من اليمين وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين. (أ ف ب)
كما في أوكرانيا، كذلك في غزة، لم يستطع الاتحاد الأوروبي كتكتل بحجمه الاقتصادي والسياسي، التمايز عن الولايات المتحدة في المواقف من الحرب الإسرائيلية على القطاع، ولاسيما لجهة رفض الدعوة إلى وقف للنار والاكتفاء بالدعوات إلى “هدن إنسانية”، باتت وكأنّها دعوة مبطنة إلى استمرار الحرب.
وعلى خطى الرئيس الأميركي جو بايدن، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس إسرائيل، للإعراب عن دعمهما المطلق للحرب التي تخوضها الدولة العبرية ضدّ غزة. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين قد سبقت الجميع إلى إسرائيل، لتدعو من هناك إلى وقف كل أشكال المساعدة التي يقدّمها الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين. موقف استهوله بعض مسؤولي الاتحاد لاحقاً، وعمدوا إلى التخفيف من وقعه.
وتتقدّم الحماسة الألمانية للحرب حماسة الآخرين. وقبل أيام، أفادت بيانات رسمية أنّ المانيا وافقت حتى 2 تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام، على تصدير معدات عسكرية بقيمة 303 ملايين يورو إلى إسرائيل، أي نحو 10 أضعاف موافقات العام الماضي التي بلغت قيمتها 32 مليون يورو.
ومنذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) عندما شنّت “حماس” هجومها المباغت على مستوطنات ومواقع عسكرية في غلاف غزة، أعطت السلطات الألمانية موافقتها على 185 طلب شراء اسرائيلياً لمعدّات عسكرية.
وقوبل الموقف الألماني بانتقادات واسعة من دول عربية ومن تركيا التي يفترض أن يزور رئيسها رجب طيب أردوغان برلين اليوم 17 تشرين الثاني. واعتبرت مصر مواقف برلين “غير مؤاتية” حيال حقوق الشعب الفلسطيني. وانتقد الأردن مواقف ألمانيا “غير المتوازنة”.
وماكرون، بدوره، الذي حظرت حكومته والحكومة الألمانية التظاهرات الداعية إلى وقف الحرب في غزة، سارع إلى إيضاح كلام صدر عنه الجمعة واستشف منه أنّه يدعو إسرائيل إلى وقف قتل المدنيين في غزة، ليقول إنّه لم يكن يقصد أنّ إسرائيل هي من تعرّض حياة المدنيين للخطر. التراجع الفرنسي أتى بعد توبيخ مباشر من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي اتّهم ماكرون بالسقوط الأخلاقي.
في خلفية المواقف الأوروبية، تخوّف من ردّ فعل أميركي سلبي في أوكرانيا، في حال تبنّى القادة الأوروبيون مواقف مغايرة لتلك التي تتخذها الولايات المتحدة. وقبل أن يدعو الرئيس جو بايدن إلى وقف النار، لن يتجرأ شولتس ولا ماكرون على إطلاق دعوة صريحة إلى وقف النار.
هذا الربط بين أوكرانيا وغزة الذي أقامه بايدن منذ بدايات الحرب، جعل القادة الأوروبيين على عكس الرأي العام لديهم، يتخذون مواقف مؤيّدة بالمطلق للهجوم الإسرائيلي على غزة.
وتجازف الحكومات الأوروبية باتساع الفجوة بينها وبين الدول العربية، التي تحضّ مجلس الأمن على الدعوة فوراً إلى وقف للنار، على غرار ما صدر عن القمّة العربية – الإسلامية المشتركة في الرياض في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.
إنّ التماهي الأوروبي بما يصدر عن واشنطن، سيؤثر مستقبلاً على أي دور لدول الاتحاد في الشرق الأوسط. والدعوات التي تصدر عن قادة الاتحاد إلى “هدن إنسانية” لن تكون قادرة على إحداث توازن مع حجم الفظائع التي تنزل بالمدنيين الفلسطينيين في غزة.
هل كانت مجاراة أوروبا للولايات المتحدة في أوكرانيا لمصلحة القارة؟ سؤال يطرح نفسه بقوة مع تحوّل الحرب الأوكرانية إلى حرب استنزاف طويلة، لا ترهق كييف وحدها وإنما موازنات دول أوروبية سيتعيّن عليها تكييف اقتصاداتها لتتناسب مع حرب قد تستمر لسنوات، وسيعود بعدها الجميع إلى طاولة المفاوضات. وهذا رئيس الأركان الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني يتحدث عن وصول القتال إلى “طريق مسدود”، وكأنّه يمهّد بذلك إلى سلوك الحوار سبيلاً لحلّ النزاع.
وكان يمكن لدول أوروبا أن تُظهر بعض التوازن في معالجاتها للنزاع الأوكراني، وألاّ تجاري واشنطن في مواجهتها الاستراتيجية لإضعاف روسيا.
وهذا هو الخطأ الأوروبي يتكرّر في غزة اليوم!