مع النجاحات السريعة لمقاتلي المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” في السيطرة على أجزاء واسعة من الأرض خلال أسبوع واحد، بما فيها مدينة حلب ثاني أكبر مدينة سورية بعد العاصمة دمشق، طفت إلى السطح سريعاً أسئلة ومخاوف حول كيفية تعامل القوى الجديدة مع المكونات المختلفة الموجودة في مدينة كبيرة مثل حلب، بمن في ذلك المسيحيون. لكن هذه التساؤلات سرعان ما جاءت الإجابة عليها من الفصائل العسكرية الممثلة بـ”إدارة العمليات العسكرية”، إذ عمدت إلى طمأنة السكان المدنيين عامة، والمسيحيين خصوصاً، بأن القوى العسكرية لن تتدخل في حياتهم اليومية، وسيتم سحب المقاتلين من المدينة، حالما ينتهي تأمينها أمنياً.
تطمينات من “هيئة تحرير الشام”
ولا يخفى أن الجسم الأساسي للفصائل في “إدارة العمليات العسكرية” التي تقود العمليات العسكرية للمعارضة، هي “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بقيادة أبو محمد الجولاني، التي تسيطر على محافظة إدلب وجوارها. وجاء في بيان “إدارة العمليات”: “نطمئن أهلنا المدنيين في حلب وريفها أننا منهم وهم منا، ونحب أن نقول إن أولوياتنا الحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم، وإذ نوصي قواتنا المتقدمة في الميدان بحماية المدنيين والحذر من استخدام النظام المجرم لهم دروعا بشرية”.
كما وجّه الجولاني رسالة إلى أهالي مدينة محردة بريف حماة الغربي، من أبناء الطائفة المسيحية، أكد فيها أنه أوصى المقاتلين بحسن معاملة الأهالي في مدينة محردة، والتي تمثل موقعاً استراتيجياً لأنها تصل بين خطوط إمداد قوات النظام القادمة من الساحل إلى محافظتي حمص وحماة، وتعتبر من أكبر الركائز التي استخدمها النظام ضد مناطق ريف حماة. وقال: “لقد أحسنا معاملة أبناء الديانة المسيحية في إدلب وحلب، وكذلك سنحرص على حمايتكم والحفاظ على ممتلكاتكم، وأدعوكم للاطمئنان وأطلب منكم رفض الحرب النفسية التي يمارسها النظام المجرم، فلا تنزحوا من بيوتكم وقراكم”.
وجّه الجولاني رسالة إلى أهالي مدينة محردة بريف حماة الغربي، من أبناء الطائفة المسيحية، أكد فيها أنه أوصى المقاتلين بحسن معاملة الأهالي
بالتزامن مع هذه التطورات أدلى الجولاني بتصريح لمجموعة الأزمات الدولية، أشار فيه إلى تغييرات بنيوية في تفكير الهيئة، وجنوحها نحو المحلية وقدر عالٍ من البراغماتية في التعامل مع المستجدات الحالية. وقال إن “تحرير الشام” تفكر في حل نفسها من أجل “ترسيخ البنى المدنية والعسكرية بشكل كامل في مؤسسات جديدة تعكس اتساع المجتمع السوري”. وحول إدارة مدينة حلب بعد السيطرة عليها من قبل فصائل المعارضة، قال الجولاني إن المدينة ستديرها هيئة انتقالية، وسيتم سحب المقاتلين من المدينة في الأسابيع المقبلة، ودعا الموظفين لاستئناف عملهم. وقال: “سيتم احترام المعايير الاجتماعية والثقافية المتميزة للمدينة، وللمسلمين والمسيحيين بكل تنوعهم”.
وترافقت هذه التصريحات مع زيارة الجولاني يوم الأربعاء الماضي مدينة حلب، وتجول في بعض أحيائها، والتقطت له صور قرب قلعتها التاريخية، فيما تحدثت أنباء عن لقاء جمعه مع الفاعليات الدينية المسيحية في المدينة، الأمر الذي لم تؤكده لـ”العربي الجديد” مصادر مطلعة على ما يدور في أروقة “تحرير الشام”.
غير أن ما ظهر للعلن هو زيارة فريق منظمة بلا قيود الحقوقية الدولية لمدينة حلب ومقر النيابة الرسولية اللاتينية في سورية في الثاني من الشهر الحالي، ولقاؤه المطران حنا جلوف النائب الرسولي لطائفة اللاتين في سورية ومسؤول الرهبانيات في سورية. وضم الوفد شخصيات مسيحية من إدلب وعدداً من المحامين والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني.
وتحدث الناشط السوري أيمن عبد النور، على صفحته في “فيسبوك”، عن الطلب من المطران جلوف تولي منصب محافظ مدينة حلب، بدون توضيح ممن جاء هذا الطلب. والمطران جلوف كان مسؤولاً منذ عام 2001 عن رعية اللاتين في الغسانية والقنية وجسر الشغور بريف إدلب، وتسلم في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022 جائرة الأم تيريزا دي كالكوتا من بابا الفاتيكان تقديراً لجهوده في خدمة الفقراء والأشخاص الأشد ضعفاً، وتولى من يوليو/تموز 2023 منصب النائب الرسولي لطائفة اللاتين في سورية.
أيمن عبد النور: نحتاج إلى بناء الثقة أولاً، إلى مجلس مدني محلي من أبناء مدينة حلب يدير شؤونها
وقال عبد النور، في حديث مع “العربي الجديد” تعليقاً على سلوك “تحرير الشام” وخطابها إزاء المسيحيين في حلب وسورية عموماً، إن “المهم هو السلوك وليس الإجراء الآني. المهم التغير في الأيديولوجيا والعقلية. المسيحيون لا يحتاجون إلى تطمينات لأنهم مواطنون مثل بقية المكونات، لكنهم يحتاجون إلى عقلية تعمل بالحوكمة والديمقراطية في حكم البلاد”. وأضاف أن هذه الأمور “لا تأتي من تصرف واحد أو تصريح واحد. تحتاج إلى وقت. تحتاج إلى بناء الثقة أولاً، إلى مجلس مدني محلي من أبناء المدينة يدير شؤونها، وهذا سيشكل بداية ممتازة”.
راجمة تابعة للمعارضة في ريف حماة / سورية 4 ديسمبر 2024 (Getty)
أخبار