في مفاجأة سارة لعشاق الموسيقى والفن، اختيرت مدينة بازل السويسرية لتكون مسرحًا لأكبر مسابقة غنائية على مستوى العالم. فقد أعلن اتحاد البث الأوروبي أن النسخة التاسعة والستين من مسابقة الأغنية الأوروبية “يوروفيجن” ستقام في هذه المدينة الواقعة على مفترق طرق ثلاث دول أوروبية، مؤكدًا أن الحفل الختامي سيكون في 17 أيار/ مايو 2025.
وتأتي هذه الاستضافة بعد فوز المغني السويسري نيمو بنسخة العام الماضي بأغنيته “ذي كود”. وقد أثار هذا الفوز جدلًا واسعًا، خاصة مع المشاركة المثيرة للجدل لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تشنّ منذ أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي حرب إبادة غير مسبوقة على قطاع غزّة.
وتعد هذه المرة الثالثة التي تستضيف فيها سويسرا هذا الحدث العالمي، بعد لوغانو عام 1956 ولوزان عام 1989. ويُذكر أن استضافة لوزان جاءت بعد فوز سيلين ديون التي مثلت سويسرا عام 1988 بأغنية “نو بارتيه با سان موا”، مما ساهم بشكل كبير في إطلاق نجوميتها العالمية.
وقد تم اختيار بازل لهذه المهمة بعد منافسة مع مدينة جنيف، حيث رجحت كفتها بفضل موقعها الاستراتيجي على الحدود مع فرنسا وألمانيا. وعلق رئيس كانتون بازل، كونرادين كرامر، على هذا الاختيار قائلًا: “باعتبارنا مدينة مفتوحة تقع في المثلث الحدودي بين ألمانيا وفرنسا وسويسرا، نتخطى حدودًا من مختلف الأنواع يوميًا، وهو ما يتناسب تمامًا مع إطار مسابقة الأغنية الأوروبية”.
وتعد بازل، التي يبلغ عدد سكانها نحو 190 ألف نسمة، مركزًا عالميًا للصناعات الكيميائية والصيدلانية، إذ تضم مقرات رئيسية لعدد كبير من الشركات في هذين القطاعين. كما أنها تشكل مركزًا ثقافيًا مهمًا يضم عددًا كبيرًا من المتاحف المشهورة عالميًا، ويجتمع فيها الآلاف من محبي ومحترفي الفن المعاصر سنويًا لحضور معرض “آرت بازل”.
“تحظى مسابقة يوروفيجن بمتابعة عالمية واسعة، حيث شاهد نسخة العام الماضي أكثر من 163 مليون شخص حول العالم”
ورغم أن بازل لم تكن معروفة باستضافة فعاليات موسيقية ضخمة في السابق، إلا أن شهرتها كمركز ثقافي مرموق يؤهلها لتقديم تجربة فريدة لزوار المسابقة. وفي مجال الموسيقى، تحتل الصدارة في سويسرا كل من زيوريخ، التي استقبلت حديثًا حفلة للنجمة الأميركية تايلور سويفت، والعاصمة الفيدرالية برن.
ومع ذلك، فإن قرار استضافة المسابقة لم يخل من الجدل، خاصة فيما يتعلق بتمويل الحدث. فقد أثار موضوع المساهمة المالية المطلوبة من المدينة المضيفة، والتي قد تصل إلى عشرات ملايين الفرنكات السويسرية، نقاشات حادة في الأوساط السياسية. وفي حين أيد مجلس بلدية بازل الترشح بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه، إلا أن بعض الأحزاب السياسية أبدت تحفظات.
فقد انتقد الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي، وهو حزب صغير يدافع عن “القيم المسيحية الخالدة”، مسابقة يوروفيجن معتبرًا أنها “تحتفي أو على الأقل تتسامح مع الشيطانية وعلوم الغيب”، على حد تعبير زعيمه السياسي سامويل كولمان. ومع ذلك، فإن الحزب انضم لاحقًا إلى المؤيدين لاستضافة المسابقة في بازل.
تجدر الإشارة إلى أن الخلافات بشأن تمويل الفعاليات ليست جديدة في سويسرا. فمن المفترض أن تستضيف البلاد بطولة أمم أوروبا للسيدات عام 2025، وقد أرادت الحكومة خفض تمويلها لهذا الحدث قبل أن يعارض البرلمان هذا القرار.
وتحظى مسابقة يوروفيجن بمتابعة عالمية واسعة، حيث شاهد نسخة العام الماضي أكثر من 163 مليون شخص حول العالم، وفقًا لأرقام اتحاد البث الأوروبي. كما أن التصويت للمشاركين جاء من 156 دولة، مما يؤكد الطابع العالمي للحدث الذي يتخطى الحدود الأوروبية.
ويبدو أن بازل تستعد لتقديم نسخة استثنائية من يوروفيجن، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي وتنوعها الثقافي لتعزيز مكانة سويسرا على خريطة الفعاليات الفنية العالمية. ومع اقتراب موعد الحدث، تتزايد التوقعات حول الإبداعات الموسيقية والعروض المبهرة التي ستشهدها المدينة في ربيع عام 2025، في حين تستعد السلطات المحلية لمواجهة التحديات اللوجستية والمالية المصاحبة لتنظيم حدث بهذا الحجم والأهمية.