في وقت تكثف الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل لتذليل العقبات أمام صفقة الأسرى واستمرار تقديم المساعدات الإنسانية بعد موافقة الكابينت على إرسال شاحنتي وقود إلى غزة كل يوم، أطلق الجيش الاسرائيلي المرحلة الثانية من عمليته البرية في غزة التي ستنفذ في جنوب القطاع عبر ثلاثة مستويات.
ومع نشر تفاصيل المرحلة الثانية من العملية البرية التي توقع أمنيون وعسكريون أن يواجه الجيش صعوبات وتحديات كثيرة لتنفيذها، دعت جهات عدة داعمة لتفضيل التوصل إلى صفقة، متخذي القرار إلى الإسراع في التوصل إلى اتفاق يضمن عودة جميع الأسرى خشية موت مزيد منهم بسبب القصف الاسرائيلي.
هجوم “بدقة قاتلة”
وبحسب تقرير إسرائيلي حول المرحلة الثانية من التوغل البري، سيتم التركيز على القسم الجنوبي من غزة في منطقة خان يونس وسيكون التحدي أكثر تعقيداً، لكن الجيش مقتنع بأنه قادر على المهمة.
وستنفذ العمليات البرية في الجنوب عبر ثلاث مراحل، فتخترق خلال الأولى منها وحدات مكثفة من المشاة وعشرات المدرعات والجرافات المناطق المستهدفة جنوب القطاع، ترافقها نيران مكثفة من المدفعية والمروحيات والطائرات المقاتلة إلى جانب الطائرات المسيّرة، ثم في المرحلة الثانية تقوم إحدى الوحدات بتمشيط المنطقة المستهدفة على أن تبدأ بقية الوحدات بالاستعداد للمرحلة الثالثة والحاسمة، وفيها سيدير الجيش معارك قتالية للقضاء على حركة “حماس” وأنفاقها، وفق خطته التي ستنفذ في موازاة استمرار تطويق المنطقة التي شهدت قتالاً في المرحلة الأولى على شريط بطول حوالى 12 كيلومتراً من بيت حانون إلى الشاطئ في الرمال والشيخ عجلين.
وصرح وزير الدفاع يوآف غالانت بأن الجيش جاهز لهذه المرحلة وأن قواته “ستنجح في الهجوم الذي سينفذ بدقة قاتلة وبتعاون بين القوات البرية والجوية والبحرية وكذلك الاستخبارات والشاباك”.
وبحسب غالانت، سيبذل الجيش قصارى جهده للتوصل إلى أماكن وجود الأسرى الإسرائيليين، ملمحاً إلى “إعادة تشغيل العملاء في غزة للتعاون مع الجيش”.
وفي حين حذرت جهات أمنية وعسكرية من الأخطار التي يرجح أن يواجهها الجيش في عمق غزة، أشار تقرير إسرائيلي إلى أن الآلاف من “حماس” انتقلوا إلى الجنوب ومعهم معظم الأسرى الإسرائيليين، مما أثار احتجاج عائلات الأسرى التي تنتظر لقاءها مع الكابينت وسط عقبات متواصلة تمنع صفقة تبادل في وقت قريب.
تجنيد أمنيين سابقين
في ذروة النقاش الإسرائيلي والخلافات الداخلية حول سبل التعامل مع حرب غزة، تجندت مجموعة من الأمنيين السابقين لدعم الجيش كي يتقدم في المعارك من دون توقف أو التزام حتى بالمطلب الأميركي للوصول إلى المرحلة الأخيرة من الحرب وتحقيق أهدافها، ومن دون ذلك فستعود “حماس” تهدد إسرائيل من غزة والضفة أيضاً.
الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال غيورا إيلاند دعا متخذي القرار إلى عدم الخوف من العالم كله والتقدم نحو القضاء على “حماس”، معلناً معارضته لإدخال الوقود إلى غزة.
ووفق إيلاند، فإن الجدال حول الاستجابة الإسرائيلية لمطالب دولية بسماح إدخال الوقود إلى غزة يعكس مواجهة مبدئية بين تل أبيب وواشنطن في موضوع الرواية الصحيحة، ويقول “بحسب الرواية الأميركية، توجد في غزة جماعتان الأولى حماس، وهم إرهابيون وحشيون ولهذا فهم أبناء موت”، وفق تعبيره، “أما الثانية، فينتمي إليها معظم الناس في غزة، وهم مدنيون أبرياء يعانون بلا ذنب، لذا من واجب إسرائيل ليس فقط الامتناع قدر الإمكان عن المس بهم، بل أيضاً العمل للحفاظ على حياتهم”. أما الرواية الأخرى الإسرائيلية فتقول، وفق إيلاند، إن “إسرائيل لا تقاتل ضد منظمة إرهاب بل ضد دولة غزة. ودولة غزة تقودها حماس، وهذه المنظمة نجحت في أن تجند كل مقدرات دولتها وكسب تأييد معظم سكانها حول زعامة رئيس حماس في غزة يحيى السنوار وسط التأييد التام لعقيدته. بهذا المفهوم، فإن غزة تشبه جداً ألمانيا النازية التي شهدت أحداثاً مشابهة. ولأن هذا هو الوصف الدقيق للوضع، لذا يفترض إدارة القتال بما يتناسب مع ذلك”.
إيلاند الذي يؤيد خطاً قتالياً حتى النهاية في غزة وعدم التزام أي مطلب أميركي أو دولي حتى “سحق حماس”، يحظى بدعم واسع بين عسكريين وأمنيين، ويتبنى روايته عسكريون وكذلك وزير الدفاع يوآف غالانت الذي تتلاقى تهديداته وموقف إيلاند.
وبحسب ما يقترح إيلاند على متخذي القرار، فإنه “ممنوع أن توفر إسرائيل للطرف الآخر أي قدرة تمكنه من استعادة قوته. وأكثر من ذلك، نحن نقول إن السنوار شرير لدرجة أنه لا يهمه إذا مات كل مواطني غزة”، ويضيف “هل حقاً النساء في غزة مسكينات؟ لا. فجميعهن أمهات وأخوات وزوجات وعائلات قتلة حماس. من جهة هن جزء داعم لهؤلاء”.
وتجاوز إيلاند المواقف الأكثر تطرفاً في إسرائيل تجاه غزة، ليدعو إلى القضاء على جميع المنظومات في القطاع العسكرية منها والمدنية، ويقول إن “الأسرة الدولية تحذرنا من أزمة إنسانية في غزة ومن أوبئة قاتلة. علينا عدم الاكتراث لذلك، على رغم كل المصاعب التي ينطوي عليها الأمر. فالأوبئة في جنوب القطاع ستقرب النصر وستقلل الجرحى في أوساط جنود الجيش الإسرائيلي. إننا لا نؤيد معاناة الطرف الآخر كهدف بل كوسيلة. لدى الطرف الآخر إمكان وقف المعاناة إذا ما استسلموا. السنوار لن يستسلم لكن، لا خيار أمام قادة كتائب حماس في جنوب القطاع إلا الاستسلام، عندما لا يكون لديهم وقود ولا ماء وحين يصابون بالأوبئة ويزداد الخطر على حياة عائلاتهم”.
ويطلب إيلاند من الكابينت عدم التجاوب مع واشنطن وإبداء موقف أكثر صلابة، قائلاً “لا تتحدثوا معنا عن الجوانب الإنسانية ما لم يطلق سراح المخطوفين جميعاً”.
هذا الموقف يتماشى وما يؤكده في كل ظهور يوآف غالانت ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، بأنه “من أجل تحسين شروط صفقة تبادل أسرى وزيادة عدد الأسرى الإسرائيليين إلى حوالى 80، بدلاً من 50 بحسب طرح حماس، ينبغي تشديد هجوم إسرائيل في القطاع وممارسة الضغط بصورة أكبر على رئيس حماس يحيى السنوار. بهذه الطريقة فقط سيكون بالإمكان جعل السنوار يقدم تنازلات”، بحسب غالانت الذي التقى وحدات برية تستعد لدخول المرحلة الثانية من العملية البرية، وأنهى حديثه برفع معنوياتهم قائلاً “الانتصار حتمي لنا وأنتم قادرون على سحق حماس”.