دعا الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الدول الأوروبية إلى تطبيق قرار «المحكمة الجنائية الدولية» باعتقال رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، لأن ذلك «سيعيد إحياء الثقة بالقانون الدولي»، قائلاً، في احتفال في إسطنبول، إن «العالم الإسلامي يمرّ بمرحلة صعبة يُقتل فيها الأطفال في غزة وفي لبنان، ولا أحد يتحرّك». ورأى إردوغان أن «الدول الأوروبية، وبدلاً من وقف العدوان، تعمل على إمداده بالمزيد من الدعم». وتابع: «(أنّنا) قدّمنا 89 ألف طن من المواد الإنسانية إلى غزة، و1300 طن مثلها إلى لبنان. كنّا من الدول الأكثر دعماً لإخوتنا في المنطقة. وقد قطعنا بسرعة ومن دون أدنى تفكير العلاقات التجارية مع إسرائيل. وملأنا الساحات بالاحتجاجات».
وتعليقاً على قرار «الجنائية» أيضاً، رأى الكاتب المعروف طه آقيول، في صحيفة «قرار»، أنه «يجب رفع القبعة للمحكمة التي أصدرت أمراً باعتقال فوهرر النازية الجديدة، بنيامين نتنياهو. وهل يجب التذكير بوزير الأمن السابق يوآف غالانت، الذي وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”… لقد فعلوا بالفلسطينيين ما فعله بهم هتلر. لم يشبعوا من ذلك، فها هم يضيفون إلى غزة، لبنان». وذكّر آقيول بأن «المحكمة الجنائية تأسّست على أساس اتفاقية الإبادة للأمم المتحدة عام 1948، وهي الفترة الأهم في القانون الدولي، والتي تلت فترة الحرب العالمية الثانية التي حصدت 50 مليون نسمة، وحوّلت أوروبا إلى أنقاض. يُظهر قرار المحكمة الجنائية تعمُّد الفاشية الإسرائيلية استهداف المدنيين وحرمانهم من حقوقهم الإنسانية: من الطعام والمياه والكهرباء». ورأى أن القضاة الذين أصدروا القرار هم «ضمير الإنسانية في هذا العصر. وسيكون العار لأيّ حكومة منتمية إلى المحكمة الجنائية لا تنفّذ أمر الاعتقال، وعلى رأس هؤلاء ألمانيا التي قدّمت دعماً غير محدود لإسرائيل. ومهما قيل، فإن القانون الدولي كما ضرب ألمانيا النازية، وسلوبودان ميلوسوفيتش، ورادوفان كارازيتش، يضرب الآن حكومة إسرائيل، كما يضرب حكومتَي ألمانيا والولايات المتحدة الشريكتَين في الإبادة». وتابع: «كلمة أخيرة للدول الإسلامية: لم تخرج منها دولة واحدة مثل جنوب أفريقيا. هذا غير مفاجئ في ظلّ انعدام إيمان هذه الدول بالقيمة السامية لقانون حقوق الإنسان».
من جهته، تحدّث الخبير المختص بالعلاقات الدولية، منصور آق غون، عن قرار «الجنائية»، والذي جاء بعد مرور أقل من سنة على قرار «محكمة العدل الدولية»، مشيراً إلى أنه «مع ذلك، لم تتوقّف الحرب، بل زادت الجرائم الإسرائيلية. كما أن قرار المحكمة لن تواجهه الدول الأوروبية بالاحترام، وستجد الذرائع للتهرّب من تنفيذه، وكل ما سيفعله القرار هو أن يخفّف الضغط بعض الشيء عن غزة». لكن الكاتب لفت إلى أن «القرار ذو طبيعة تاريخية تماماً مثل قرار محكمة العدل الدولية، ويشكّل ضوء أمل لضحايا جرائم القتل والتهجير والتجويع». كما اعتبر أن «الواقعية تفرض عدم التفاؤل بأن مثل هذا القرار سيساهم في حل القضية الفلسطينية، وسيمحى للأسف من ذاكرة مجتمعات حتى أكثر الدول المحبّة للقانون الدولي».
رأى إردوغان أن «الدول الأوروبية، بدلاً من وقف العدوان، تعمل على إمداده بالمزيد من الدعم»
وفي صحيفة «يني شفق»، تساءل عبد الله مراد أوغلو: «إلى متى ستحمي الولايات المتحدة والدول الأوروبية إسرائيل»، ليقول إن «أميركا اعترضت على قرار وقف النار في مجلس الأمن، وعلى مشاريع قوانين في مجلس الشيوخ قدّمها السيناتور بيرني ساندرز لوقف تصدير أسلحة ولم يؤيّدها سوى 19 عضواً من الديموقراطيين. والآن، ترفض، على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن، قرار المحكمة الجنائية، وهو الذي أشاد بقرارها ضدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين». وتابع: «الجميع ينتظر ما إذا كانت دول الاتحاد الأوروبي ستطبّق عقوبات على إسرائيل بعدما سارعت إلى تطبيق عقوبات على روسيا».
وفي الصحيفة نفسها، كتب طورغاي يرلي قايا أن القرار الذي صدر بتوقيف نتنياهو، مهما كانت الملاحظات عليه، «مهمّ للغاية لجهة التصاق جرم الإبادة برئيس الحكومة الإسرائيلية، وتسجيل الأدلة في محضر القرار». وأشار الكاتب إلى نقطة مهمّة أخرى، وهي أن «نتنياهو سيعمل مع قوى الضغط العالمية على محاكاة «قضية درايفوس» الشهيرة، والتي كان بطلها النقيب اليهودي في الجيش الفرنسي، ألفريد درايفوس، الذي اتُّهم في عام 1894 بتسريب وثائق سرّية فرنسية إلى ألمانيا، وأدين بالتجسس وأودع السجن، لكن مناصريه تمكّنوا من إثبات زيف الأدلة، وبالتالي تبرئته من تهمة التجسس، ليُطلق سراحه عام 1906، واعتبروا أن التهمة حيكت انطلاقاً من مناخ معاداة السامية، الذي كان سائداً في فرنسا وأوروبا. وهكذا نتنياهو، يريد أن يتبع أسلوب تفنيد الأدلة الثابتة عليه ليحاول الخروج تدريجياً من التهمة بمساعدة القوى الأميركية والغربية المؤيدة لإسرائيل».
على صعيد آخر، حذّر وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، من حرب نووية. وقال، في لقاء مع معتمدي الصحف التركية في أنقرة، إنه «مع مجيء دونالد ترامب إلى السلطة، يمكن الكثير من الأزمات الدولية أن تعرف وضوحاً أكثر، وسنرى إنْ كان ذلك سيكون لمصلحتنا أو لا»، متسائلاً: «إلى متى ستستمر الولايات المتحدة في دعم إسرائيل؟ هل ستواصل الدعم مع ترامب أم لا؟ هنا، من غير الممكن الحديث عن إشارة قاطعة حول ذلك». وأضاف: «هناك إشارتان: إذا نظرنا إلى الإدارة التي تتشكّل، فإنها ستواصل الدعم لإسرائيل، والثانية هي أن ترامب يقول إنه آت لإنهاء الحروب ولا يريد حروباً جديدة. وكلتا الإشارتين متناقضتان. وسنرى في المستقبل أيّهما ستكون الأرجح ومدى انعكاس ذلك على المنطقة».
ووفقاً لفيدان، فإنّ «حربَي أوكرانيا وغزة تقعان على خطّ القوى المتصارعة، وتعمّقان الاستقطاب. بل إن مشاركة كوريا في القتال في أوكرانيا تنقل الحرب إلى الجانب الآخر من العالم. والولايات المتحدة وأوروبا تتحوّلان إلى جزء من هذه الحرب». وعن التحذير الروسي من خطر اندلاع حرب نووية، رأى فيدان أن «مجرّد بدء الحديث عن حرب نووية يفرض القول بوجود مخاطر حرب نووية. بوتين يقول: “إذا استمرّت محاولات الاعتداء على السيادة الروسية، ولم يكن باستطاعتي مواجهة ذلك، فسأكون مضطراً إلى استخدام أسلحة نوعية أعلى للدفاع عن بلادي”. إن بوتين يقول هذا بكل صراحة. هذه ليست مزحة. هذا أمر جدّي». ولفت إلى أن «الغرب منشغل بمدى الدعم الذي تقدّمه روسيا لكوريا الشمالية، وما إذا كان ذلك يشكّل جبهة جديدة ضدّه». وكرّر فيدان موقف بلاده من نقل حركة «حماس» مقرّها إلى أنقرة، قائلاً إنه «أمر غير وارد، وقد أصدرت حماس بياناً تنفي فيه هذه الأنباء، وكذلك القطريون. يعني ذلك أن المكتب السياسي للحركة لن ينتقل إلى تركيا».