على الرغم من سمعتها الضخمة، إلّا أنّ إسرائيل تظهر، كلّما افتعلت حربًا أو انقادت إلى حرب، على حقيقتها: دولة عادية!
حتى اللوبي الصهيوني الذي لديه سمعة أسطوريّة، يستطيع أن يُقاوم، بفعل استثماراته التاريخية في مراكز التأثير العالمي، ولكنّه يعجز عن فرض وجهة نظره المؤيّدة لإسرائيل، على الجميع.
وهاتان الحقيقتان لا تُظهرهما حاجة إسرائيل إلى غطاء الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا لاستمرار حربها ضد قطاع غزّة، ولا التظاهرات الضخمة التي تجتاح العالم بهدف وقف إطلاق النار فحسب بل المقارنة بين وضعية الدولة العبرية ووضعية روسيا في حربها المفتوحة ضد أوكرانيا منذ الرابع والعشرين من شباط 2021، بكل ما أنتجته من دمار وقتل وتهجير وتداعيات اقتصادية على مستوى العالم أجمع، أيضًا.
ولأنّ وضعية إسرائيل، على الرغم من كل الأدوات الدبلوماسيّة والعسكريّة والدعائيّة، تبقى هشّة، فهي تجد نفسها في مواجهة عدو رهيب يمكن أن يُخسرها إمّا العالم وإمّا الحرب: إنّه الوقت!
ولا يجد “محور المقاومة”، على الرغم من أنّه هذه المرّة هو من استدعى إسرائيل إلى الحرب، حليفًا أكثر فاعليّة من “الوقت”.
ووفق الرهان على الوقت، فإنّ “حركة حماس” لا تحتاج لتنتصر إلّا إلى الصمود، من خلال تأخير الجيش الإسرائيلي عن إنجاز مهمة القضاء عليها. وهي نظريًّا أعدّت العدة لذلك، من خلال بناء أكبر شبكة أنفاق يلجأ إليها مقاتلون شرسون لا يبدو، وفق كل التوصيفات الموضوعية التي تُعطى لهم، أنّهم يهابون الموت والاستشهاد!
وهنا، وبغض النظر عن كل التحليلات الساخرة، يلعب “محور المقاومة” دورًا كبيرًا، ليس في تشتيت القوة الإسرائيلية العسكريّة، بل في ترهيب الإقليم من حرب واسعة، بحيث يدفعه إلى الضغط على الغرب من أجل التعجيل في وقف الحرب الإسرائيليّة على غزّة.
ويلعب الضحايا المدنيّون دورًا كبيرًا في موضوع الوقت، فكلّما ارتفع عدد الضحايا كلّما ضاق الوقت. الضحايا الذين سقطوا في هجوم “حركة حماس” على غلاف إسرائيل أعطوا إسرائيل “مشروعية” هجومها العنيف على قطاع غزّة، والمدنيون الذين يسقطون، تباعًا، في قطاع غزّة يضعون إسرائيل في مواجهة مضنية مع عقارب الساعة.
ويطالب الجيش الإسرائيلي بمهلة سنة لتنفيذ مهمته في قطاع غزّة، ولكنّ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين يجد أنّ مهلة السماح سوف تنتهي بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وبعدها تبدأ “الضغوط الضخمة” على بلاده حتى توقف الحرب.
بنيامين نتنياهو يُلمّح إلى أنّه سيستمر في الحرب، مهما كانت الضغوط عليه وعلى بلاده، ولكنّ “حساب الحقل غير حساب البيدر”، فحينها، وإذا خسر ما تبقى من دعم غربي ولم يعد يتمتع بالغطاء الأميركي، فسيصبح هو ملاحق دوليًّا، كمجرم حرب، وتصبح بلاده تحت سيل من العقوبات.
فلاديمير بوتين وروسيا يستطيعان أن يواجها هذا الواقع الغربي. إسرائيل لا تستطيع.
هذه هي الصورة التي يرسمها كثيرون لمستقبل إسرائيل، وهذا ما يراهن عليه “محور المقاومة”، فعدوّهم الوجودي أمام احتمال من اثنين: إمّا يخسر الحرب بوقف إطلاق النار، وإمّا يخسر العالم!
ولكنّ لهذه الصورة وجهًا آخر!
إنّ الرأي العام يكاد ينسى أنّ في أوكرانيا حربًا، وفي السودان مجازر وفي ليبيا كوارث، كما سبق أن نسي أنّ في سوريا ديكتاتورًا “كيميائيًّا”. هذا حصل ولم تكن حرب إسرائيل – حماس قد اندلعت.
وإسرائيل تخطط لتجعل عملياتها في قطاع غزّة ثانويّة لدى الرأي العام. لا أحد يعرف كيف ستفعل ذلك، ولكن من المؤكد أنّها قد تفتّش عن مخارج. “حزب الله” في لبنان قد يكون أوجد لها مخرجًا. التصعيد في لبنان يمكن أن يشتت الانتباه عن غزّة، ليركّز الانتباه العالمي على هذه الجبهة، حيث تبدو إسرائيل في نظر العالم، معتدى عليها، بفعل سلوك “حزب الله” وأدبياته، فهو يقر، ببياناته وبخطب مسؤوليه يتقدمهم أمينه العام السيّد حسن نصر الله، أنّه يستهدف إسرائيل عن سابق تصوّر وتصميم، وذلك في حرب تهدف ليس إلى خسارتها بل إلى محوها من الوجود. إنّ جبهة لبنان وحدها تعين إسرائيل على كسب وقت طويل نسبيًّا لمواصلة عملياتها في غزة، بعيدًا من الضغوط الدولية، بحيث يمكنها، والحالة هذه، أن تُعطي في لبنان، حيث الخطر عليها غير وجودي لتأخذ في غزّة، حيث تكمن هواجسها!
وثمّة حقيقة نوعية لا بد من الانتباه إليها، فالغرب، مهما كانت عليه وضعية إسرائيل، فهو، بالمحصلة، لن يقبل أن تنتصر “حماس” التي يصنّقها، جزئيًّا أو كليًّا، إرهابيّة، على الحليفة إسرائيل، ولذلك، فهو يعطيها مزيدًا من الوقت ليس لتُنهي حربها ولكن لتُكمل عملية إجلاء المدنيين الفلسطينيّين من المناطق التي تستهدفها. المهمة الأصعب على الفلسطينيّين لن تكون بعد ثلاثة أسابيع بل ستكون في الأيّام القليلة المقبلة، فهؤلاء باتوا بلا مستشفيات وبلا وقود وبلا منازل وبلا اتصالات وبلا ماء وبلا طعام، وتاليًا تحوّل صمودهم في البقاء فوق الأنفاق مجرد انتحار.
وعليه، إنّ إعطاء إسرائيل ثلاثة أسابيع إضافيّة لحربها في قطاع غزّة، من شأنه، خصوصًا إذا توسّعت الحرب مع لبنان، أن يقلب الوقت من عدو لدود إلى حليف كبير، لأنّه متى أصبحت المواجهة من دون خسائر مدنية كبيرة، فإنّ الرأي العام العالمي سوف يهدأ وأصحاب القرار في العواصم الحليفة لإسرائيل، سوف يرتاحون!