالة أمير، من أبطال الفيلم، الذي وصل إلى السويد وحيداً وهو في السابعة من عمره، وعرف أن أمه مُقيمةٌ حالياً في معسكر للمجاهدين قريباً من تيرانا عاصمة ألبانيا، وحين ذهب لرؤيتها رفضتْ الأم لقاءه، ثم خرجتْ في بثٍ مُباشر على أحد قنوات المجاهدين لتُقول عن أبنها: «نحن نكره هؤلاء، أنا مُقاتلةٌ وثائرة، وأريدُ أن يكتَب هذا في تاريخنا، هؤلاء عُملاء للنظام الإيراني، إنهم أعداء للمُجاهدين، لا أعطيهم الحق حتى في زيارة قبري»…

* * * * *

سنوات الإيديولوجيا
في كتابه الموسوعي عن المجاهدين الإسلام الراديكالي، المُجاهدون الإيرانيون 1989، يتحدث المؤرخ الإيراني إرفند إبراهيميان بإسهاب عن المنطلقات النظرية لفكر المُجاهدين، عن هذا الدمج بين المفاهيم الإسلامية الشيعية عن التضحية والفداء والنظريات الماركسية الكلاسيكية حول الصراع الطبقي والحتمية التاريخية، إضافةً إلى المفاهيم الماركسية الجديدة عن الكفاح المسلح وتنظيم الجماهير وحرب العصابات والبطولة الثورية. ينتقد إبراهيميان التبسيطَ الذي اعتمده الأكاديميون الغربيون في دراسة ظاهرة المجاهدين، فقد ذهب قسمٌ من الباحثين إلى اعتبار المجاهدين حركةً بدأت كمجموعة ماويّة ماركسية اعتنقتْ الإسلام في مرحلة لاحقة. فيما اعتمد باحثون آخرون فكرة أنّ المُجاهدين حركةٌ إسلامية شيعية في الأصل تطورتْ فيما بعد مُتبنّيةً شيئاً من الأفكار الماركسية. ويرى تيارٌ ثالث من الباحثين أن الحركة ماركسية إسلامية منذ بدايتها، تدعو علناً إلى إنشاء جمهورية إسلامية اشتراكية. أعداء المُجاهدين أيضاً ساهموا في تضخيم هذا الارتباك المتعلق بإيديولوجيا المجاهدين، فنظام الشاه البهلوي اتّهم منظمة المجاهدين بكونها مؤامرةً ماركسية تختبئ وراء اسم الإسلام، فيما أعدم نظام الملالي الكثير من المجاهدين بحجةِ أنهم مرتدّون يعملون لصالح قوى أجنبية، وأطلقتْ عليهم في كثير من المناسبات اسم منظمة المنافقين.

لم يستخدم المجاهدون مُطلقاً مصطلحات الاشتراكية أو الماركسية أو الشيوعية لوصف الحركة في أدبيّاتهم الرسمية، لكنهم كانوا قريبين فكرياً من هذه الدوائر، وأعداد لا بأس بها من منتسبي الحركة كانوا متأثرين بالأفكار الماركسية في إيران وخارجها.

عمل مؤسسو مجاهدي خلق في السنوات التي سبقتْ الثورة الإيرانية على مناقشات عميقة لإيديولوجيا المنظمة، والطرق الأنسب لتنظيم الثورة ضدَّ نظام الشاه، وأرسلوا مندوبين من المنظمة إلى المناطق الكردية في إيران بعد ثورة العام 1968 لدراسة أحوال الفلاحين والمناطق الريفية. بعد رحلات عديدة إلى مناطق غرب إيران أصدر المجاهدون مذكرةً بعنوان الريف والثورة البيضاء: دراسة في الوضع الثوري في الريف الإيراني. خلصتْ الدراسة إلى أن إجراءات الإصلاح الزراعي عام 1963 أدتْ إلى تحجيم الإمكانات الثورية للريف، وبالتالي يُرجّح أن تبدأ الثورة المستقبلية في المدن الكبرى أكثر من الريف. قررت المنظمة بعدها توسيع نشاطاتها وعقدت إجتماعاً في طهران بدلتْ فيها لجنتها المركزية بكادر مركزي جديد.

تواصلتْ المنظمة مع حركات المقاومة الفلسطينية، خصوصاً مع حركة فتح، واتفقتْ معها على تدريب المجاهدين في معسكراتها. سبعٌ من القيادات الأساسية للمنظمة، بينهم مسعود رجوي، كانوا أول دفعة من المُجاهدين الإيرانيين في معسكرات فتح في الأردن ولبنان، حيث قضوا هناك عدة أشهر في العام 1970، تلاحقت من بعدها دفعات أخرى من مجاهدي خلق. قُدّر أعداد مجاهدي خلق الذين تدربوا في معسكراتٍ لحركة فتح بين الأعوام 1970-1979 بالمئات.

أغلب المنتسبين إلى الحركة في بداية السبعينيات، والذين أعدم نظام الشاه عدداً كبيراً منهم في العام 1972، كانوا من أبناء الطبقة الوسطى التقليدية، المتعلمون الجامعيون من أبناء المدن الكبرى المتحدثة بالفارسية، خاصةً طهران.

زادت شعبية المجاهدين في منتصف السبعينيات بعد عمليات عِدة قاموا بها ضد أهداف لنظام الشاه، وصاروا، إلى جانب حركة فدائيي إيران الماركسية، من أكبر الحركات المعارضة للشاه. وفي خضّم هذا النجاح عاد الحديث عن الأصول الفكرية للمنظمة، فأصدر بعض المنتسبين إليها بياناً بعنوان «شرح الموقف الإيديولوجي لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية» صيف 1975، شكل البيان صدمة للرأي العام وللمجاهدين أنفسهم لشدة نقده للإسلام واعتباره منظمة مجاهدي خلق حركة ماركسية لينينية فقط. أدى البيان إلى حدوث أول انشقاق في المنظمة، إذ رفض الكثير من مجاهدي خلق هذا البيان، واعتبروا أن مُصدّريه أقلية ماركسية تخريبية، ثم أَجبر مسعود رجوي مُصدّري البيان على مغادرة تنظيم المجاهدين، لتكون تلك آخر محاولة لمركسة التنظيم، وليصبح مسعود رجوي بعدها القائد الأوحد للمجاهدين.

تحولتْ منظمة مُجاهدي خلق، بعد نجاح الثورة الإيرانية وخروجهم من إيران، إلى ما يشبه الطائفة، بطقوس خاصة وانغلاق كامل على نفسها. حيث قامت المنظمة بتحديد تحركات المجاهدين، خاصة في المدن الرئيسية في أوروبا الغربية التي انتقلوا إليها قبل رحيلهم إلى العراق، وذلك عن طريق إسكان معظم أعضائها في أُسر جماعية تتبع قوانيناً صارمة. استعمل المجاهدون مصطلح «الديمقراطية المركزية» كثيراً في حديثهم عن تنظيمهم، دون أي شرح وافٍ لمعنى المصطلح، وفي واقع الحال شدّد المُجاهدون على أهمية الطاعة والانضباط والتسلسل الهرمي، ولم يتركوا مجالاً لحرية التعبير والنقاش المفتوح والانتخابات. تنظيمياً كان لكلّ عضو مُشرفٌ مباشر، ولكلِّ مُشرِفٍ بدوره مُشرف أعلى، وصولًا إلى مسعود رجوي، المشرف الأول أو المسؤول الأول أو الرئيس. كان لكلِّ عضوٍ واجباتٌ بدوامٍ كامل إما داخل المنظمة نفسها أو في إحدى مؤسساتها الرديفة، وتوجّب على كل عضو أن يقدم تقريراً كاملاً عن أنشطته اليومية لمُشرفه المباشر. الأنشطة التي ينبغي تقديمها في التقرير كانت تبدأ دائماً مع صلاة الفجر، وتستمرُ طوال كُلِّ ساعةٍ من ساعات النهار، وتتضمن دراسةً يوميةً لمنشورات المنظمة وصحيفة «مجاهد»، حيث مُنع الأعضاء من قراءة الصحف غير التابعة للمجاهدين، وآخرُ الأنشطة في التقرير اليومي هو صلاة العشاء والتي تنتهي بدورها بترديد «يحيا رجوي». قيدتْ المُنظمة اتصالات الأعضاء مع المُجاهدين في المدن الأخرى، حيث شجّعتْ المنظمة الاتصالات الرأسية عن طريق المُشرفين بدلاً من التواصل الأفقي للأعضاء فيما بينهم، كما سلّم الأعضاء جميع أصولهم المالية إلى المنظمة. تم إعطاء الأعضاء الذين فروا من إيران بدون جوازات سفر أسماء مستعارة وهويات جديدة وذلك لحمايتهم من السلطات الإيرانية، لكن هذا التزوير أدى أيضاً إلى اعتماد الأعضاء كُلياً على المنظمة في تعاملاتهم مع سلطات الهجرة في البلدان المُضيفة. كانت عملية النقد والنقد الذاتي واحدةً من الأنشطة المستوحاة من الأحزاب الماركسية التي قام بها المجاهدون، الأعضاء الذين تجرأوا على انتقاد المشرفين تمت معاملتهم بقسوة.

تدخلتْ المنظمة بشدة في الحياة الشخصية للأعضاء، واعتُبِرتْ كُلّ الرغبات المتعلقة بالعائلة أو الأطفال أو العلاقات تهديداً لأهداف المنظمة. كان على الأعضاء الراغبين في الزواج أن يطلبوا الإذن من القياديين، وإذا منحت المنظمة الإذن بالزواج، فإنها تبحث داخل التنظيم عن شريك مُناسب، ثم يتم ترتيب حفل الزفاف داخلياً، وفي حالات كثير يكون حفل الزواج جماعياً.

الحدث الذي زاد من انغلاق المنظمة على نفسها وتسبب في ابتعاد عدد لا بأس به من أصحاب الأفكار الليبرالية والماركسية عنها كان تبعات زواج مسعود رجوي من مريم رجوي، سابقاً مريم قجر أزدانلو، أو ما سُمي حينها بالزواج الإيديولوجي. كانت مريم من الأعضاء الذين انضموا إلى المجاهدين في بداية السبعينيات، قتلَ نِظام الشاه أختها نرجس، ثم أعدم نظام الخُميني أختها الأخرى معصومة. تزوجتْ في العام 1980 من مهدي أبريشمجي القيادي في المُجاهدين وصديق مسعود رجوي، وترشحتْ في العام نفسه إلى الانتخابات التشريعية الإيرانية عن طهران دون أن تنجح في دخول البرلمان. انتقلتْ مع أعضاء آخرين إلى فرنسا وهناك تطور دورها ضمن قيادات المجاهدين، خصوصاً فيما يتعلق بجوانب التنظيم الإجتماعي للمنظمة. تطلّقتْ في العام 1985 من مهدي أبريشمجي لتتمكن من الزواج من مسعود رجوي، وتأخذ وظيفة الأمين العام المُرادف لمنظمة مجاهدي خلق، وتصبح بذلك الشخصية الأساسية الثانية في التنظيم بعده. بررتْ قيادات المُجاهدين الزواج وطريقة حصوله بأنه ضروري للاستمرارية وأنه أساسيٌ لإحداث ثورةٍ إيديولوجية في التنظيم، وأنّ اللقاءات الفردية بين مسعود رجوي ومريم رجوي لإدارة شؤون المجاهدين لا تجوز شرعاً ما لم يكونا متزوجين، مُحيلين في تبريرهم إلى زواج النبي محمد من زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة. في حفل الزواج صافح مهدي أبريشمجي مسعود رجوي وهنأه على الزواج من مريم، وقال في كلمة قصيرة: «كعضو في تنظيم مجاهدي خلق، وكأبن لهذه المنظمة، أهنئ مسعود ومريم على زواجهما من كل خليةٍ في جسمي، وأنا ممتلئ بالسعادة الإيديولوجية».

صارت مريم رجوي رسمياً بعد الزواج المُرادفة للأمين العام في منظمة مجاهدي خلق، وتركّزت بذلك كُلُّ سلطة قيادة المجاهدين في يد مسعود ومريم رجوي، وصارا مُحاطين بشيء من التقديس عند من بقي في التنظيم من المجاهدين. في العام 1989 صارت مريم رجوي رسمياً الأمين العام لمنظمة مُجاهدي خلق، وفي العام 1993 اختار المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مريم رجوي رئيسةً مؤقتة لإيران حتى إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية. يُشار إلى مريم رجوي من قبل منتقديها بأنها المسؤولة عن قرارات فصل الأطفال عن أهاليهم في مخيم أشرف بعد غزو العراق للكويت، وأنها مسؤولة أيضاً عن قرارات طلاق أزواج من المُجاهدين لكي يركزوا أكثر على المعركة ضد النظام الإيراني، وغيرها من القرارات التعسفية خاصة فيما يتعلق بالأحوال الاجتماعية للمجاهدين. اعتُقلتْ مريم رجوي في باريس لفترة قصيرة في العام 2003، قام على أثرها تسعة أعضاء من المجاهدين بإضرام النار في أجسادهم احتجاجاً على الاعتقال، توفي لاحقاً أثنان منهم.

اختفى مسعود رجوي قُبيل الدخول الأميركي للعراق في العام 2003، لا توجد أي صور أو تسجيلات له من حينها، يؤكد المسؤولون في المنظمة أنه لا يزال على قيد الحياة، وأنّه متوارٍ بسبب محاولات استهدافه المستمرة من قبل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فيما يشير المراقبون إلى احتمال وفاته. وفي ظلِّ غياب مسعود رجوي، تبقى مريم رجوي هي المسؤولة الوحيدة عن قرارات المُجاهدين، يحييها الأعضاء بشيء من التأليه وتُكثِرُ هي من ظهورها العلني، مُحاولة قدر الإمكان الوقوف في الصور قريباً من المسؤولين الأميركيين والغربيين.

* * * * *

سنوات حنيف
انضمّ حنيف بالي في بداية شبابه إلى حزب المُحافظين السويدي Moderaterna، وعمل بنشاط في منظمات الحزب الشبابية، ونجح في كسب شهرة واسعة بتركيزه على الأسئلة المتعلقة بالهجرة والمهاجرين. ترشّح على قائمة الحزب للانتخابات في العام 2010 عن محافظة استوكهولم، ونجح في دخول البرلمان وهو في الثالثة والعشرين من عمره. ثم عاد وترشّح في دورتي 2014 و2018 وبقي عضواً في البرلمان حتى أيلول (سبتمبر) 2022.

يوصَفُ حنيف بالسياسي الأكثر إثارة للجدل في السويد في السنوات الأخيرة، نشاطه المستمر على تويتر، ولغته المباشرةُ والعنيفة ضد مُخالفيه في الرأي تجعله مثار اهتمام المتابعين ووسائل الإعلام. لا يخفي حنيف فيما ينشره معارضته لسياسات الهجرة السويدية، يدافع بشدة عن هوية السويد البيضاء التي لا تحتمل أفكار الوافدين من دول العالم الثالث، خصوصاً من الدول الإسلامية. ينتقدُ بشدة الأحزاب اليسارية والحزب الديمقراطي الاجتماعي السويدي متهماً إياها بالوقوف وراء تجربة فتح أبواب الهجرة إلى السويد والتسبب في تغيير ديموغرافية البلد، تغييرٌ ستكون نتائجه كارثية على كل السكان، حسب رأيه. يطالب بوضوح بإيقاف تدفق اللاجئين إلى السويد، ووقف دعم الجمعيات الدينية الإسلامية، والتشدد في التعامل مع المقيمين من أصول مُهاجرة، وكذلك التشدد في التعامل مع المنضمين إلى عصابات الجريمة المنظّمة في السويد، كما يطالب بسنِّ قوانين تمنع زواج الأقارب مُبرراً طلبه بأن زواج الأقارب المنتشر بكثرة في دول الشرق الأوسط وووسط أسيا سببٌ أساسي لتخلف سكان هذه البلاد، واعتمادهم التقاليد العشائرية قبل المدنية في تعاملاتهم.

المعارضون لحنيف لا يتوانون عن انتقاده، يُسمونه بالنسخة الأسوأ لدونالد ترامب، أو الفاشي والنازي، يعترف أغلبيتهم بحدة ذكائه وقدرته الهائلة على التحليل، لكنه يستعمل ذكائه وتحليله بطريقة شريرة.

في الفصول الأولى من سيرته الذاتية حيواتي التسعة Mina nio Liv الصادر في العام 2022 يتحدث حنيف عن طفولته المبكرة في إيران ثم في مخيم أشرف في العراق، وعن خروجه من هناك مع باقي الأطفال، وتنقُّله بين بيوت الرعاية في السويد. لكنه يتجنبُ الربط بين آرائه السياسية والظروف التي نشأ فيها، ويحاول عرض أفكاره على أنها نتيجة لتحليل عقلاني ومنطقي للأوضاع العامة والدراسات والإحصاءات. من يعرفون حنيف بالي والخلفية التي جاء منها غير قادرين على الجزم، لكنهم لا يستطيعون غضّ البصر عن هذا الربط، الحقد على المجاهدين وقياداتهم وأنصارهم، الشعور بالوحدة والاغتراب دون الأهل في بلدٍ جديد، تخلي والديه عنه وهو طفل، وكلُّ الأسباب الأخرى المتعلقة بأصوله ونشأته، قد تكون سبباً من أسباب عداءه الواضح للمهاجرين.

رغم رفضه للقائها أول الأمر، التقى حنيف بأمه عدة مرات بعد وصولها إلى السويد، وحاول أن يبعدها عن منظمة مجاهدي خلق. بعد فترةٍ قصيرة اختارتْ أُمه أن يفترقا مُجدداً، وانتقلتْ للعيش في فرنسا لتبقى قريبةً من مَن بقي من رفاقها في المنظمة هُناك.

* * * * *

تجربة منظمة مُجاهدي خلق الإيرانية وتحوّلاتها تبدو للوهلة الأولى حالةً فريدة لحركات الكفاح المسلح في الشرق الأوسط، لكنها تشترك في الوقت نفسه مع الكثير من الحركات الأخرى في نوع الأخطاء التي وقعت فيها، من تبني إيديولوجيات وأفكار شعبوية أو دينية متشددة، والتحالف مع جهات عدوة – مثل نظام البعث العراقي- من مبدأ «عدو عدوي صديقي»، وتحويل التنظيم إلى ما يشبه الطائفة المُغلقة القائمة فقط على الامتثال للأوامر وتقديس الزعماء على حساب حريات الأعضاء الشخصية، وكذلك الدموية في العمليات وعدم الاكتراث للضحايا المدنيين. الأخطاء هذه، أو قسمٌ منها، تكررتْ بشكلٍ مُلفتٍ عند أغلب حركات التحرر المُسلحة الأخرى في المنطقة في فترات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، لم تنجو منها الحركات اليسارية، أو الجماعات الإسلامية المُختلفة، أو تنظيمات المقاومة الفلسطينية. كما يبدو أن الجماعات الثورية المُسلحة التي ظهرت بعد الربيع العربي تقعُ بشكل مستمر في الأخطاء نفسها.

تقودُ فِكرةُ المُعسكر أو المُخيم أو مثيلاتُهما إجمالاً إلى النهايات الوخيمة هذه، تجميع حشودٍ من الناس الذين يتشاركون رأياً أو بعض الآراء ثم تسويرهم في مكان واحد للعيش في مجتمعات مُغلقة خارجة عن المجتمعات المحيطة الأكبر، بقوانين خاصة ووفق إيديولوجياتٍ مُتشددة خاصة، تُفضي حُكماً إلى انفصال الحشود هذه عن الواقع المحيط. العُزلة هذه تُحوّلُ الساكنين في المُعسكر، مع الوقت، من أفرادٍ طبيعيين مُتمايزين إلى جموعٍ متماثلة يزداد تشددها وتركيزها على أهداف الجماعة بدلاً من أهدافهم الفردية.

المُجاهدون باقون، قِلةٌ منهم في العراق، بعضهم في معسكر ليبيرتي القريب من العاصمة الألبانية تيرانا، حيث انتقلوا إلى هُناك منذ سنوات بوساطة أميركية لحمايتهم من الهجمات المستمرة عليهم من جهاتٍ عراقية وإيرانية. والبقيةُ مُوزعون في مدن أوروبية وأميركية مختلفة. يلتقون في مناسباتٍ ومؤتمرات دوريّة، يُعقدُ أغلبها في باريس، مُتحركين سويّةً كجنودٍ في جيشٍ مُنظّم، يبتسمون الابتسامة الباردة نفسها، ثم يهتفون سويّةً «إيران إيران، رجوي رجوي»، باللفظِ الفارسي المُحبّب للواو «رَجَڤْي رَجَڤْي»…

مقالات مشابهة

Continue Reading

Previous: لماذا غابت المرأة المسلمة عن الاجتهاد؟ حوار مع نعمت حافظ البرزنجي رحاب منى شاكر….المصدر: الجمهورية.نت
Next: بايدن يعلن العثور على جثث 6 رهائن في غزة بينهم أميركي… واشنطن المصدر : الشرق الأوسط.

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

“الشائعة” كأداة ناعمة للحرب الأهلية مالك داغستاني…المصدر:تلفزيون سوريا

khalil المحرر يوليو 3, 2025
  • الأخبار

لبنان على مفترق “ورقة باراك”… اجتماع وزاري لمواكبة قانون الانتخاب… المصدر: لبنان الكبير / مانشيت

khalil المحرر يوليو 3, 2025
  • مقالات رأي

أيوب سعد – صحافي عراقي….سوريا تغيّرت… ماذا عن “سنّة” العراق؟.المصدر :موقع درج

khalil المحرر يوليو 3, 2025

Recent Posts

  • “الشائعة” كأداة ناعمة للحرب الأهلية مالك داغستاني…المصدر:تلفزيون سوريا
  • اكرم حسين قصة قصيرة : أحلام مؤجلة…!
  • لبنان على مفترق “ورقة باراك”… اجتماع وزاري لمواكبة قانون الانتخاب… المصدر: لبنان الكبير / مانشيت
  • أيوب سعد – صحافي عراقي….سوريا تغيّرت… ماذا عن “سنّة” العراق؟.المصدر :موقع درج
  • الرد اللبناني المقترح: سحب السلاح الثقيل ربطًا بترسيم الحدود…….غادة حلاوي….المصدر :المدن

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يوليو 2025
  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • “الشائعة” كأداة ناعمة للحرب الأهلية مالك داغستاني…المصدر:تلفزيون سوريا
  • اكرم حسين قصة قصيرة : أحلام مؤجلة…!
  • لبنان على مفترق “ورقة باراك”… اجتماع وزاري لمواكبة قانون الانتخاب… المصدر: لبنان الكبير / مانشيت
  • أيوب سعد – صحافي عراقي….سوريا تغيّرت… ماذا عن “سنّة” العراق؟.المصدر :موقع درج
  • الرد اللبناني المقترح: سحب السلاح الثقيل ربطًا بترسيم الحدود…….غادة حلاوي….المصدر :المدن

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

“الشائعة” كأداة ناعمة للحرب الأهلية مالك داغستاني…المصدر:تلفزيون سوريا

khalil المحرر يوليو 3, 2025
  • أدب وفن

اكرم حسين قصة قصيرة : أحلام مؤجلة…!

khalil المحرر يوليو 3, 2025
  • الأخبار

لبنان على مفترق “ورقة باراك”… اجتماع وزاري لمواكبة قانون الانتخاب… المصدر: لبنان الكبير / مانشيت

khalil المحرر يوليو 3, 2025
  • مقالات رأي

أيوب سعد – صحافي عراقي….سوريا تغيّرت… ماذا عن “سنّة” العراق؟.المصدر :موقع درج

khalil المحرر يوليو 3, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.