– إجتماع آستانة الأخير كان سيء جداً. صدام تركي سوري شديد. إنزعاج روسي من موقف الأسد المتشدد حيال الإنفتاح على تركيا. لا سيما أن مبادرة الصلح بين أردوغان والأسد هي مشروع بوتين الشخصي ووضع ثقله الشخصي به لإقناع أردوغان.
– إستياء روسي كبير من الأسد لتبنيه الموقف الإيراني المتشدد (الرافض لصلح مع أردوغان) على الموقف الروسي.
– بعد هزيمة إيران وحزب الله العسكرية القاسية في لبنان وتصفية معظم قواتهما في وسط وجنوب سوريا، لم يعد للأسد دعم عسكري إيراني مثل السابق. لذلك لا ترى روسيا أي أرضية لموقف الأسد، لا سيما أن روسيا هي حالياً المدافع الوحيد عن الأسد.
– لذلك لم تمانع روسيا من الخطة التركية بدعم هيئة تحرير الشام للتوسع عسكرياً وضرب مواقع الأسد (ومواقع مليشيات إيران وحزب الله تحديداً) في ريف حلب الغربي والجنوبي، وصولاً إلى ريف حماة (خسر حزب الله آلاف العناصر في هذه الأرياف على مدى عدة سنوات لتثبيت حكم الأسد فيها).
– من متابعة مجريات المعارك على الأرض، روسيا لا تحارب دفاعاً عن الأسد. الضربات الجوية في اليوم الأول كانت فقط مركزة على مارع، وتركت تقدم قوات الهئية لمدينة حلب.
– الأرتال العسكرية من حلب إلى حماة واضحة ومكشوفة عسكرياً لأي سلاح جو ومع ذلك لم يتم ضرب هذه الأرتال.
باختصار، بدك تتشدد وتسمع كلمة إيران، روح خلي إيران تدافع عنك!!
طبعاً إيران غير قادرة على إرسال أحد، لا مقاتلين من إيران ولا سلاح ولا حزب الله ولا مليشيات عراقية. طيران التحالف شرق سوريا لن يسمح لأي شيء بالمرور من العراق، وطيران إسرائيل فوق وسط وجنوب سوريا لن يسمح بوصول أي قوات أو سلاح محمول جواً.
– المواقف السياسية أيضاً موازية لما يحصل على الأرض:
– التصريحات الإيرانية تظهر غضب إيراني شديد، وشعور بالمرارة والهزيمة. تصريحات ترعب دول الجوار بانتشار الإرهاب وتعلن عن الاستعداد لإرسال قوات من إيران والعراق.
– الموقف الروسي أقل توتراً وتشجناً. يتحدث عن اجتماع آستانة عاجل (سيعقد الاجتماع في 7 و8 ديمسبر، ربما قبل يوم، في 6 ديمسبر). تصريح وزير الخارجية الروسي منذ قليل قال حرفياً: اتفقنا مع شركائنا الإيرانيين والأتراك على اللقاء وفق صيغة أستانا هذا الأسبوع. يعني بوضوح الروس ذاهبين للمفاوضات ولإجبار الأسد على العمل معهم وفق خطتهم وترك إيران.
– الموقف الأميركي يمكن اختصاره بـ “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا منها سالمين”. تذكير أميركي واضح أن هيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب. ولكن عدم رفض العمليات العسكرية. تحميل الأسد مسؤولية ما حصل بسبب إفشاله الحل السياسي بالمفاوضات. موقف الاتحاد الأوربي متفرج ينتظر معرفة المزيد.
باختصار، تفاصيل ما يحصل في أنقرة وفي موسكو فقط!
– ما حصل مفاجىء؟ نعم للجميع. للسوريين أولاً. لدول الجوار ثانياً. اتصال من محمد بن سلمان مع أردوغان في محاولة قراءة الصورة إقليمياً. لا شك أن السعودية راضية عن ضرب إيران ومليشياتها في المنطقة لا سيما بعد رفض بشار الأسد مبادرة الجامعة العربية بضغط إيراني (إخراج إيران وإيقاف شحنات الكبتاغون مقابل تطبيع عربي).
-الحاصل: إعادة توازن للقوى العسكرية في سوريا يعكس التغير في موازين القوى الإقليمية بعد هزيمة إيران وحزب الله…
– المستقبل: طبعاً يصعب التكهن. هل ستتوقف العمليات العسكرية عند حد معين في المستقبل القريب أم نحن أمام معركة إسقاط النظام في سوريا؟
– تحليلي الشخصي أن معركة إسقاط النظام بعيدة لحد ما. المعركة اليوم لإجبار النظام على الجلوس إلى طاولة المفاوضات (آستانا وليس جنيف). والقبول بحلول مع تركيا وروسيا وتهميش الدور الإيراني.
– هذا سيعني الكثير من الحلول المؤقتة:
1- عودة كريمة للسوريين إلى بيوتهم وأهاليهم أولاً.
2- تخفيف عبء اللاجئين السوريين على أردوغان داخلياً وفي مرحلة لاحقة على الاتحاد الأوروبي الذي قد يدعم مالياً بعض جهود التعافي المبكر في حلب والشمال للمساهمة بعودة اللاجئين من أوروبا إلى سوريا.
3- إعادة ترسيم لخرائط القوى في سوريا: سوريا المفيدة مع الأسد، الجولاني، شمال غربي سوريا، قوات سوريا الديمقراطية شمال شرق سوريا.
4- في حال قبل الأسد بعض التوافقات السياسية في اجتماع الدوحة، على الأغلب ستبارك الدول العربية هذا الموقف وتعمل من خلال حلفاء الولايات المتحدة على مناقشة ملف العقوبات (الولايات المتحدة علقت تجديد قانون قيصر منذ فترة وهذا ليس مصادفة. التعليق بطلب من البيت الأبيض من خلال السيناتور بين كاردين).
5- ربما المساهمة بنوع من التطبيع الغربي البسيط في حال قبل الأسد.
المطلوب من الأسد اليوم الانسحاب من محور إيران والمضي قدماً بخطة بوتين. على الأغلب سيبقى الأسد متشدداً بموقفه بطلب إيراني. وسترد عليه تركيا وروسيا باسقاط حمص وتهديد وجوده كلياً. لكن إسقاط النظام بعيد قليلاً. لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل مستعدة لخروج الأسد والتعامل مع بلد منهار ومفتوح عسكرياً. تعليق الولايات المتحدة على أن هيئة تحرير الشام مدرجة على قوائم الإرهاب ثلاث مرات خلال يومين (بيان مكتب الأمن القومي في البيت الأبيض، تصريح وزير الخارجية الأميركي، وبيان البنتاغون.)
بعض النقاط الجديرة بالذكر:
– لم تعتمد تركيا على الجيش الوطني في العملية. تعلم تركيا أن هؤلاء همهم الأساسي السرقة والتعفيش. الاعتماد على هيئة تحرير الشام بشكل أساسي.
– لم تعتمد تركيا، ولم تخبر حتى كما يبدو، الحكومة المؤقتة والإئتلاف أو حتى هيئة التفاوض. العملة بشكل واضح مقسمة كالتالي: عسكرياً: هيئة تحرير الشام. حكم محلي: حكومة الإنقاذ. مفاوضات سياسية: مسار آستانة.
– قوات سوريا الديمقراطية باقية على وضعها طالما بقي الوجود العسكري الأميركي. ربما تتوسع الهيئة لتسيطر على شريط صغير شمال سوريا (غرب الفرات أساساً) وبالتالي تحقق مصالح أمن قومي تركي.
– الجيش الوطني التحق بالمعارك تحت جناج الهيئة، وهذه سابقة كون الطرفين في تنازع على المساحات التي يحكمونها وكون الهئية حاولت مراراً السيطرة على مواقع للجيش الوطني. واضح أن الهئية لم تسيطر على شرق حلب لمنع الجيش الوطني من استلام هذه المناطق.
– لم تتوجه قوات الهيئة إلى الساحل السوري مثلاً، لأنها ليست المعركة “التقليدية” للمجاهدين ضد “النصيريين”. على العكس، مخطط عسكري مدروس.
– تم تفعيل شبكات الاتصالات التركية في حلب خلال وقت قياسي، وتأمين الخدمات لمدينة حلب بسرعة قياسية.
– ربما السيناريو الأفضل في الشمال هو حل عصابات اللصوص المعروفة باسم الجيش الوطني وتسليم المنطقة بالكامل للهيئة.
– واضح أن الجولاني يعلم أن الهيئة “غير مقبولة” دولياً كطرف ليشارك بالحكم بصيغة معترف بها. لذلك أعلن عن نيته حل الهيئة والسماح لجهاز مدني بإدارة هذه المناطق. طبعاً لا أحد متوهم أن الجولاني سيترك الحكم لهذا الجهاز المدني أو الحكومة المدنية ولن يدير الوضع بشكل كامل من الخلف. هل سيلقى مثل هذا الحل قبولاً غربياً؟ بدون مبالغة، الأميركان أقنعوا أنفسهم بعد عشرين سنة في أفغانستان أن طالبان مختلفة عن القاعدة وتفاضوا مع طالبان وسلموا أفغانستان لطالبان. فعلها ترامب في إدارته السابقة، وبعد شهرين سيعود للبيت الأبيض!
بعض الأسئلة الملحة:
هل نحن أمام فيدرالية سورية فيها ثلاث ولايات أو حكومات محلية؟ ربما. قد يكون هذا أفضل الأسوأ المتاح أمامنا. على الأغلب في حال رفض الأسد التسوية السياسية.
هل هناك ضمانات أن لا يهاجم الأسد الشمال؟ تركيا وروسيا. بدون طيران روسيا لا يستيطع الاسد استرداد شيء. جيشه انتهى حرفياً. وقوات إيران ربما أصبحت خارج السياق بالكامل بعد ضربات الطيران الإسرائيلي.
هل ما يحصل “جيد” للشعب السوري؟
هذا السؤال يثير الكثير من الشجون. أولاً هناك خطاب شعبوي سخيف (للأسف يقوده ويساهم به بعض المثقفين) يحاول إخراس أي شخص يعبر عن قلقه حيال الجولاني وهيئة تحرير الشام. هذه المخاوف ليست فقط التطرف والارتباط سابقاً بتنظيم القاعدة، لكن أيضاً صيغة الحكم والانتهاكات والإدارة المحلية (فتحت الهيئة النار على متظاهرين ضد الهيئة من أجل إطلاق سراح المعتقلين في الصيف الماضي على سبيل المثال). لكن ما حصل ممتاز على عدة أصعدة:
– تحريك الملف السياسي وتنشيط الحراك الدولي حول سوريا.
– إيقاف فكرة إعادة اللاجئين بالقوة لسوريا لأنها مستحيلة. دون مناطق آمنة فعلياً لا يمكن لتركيا أو للإتحاد الأوروبي إعادة لاجئين بأعداد كبيرة.
– إعادة وضع سوريا على أجندة العديد من الدول التي قررت طي صفحة الملف السوري والتركيز على أوكرانيا وغزة.
– والأهم، عودة السوريين إلى بيوتهم وأرزاقهم وتحرير العديد من المعتقلين في سجون بشار الأسد.
للأسف معرفتي ودراستي وخبرتي بالنظام أنه لن يسلم ويغادر إلا بصيغة جثة وببلد مدمر. لذلك ربما “الحل الوسط” بفيدرالية أو حكم محلي مع حماية إقليمية ليست أسوأ الموجود.
هذا التحليل فقط قراءة للأحداث ومحاولة فهم تصريحات ومواقف متفرقة. أعتقد أنه سيثبت خطأه في حال بدء الطيران الروسي بحرق إدلب وحلب وحماة، وهو لما لم يحصل حتى الساعة.
#للحديث_تتمة