img

مع وصول الصراع في أوكرانيا إلى طريق مسدود، وفي ظل عدم قدرة الأوكرانيين أو الروس على تحقيق تقدم كبير، سيجد صناع السياسات في الغرب أن عليهم بالفعل أن يبدأوا التفكير في سبل لإنهاء إراقة الدماء في ذلك البلد. فعلى الرغم من التفاؤل كله الذي اكتنف الهجوم المضاد الذي خططت له أوكرانيا منذ فترة طويلة لتحرير المناطق التي استولى عليها خصومها الروس، فإن القوات الأوكرانية أخفقت في تحقيق الاختراق الحاسم الذي سعت إليه.

وعلى الرغم من شن سلسلة من الهجمات حسنة التنسيق لتحرير الأراضي في كل من شرق وجنوب البلاد على امتداد المواقع الدفاعية العالية الفعالية التي أنشأها الروس، والمعروفة باسم خط سوروفيكين، نسبة للجنرال الروسي الذي صممها، فقد فشل الأوكرانيون في تحقيق الاختراقات الحاسمة التي حققوها العام الماضي، عندما استعادوا مدينة خاركيف في الشمال الشرقي وخيرسون في الجنوب.

إن المكاسب الملموسة الوحيدة التي حققها الأوكرانيون هذا العام وحتى الوقت الحاضر تمثلت في تحدي سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، والتي هي موطن أسطول البحر الأسود التابع للبحرية الروسية، عبر شن سلسلة من الغارات والضربات الصاروخية الجريئة ضد أهداف بحرية روسية في شبه جزيرة القرم، ومن ضمنها الهجوم الذي وقع في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، والذي ألحق أضرارا جسيمة بسفينة حربية روسية جديدة تماما، وهي فرقاطة من طراز “أسكولد 22800” من فئة “كاراكورت”، كانت راسية في حوض بناء السفن في كيرتش بشبه جزيرة القرم المحتلة.

ولكن في حين أدى استهداف أوكرانيا الذكي للقواعد البحرية الروسية في شبه جزيرة القرم إلى تقييد قدرة قوات روسيا البحرية على العمل في البحر الأسود إلى حد بعيد، فقد عجزت القوات الأوكرانية في أماكن أخرى عن تحقيق تقدم حقيقي، وهو الأمر الذي حمل الجنرال فاليري زالوجني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، على الاعتراف، في مقابلة أجريت معه في وقت سابق من الشهر الجاري، بأن الصراع قد وصل إلى طريق مسدود حاليا.

 

وأقر زالوجني في مقابلة أجرتها معه مجلة “الإيكونوميست”، بأن الصراع قد تحول إلى حرب استنزاف مريرة، واعترف بأنه في الأشهر الخمسة التي تلت شن أوكرانيا هجوما مضادا طال انتظاره، لم تتقدم قواتها سوى 17 كيلومترا عبر خطوط الدفاع الروسية شديدة التحصين والملغمة.
واعترف القائد بأنه “لن يكون هناك على الأرجح اختراق عميق وبارع”. وعلى الرغم من أن إمدادات الأسلحة التي قدمها الغرب كانت كافية لدعم المجهود الحربي لأوكرانيا، فقد عجزت عن إمداد كييف بالقدرة على تحقيق النصر.
ومنذ نهاية العام الماضي، حذرت كييف من أنها تحتاج إلى تحديث جدي للمعدات العسكرية التي يقدمها الغرب، بما في ذلك الصواريخ الطويلة المدى والدبابات والطائرات الحربية. لكن إحجام القادة الغربيين عن توفير الأسلحة أدى إلى الحد من قدرة الأوكرانيين على اختراق المواقع الدفاعية الروسية الشديدة التحصين.
ومع ذلك، قال زالوجني إنه ممتن للأسلحة التي تلقاها الأوكرانيون. وذكّر بأن الداعمين الغربيين لأوكرانيا “غير ملزمين بإعطائنا أي شيء، ونحن ممتنون لما حصلنا عليه، ولكنني ببساطة أذكر الحقائق”، معترفا أيضا بأن الأوكرانيين قللوا من تقدير تصميم موسكو على مواصلة الحرب رغم تكبدهم خسائر فادحة في ساحة المعركة. وتشير التقديرات الأميركية الأخيرة إلى أن روسيا فقدت 300 ألف رجل منذ أن شنت غزوها على أوكرانيا في فبراير/شباط من العام الماضي.
ومع ذلك، لا يزال القائد الأوكراني يعتقد أنه قد يكون من الممكن تحقيق اختراق كبير في ساحة المعركة إذا حققت قواته تفوقا جويا، وهو احتمال واضح بمجرد استلام القوات الأوكرانية مقاتلات “F-16″ الأميركية التي وُعدت بها منذ فترة طويلة، إذ من المقرر أن تصل أولى تلك الطائرات إلى أوكرانيا العام المقبل.
ولكن مع ظهور علامات تشير إلى تفاقم حالة الإرهاق من الحرب في صفوف الزعماء الغربيين الذين دعموا القضية الأوكرانية في السابق، ولا سيما بعد اندلاع الأعمال العدائية في غزة بين إسرائيل و”حماس” أخيرا، فقد ينفد الوقت أمام كييف لتحقيق أهدافها في ساحة المعركة في ظل تكثيف الجهود للتفاوض على إنهاء الصراع؛ ففي واشنطن، على سبيل المثال، يمنع الجمهوريون تقديم أي مساعدات إضافية لأوكرانيا حتى يقدم لهم الرئيس جو بايدن والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استراتيجية واضحة لكسب الحرب.
وحذرت رسالة حديثة أُرسلت إلى بايدن ووقعها سبعة أعضاء جمهوريين في الكونغرس الأميركي، من أن “دافعي الضرائب الأميركيين أصبحوا يشعرون بالملل من تمويل الجمود الذي لا ينتهي في أوكرانيا دون أي بارقة للنصر”.

 

في ظل تعمق المخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن قدرة الغرب على مواصلة دعم المجهود الحربي في أوكرانيا، قد يجد زيلينسكي نفسه قريبا دون خيار سوى النظر في طريقة لإنهاء الأعمال العدائية

 

 

وقال مسؤول أميركي كبير لشبكة “إن بي سي” الأميركية إن مسؤولين أميركيين وأوروبيين بدأوا مناقشات مع الحكومة الأوكرانية حول ما قد تنطوي عليه مفاوضات السلام المحتملة مع روسيا من أجل وضع حدٍ للحرب. ويُقال إن المناقشات تشمل الخطوط العريضة للغاية لما قد تحتاج أوكرانيا إلى التخلي عنه للتوصل إلى اتفاق مع روسيا.
وردا على هذا التقرير، أكد زيلينسكي مجددا موقفه الذي مفاده أن هذا ليس الوقت الملائم للتفاوض مع روسيا، كما نفى أن يكون أي من الزعماء الغربيين يضغطون عليه للقيام بذلك. وأضاف: “الجميع يعرف موقفي الذي يتطابق مع موقف المجتمع الأوكراني… اليوم لا أحد يمارس ضغوطا (للتفاوض). أما أن نجلس الآن مع روسيا ونتحدث ونعطيها شيئا فإن هذا لن يحدث”.
وتسيطر روسيا حاليا على نحو 17.5 في المئة من الأراضي الأوكرانية المعترف بها دوليا، ويواصل الأوكرانيون الإصرار على أنهم لن يتوقفوا عن القتال حتى يُعاد كل شبر من الأراضي الأوكرانية إلى سيطرة كييف، ومن ضمن هذه الأراضي شبه جزيرة القرم.
ولكن في ظل تعمق المخاوف في الولايات المتحدة وأوروبا بشأن قدرة الغرب على مواصلة دعم المجهود الحربي في أوكرانيا، قد يجد زيلينسكي نفسه قريبا دون خيار سوى النظر في طريقة لإنهاء الأعمال العدائية.
وعلاوة على ذلك فإن أي تحرك يدفع به الغرب لإنهاء الأعمال العدائية في أوكرانيا قد يُخلّف أيضا أثرا غير مباشر على الأزمة في قطاع غزة، إذ يجد كثير من زعماء الغرب أنفسهم على المنوال نفسه تحت ضغوط لحملهم على تنفيذ وقف إطلاق النار. فإذا كان الغرب قادرا على إنهاء القتال المرير في أوكرانيا، فلماذا لا يفعل ذلك في غزة؟