وهو يقود جيشا يضم أكثر من 100 ألف مقاتل متفانين ومتمرسين في القتال ومجهزين بآلاف الصواريخ والقذائف والطائرات المسلحة بدون طيار التي يمكنها ضرب أهداف في عمق إسرائيل بدقة متناهية. إنه يلهم ويحظى بولاء الميليشيات المدعومة من إيران في جميع أنحاء العالم العربي. لذا، فعندما يقول حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني وأقوى جهة فاعلة غير حكومية في العالم، إنه لا يرغب في توسيع نطاق الحرب في غزة لمساعدة حليفته الفلسطينية حماس، ينبغي على المنطقة أن تتنفس الصعداء، لأن كلماته مهمة. لكن نوايا نصر الله وحدها لا تكفي لمنع التصعيد الإقليمي. إن استعداد إسرائيل لتجنب حرب كارثية أخرى مع حزب الله، مثل تلك التي اندلعت في عام 2006، يشكل أهمية بالغة أيضاً. ومع ذلك، فمن غير المعروف ما الذي تفكر فيه حكومة الحرب الإسرائيلية أو ما تريد القيام به. هناك أشخاص في الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، يريدون معاقبة حزب الله بشكل أكثر صرامة بسبب قصفه المواقع العسكرية الإسرائيلية على طول الحدود. وعلى نحو أكثر طموحاً، فإنهم يرون أيضاً فرصة لتحييد التهديد الذي تواجهه الجبهة الشمالية لإسرائيل إلى الأبد. ولم يتوصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى هذا الاستنتاج بعد، ولكن إذا هدد جالانت وآخرون بالاستقالة بسبب هذه القضية، فقد يغير رأيه لضمان بقائه السياسي. إن القلق في واشنطن بشأن نوايا إسرائيل واضح للغاية لدرجة أن وزير الدفاع لويد أوستن اضطر إلى الاتصال هاتفياً مع وزير الظفاع جالانت وحثه على تهدئة الأمور على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. في وقت سابق، خلال الزيارات الأخيرة التي قام بها الرئيس جو بايدن، شارك جالانت مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن رغبته في ضرب حزب الله بشكل استباقي، لكن زملائه الإسرائيليين اعترضوه. حرب حتمية؟ داخل قوات الدفاع الإسرائيلية، يعتقد العديد من كبار الضباط أن الحرب في الشمال أمر لا مفر منه، الأمر الذي يزيد من احتمالات توجيه ضربة إسرائيلية استباقية، مما يؤدي إلى رد فعل قوي من حزب الله. آخر ما يريده الرئيس بايدن خلال موسم إعادة انتخابه هو حرب بين إسرائيل وحزب الله يمكن أن تجر الولايات المتحدة إلى الصراع وتؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران. ولن يكون هذا الأمر فظيعاً من الناحية الاستراتيجية فحسب، بل من الناحية السياسية أيضاً. وتمارس الدائرة الانتخابية التقدمية لبايدن بالفعل ضغوطا مكثفة على إدارته لإنهاء الحرب في غزة. وفي محاولة لردع حزب الله عن شن هجمات أكثر دموية ضد شمال إسرائيل، أمر بايدن بنشر كمية كبيرة من القوات العسكرية الإضافية في الشرق الأوسط، بما في ذلك حاملة طائرات وسفن حربية وسفينة تعمل بالطاقة النووية ومروحيات هجومية وطائرات مقاتلة و5000 بحار. تصاعد التوترات، وتوسيع الصراع إن التزام حزب الله بعدم التصعيد ليس ثابتاً على حجر. لقد كان نصر الله واضحاً في هذا الشأن في خطاباته الأخيرة في 3 و11 تشرين الثاني، وليس ثابتا ان هناك سبب للاعتقاد بأنه كان يخادع. وخطه الأحمر هو تدمير حماس كمنظمة عسكرية. وكلما اقتربت إسرائيل من تحقيق هذا الهدف، كلما زاد احتمال أن يأمر نصر الله قواته بتكثيف هجماتها ضد إسرائيل وتوسيع نطاق الحرب. وبغض النظر عن نوايا إسرائيل وحزب الله، فإن التوترات على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية مرتفعة بالفعل. قُتل 10 جنود ومدنيين إسرائيليين، وكذلك 70 مقاتلاً من حزب الله و10 مدنيين لبنانيين، نتيجة القصف. ويتزايد أيضًا عمق وتعقيد الهجمات التي ينفذها الطرفان. وقد اتسع نطاق المواجهة من ميل واحد إلى 25 ميلاً في غضون أسابيع.ا. ووجهت إسرائيل ضربات جوية قوية بينما استخدم حزب الله صواريخ مضادة للدبابات لتدمير المواقع الاستيطانية الإسرائيلية، فضلا عن طائرات بدون طيار مسلحة لاستهداف مدينة إيلات، التي تبعد 350 ميلا. شوقال جالانت لأوستن إن حزب الله يلعب ش من غير المؤكد إلى حد كبير ما إذا كان الوضع الحالي على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية مستدامًا. منذ عام 2006، احترم الجانبان قواعد الاشتباك غير المكتوبة حيث كانت مستويات معينة من المواجهة داخل مناطق جغرافية محددة جيدًا مقبولة. واليوم، تختفي هذه القواعد ببطء ولكن بثبات. وهجوم حزب الله على إيلات من سوريا دليل على ذلك. حسابات خاطئة وتصعيد فرص سوء التقدير والحوادث لا حصر لها. وفي عام 2006، لم يكن حزب الله ولا إسرائيل راغبين في الحرب، لكن انتهى بهم الأمر إلى الاشتباك بشراسة في صراع دام 34 يوماً. وألحقت إسرائيل أضرارا جسيمة بالبنية التحتية المدنية اللبنانية وشردت ما يقرب من مليون لبناني. وضرب حزب الله أهدافا في عمق إسرائيل وأدى إلى إجلاء ما يقرب من نصف مليون إسرائيلي. وأدى الصراع إلى مقتل 1300 لبناني و165 إسرائيليا. إن حرباً جديدة سوف تبدو ضئيلة مقارنة بحرب العام 2006، وذلك بسبب القدرات العسكرية التي تحسنت كثيراً لدى حزب الله، وبسبب الميول اليمينية المتطرفة لدى الساسة الحاكمين في إسرائيل. وجهة نظر إيران فطهران لديها مصلحة في الحفاظ على قوة الردع الاستراتيجية لحزب الله ضد أي ضربة إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني، وهي تفضل ألا ترى حليفها اللبناني يضعف أو ينزع سلاحه بعد قتال مع إسرائيل. ولا تملك إيران سيطرة صارمة على حزب الله. ولم تكن قادرة على منع حزب الله من قتال إسرائيل في عام 2006. ويحافظ أعضاء شبكة وكلاء إيران ــ في اليمن، والعراق، والبحرين، وسوريا، وفلسطين، ولبنان ــ على درجة كافية من الاستقلال العملياتي، وخاصة أثناء الحرب. ولهذه الجهات الفاعلة حساباتها وتفضيلاتها المحلية الخاصة التي تتوافق في الغالب مع رغبات إيران الاستراتيجية. لذا، عندما تنشر الولايات المتحدة المزيد من القوة النارية في الشرق الأوسط لإرسال رسالة قوية إلى إيران لكبح جماح حزب الله، فليس من الواضح على الإطلاق أن ذلك سينجح. يستطيع حزب الله أن يتخذ قراراته بنفسه، وخاصة إذا أدرك أن سلامته معرضة للخطر. علاوة على ذلك، يعرف حزب الله أن القادة الإسرائيليين قادرون تماما على تدمير لبنان ككل، كما فعلوا في عام 2006.
عنف المتطرفين اليهود في الضفة الغربية قد يؤدي إلى فتح جبهة ثانية إن الجمع بين المتطرفين الشباب المُحفَّزين على الأرض، والسياسيين اليمينيين المتطرفين الداعمين لهم في إسرائيل، والإجراءات الأمنية المحلية غير الفعالة، قد يؤدي إلى إشعال انتفاضة واسعة النطاق إذا استمرت السلطات الإسرائيلية في غض النظر عما يجري. ف نعومي نيومان هي زميلة زائرة في معهد واشنطن، حيث تركز على الشؤون الفلسطينية. وعملت سابقاً كرئيسة لوحدة الأبحاث في “وكالة الأمن الإسرائيلية”، أو “الشاباك”، وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية. ومؤخراً بدأت نيومان دراسة الدكتوراه في جامعة تل أبيب. ف مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، تتصدر الضفة الغربية قائمة نقاط الاحتكاك المحتملة التي يمكن أن تتصاعد وتصبح جبهة ثانية. فقد تدهورت البيئة الأمنية في المنطقة بشكلٍ كبيرٍ خلال العامين الماضيين، وليس بسبب قيام الجماعات الإرهابية الفلسطينية بتوسيع نفوذها المحلي فحسب، بل لأن العناصر اليهودية المتطرفة من مستوطنات الضفة الغربية وإسرائيل تعمل على تأجيج العنف أيضاً. وحتى الآن، لم تنجح حركة “حماس” في الاستفادة من أزمة غزة لدفع سكان الضفة الغربية إلى تنظيم انتفاضة جماعية، لكن تفاقم العنف اليهودي ضد الفلسطينيين يزيد من صعوبة تجنب هذا السيناريو. ماذا تقول الأرقام؟ منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قُتل تسعة فلسطينيين في مواجهات عنيفة مع عناصر يهودية متطرفة في الضفة الغربية، وفقاً لبيانات “جهاز الأمن العام الإسرائيلي” (“الشين بيت”). ويضاف هؤلاء الضحايا إلى 182 شخصاً قُتلوا في إطار عمليات مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية التي نفذتها إسرائيل خلال الفترة نفسها. وفي الوقت نفسه، امتلأت القنوات الإعلامية التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي بمقاطع فيديو تُظهر متطرفين يهود يهاجمون السكان الفلسطينيين ويحرقون المنازل والمركبات، ويخربون الأعمال التجارية، ويدمرون المحاصيل، ويهددون السكان المحليين بالأسلحة، ويفرضون قيوداً على الحركة، ويتعدّون على المنازل والأراضي والموارد الطبيعية. ووفقاً لـ “مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية”، ازدادت أعمال العنف التي يرتكبها المتطرفون اليهود إلى ما معدله سبعة أعمال يومياً بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، مقارنةً بثلاثة يومياً في الشهر الذي سبق، ولم تشكك السلطات الإسرائيلية في هذه الأرقام. ومثل هذا العنف ليس ظاهرة جديدة، فهو يمتد لعقود من الزمن وشهد تحولات متعددة في المحتوى والوتيرة. ولكن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تزايدت هجمات اليهود المتطرفين إلى أبعاد أكبر واخترقت مناطق هادئة نسبياً مثل أم صفا وبرقة. وعلى الرغم من أن هذه الأعمال كانت تُنفذ سابقاً بصورة سرية لإخفاء هويات مرتكبيها، إلا أنها أصبحت الآن مرئية ومتحدية بشكل متزايد. ويقيناً، أن بعض هذه الأعمال أثارها ازدياد الهجمات الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تضاعف عددها ثلاث مرات منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول وأدت إلى مقتل 45 إسرائيلياً على مدى العامين الماضيين. وقد أدى هذا الارتفاع في العدد إلى تعميق الشعور بانعدام الأمن لدى المستوطنين الإسرائيليين وحفّز العناصر المتطرفة على مواصلة الهجمات الانتقامية – وأحياناً على الفور في شكل هجمات واسعة النطاق على المجتمعات الفلسطينية. وتشكل مدينة حوارة خير مثال على هذه المشاكل. ففي شهر شباط/فبراير، قُتل إسرائيليان بالرصاص على يد إرهابيين يُعتقد أنهم من منطقة حوارة. ورداً على ذلك، هاجمت حشود يهودية كبيرة البلدة، مما أسفر عن مقتل أحد السكان وإصابة المئات بجراح وإحراق العديد من المنازل والسيارات. وفي شهر آب/أغسطس، قُتل إسرائيليان آخران بإطلاق النار في هجوم محلي آخر. وبعد هجوم “حماس” على إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر، قُتل ثلاثة فلسطينيين في حوارة في اشتباكاتٍ حدثت مع متطرفين يهود. إن تطبيق القانون في البلدة، سواء من قبل الفلسطينيين أو الإسرائيليين، يكاد يكون معدوماً. وظهرت نقطة خلاف أخرى في الضفة الغربية بين الرعاة الإسرائيليين والفلسطينيين. ويحاول العديد من رعاة المستوطنين الإسرائيليين تبرير توسعهم في خطوط الرعي بالادعاء بأنهم يحمون المناطق المفتوحة من استيلاء الفلسطينيين عليها، لكن هذه الممارسة تستبعد الفلسطينيين فعلياً من الأراضي التي استخدموها لسنوات عديدة لرعي مواشيهم أو زراعة محاصيلهم. ورداً على ذلك، أكد الرعاة الفلسطينيون مراراً وتكراراً مطالباتهم في هذه المناطق، مما زاد من حدة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر فقط، أفادت بعض التقارير أن أكثر من 1149 فلسطينياً قد أُرغموا على ترك أماكن إقامتهم أو عملهم أو مناطق رعيهم بسبب التهديدات والعنف من قِبل المتطرفين اليهود. وفي الواقع، تشير بيانات استطلاعات الرأي الأخيرة إلى ازدياد خوف السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية من التعرض لعنف المتطرفين اليهود وسط الحرب بين “حماس” وإسرائيل. ويخشى العديد من السكان المحليين أن يستغل هؤلاء المتطرفون تطوّرين في زمن الحرب هما تحوّل الاهتمام الدولي إلى غزة وفرض قيود عسكرية إسرائيلية إضافية على تحركاتهم اليومية، لتنفيذ هجمات عقابية بدعم ضمني (أو، على الأقل، لامبالاة) من قبل جيش الدفاع الإسرائيلي. ولا يثق معظم الفلسطينيين في أن السلطة الفلسطينية أو الجيش الإسرائيلي سيوفران الأمن لهم، ولذلك فهم يدعمون بشكل متزايد تشكيل جماعات مسلحة محلية لحماية مجتمعاتهم. ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الأعمال المتشددة والإرهابية التي تقوم بها هذه الجماعات المسلحة الجديدة، في كثير من الأحيان إلى نفس أنواع العنف اليهودي الذي يقول الفلسطينيون المحليون إنهم يخشونه. من هم المتطرفون؟ لا يعمل حالياً في الضفة الغربية سوى بضع مئات من الناشطين اليهود المتطرفين، لكنهم مسؤولون عن التحريض على الكثير من أعمال العنف المذكورة أعلاه أو تنفيذها. وأغلبهم من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 19 سنة. وقبل عقدين من الزمن، طالب الجيل السابق من المتطرفين في عمر مماثل، المعروفين مجتمعين باسم “شباب التلال” بالسيادة على “أرض إسرائيل” بأكملها من خلال تنفيذ أعمال عنف مختلفة. وينحدر ما يصل إلى 90% منهم من مستوطنات الضفة الغربية. وفي نهاية المطاف، استقر الكثير منهم وعاشوا حياة أسرية وتخلوا عن المواجهة العنيفة. يختلف الجيل الحالي من المتطرفين من نواحٍ متعددة. فقد أحدث فك الارتباط عن غزة في عام 2005 تغييرات واسعة النطاق في القطاع الديني في إسرائيل، إذ اعتبر اليمين المتطرف أن هذه الخطوة هي أزمة كبرى ونقطة تحول في موقفهم تجاه الدولة على حد سواء. ومنذ ذلك الحين، أصبحت الضفة الغربية تُشكل مصدر جذب للشباب اليمينيين المتطرفين الذين يحرصون على المساهمة في استيطان “أرض إسرائيل” وتقليص الوجود الفلسطيني فيما يعتبرونه الوطن اليهودي. ويتسرب العديد منهم من نظام التعليم، وينفصلون عن عائلاتهم، ويتركون منازلهم في إسرائيل، وينتقلون إلى الضفة الغربية. وهناك، يميلون إلى إقامة بؤر استيطانية غير قانونية ويعتبرون سيادة القانون الإسرائيلي بمثابة توصية وليس مطلباً. وفي أغلب الأحيان، لا يتم تنظيم المتطرفين اليهود في مجموعات منضبطة ذات هيكلية قيادية واضحة، ولا تحرّكهم أيديولوجية واحدة متماسكة أو سلطة حاخامية. بل على العكس من ذلك، كان خليط أيديولوجياتهم وافتقارهم إلى التراتبية الواضحة سبباً في تعقيد الجهود الرامية إلى كبح جماح أولئك الذين يلجأون إلى العنف. ويعيش بعضهم في مجتمعاتٍ يحصلون فيها على الإرشاد (ولكن ليس الأوامر) من الأكبر سناً أو رموز السلطة الذين عاشوا في الحقبات الماضية من مواجهات المستوطنين. وعادة ما يتم تمويل أنشطتهم من قبل المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية التي تدعو إلى استيطان “أرض إسرائيل” بأكملها. تزايد الدعم السياسي، والإجراءات الأمنية غير الفعالة تشمل العوامل الرئيسية التي تكمن وراء التصاعد الثابت في أعمال العنف في الضفة الغربية هذا العام، الدعم الذي يتلقاه المتطرفون اليهود من بعض الجهات الفاعلة السياسية في إسرائيل، والذين تتطابق شخصيات البعض منهم أو تشبه إلى حد كبير شخصيات “شباب التلال”. على سبيل المثال، تم مؤخراً تعيين تسفي سوكوت رئيساً “للجنة الفرعية للكنيست لشؤون «يهودا والسامرة» (أي الضفة الغربية)”، علماً أنه كان سابقاً من “شباب التلال”، في حين أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش اعتُقل في تموز/يوليو 2005 للاشتباه بتورطه في مؤامرة كانت تهدف إلى عرقلة عملية فك الارتباط عن غزة باستخدام العنف (تم إطلاق سراحه في النهاية دون توجيه اتهامات إليه). وخلال الحرب الحالية في غزة، حاول سموتريش وقف جميع التحويلات الضريبية إلى السلطة الفلسطينية، وقد دعا هو وسوكوت إلى إنشاء “مناطق عازلة” حول مستوطنات الضفة الغربية من شأنها أن تمنع الفلسطينيين من دخول هذه المناطق وتخترق الأراضي التي يستخدمونها لقطف الزيتون. وقد تردد صدى هذا الخطاب على أرض الواقع، حيث قام المتطرفون اليهود عمداً بإتلاف بساتين الزيتون الفلسطينية في مناطق متفرقة من الضفة الغربية. من المؤسف أن المؤسسات الأمنية الإسرائيلية لم تقم بما يلزم لإيقاف هذه الجرائم، على الرغم من حقيقة مفادها أن عنف اليهود المتطرفين يهدد بتقويض المصالح الوطنية من خلال تأجيج مواجهة شاملة في الضفة الغربية. وتتراوح مواقف بعض السلطات الإسرائيلية بين عدم الكفاءة والإنكار وبين التعاطف والتماهي التام مع مرتكبي العنف. وفي الوقت نفسه، فإن “الأدوات الناعمة” التي يدعو إليها بعض القادة السياسيين والدينيين، أي التعليم والرعاية الاجتماعية والمشاركة، لم تحقق الكثير من التأثير على الظاهرة المتطرفة. ونتيجة لذلك، غالباً ما يتم إحباط الجهود الرامية إلى تقديم المتطرفين العنيفين إلى العدالة بسبب العقبات البيروقراطية والنظامية. ومن الصعب تنفيذ الاعتقالات لأن الأجهزة الأمنية تواجه صعوبة في جمع الأدلة حول المشتبه بهم، ويميل الجناة الذين يتم إحضارهم للاستجواب إلى التفاخر بنواياهم وعدم التعاون بشكل ثابت. وفي بعض الأحيان، تتجاوز الأجهزة الأمنية الإجراءات الجنائية العادية من خلال فرض أوامر إدارية على المشتبه بهم تسمح بالإقامة الجبرية وحظر الاتصال بالمشتبه بهم الآخرين. ومع ذلك، فإن هذه الانحرافات الإجرائية يمكن أن تكون مثيرة للجدل للغاية في بعض الدوائر السياسية، وغالباً ما يفسرها المتطرفون على أنها “دليل” على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تتعاون مع “العدو” الفلسطيني – وهو تبرير يزيل أي تردد قد يكون لديهم بشأن مهاجمة أفراد إسرائيليين. ونظراً لهذه الظاهرة، حث المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري مستوطني الضفة الغربية في 14 تشرين الأول/أكتوبر على “عدم التدخل في إحباط الإرهاب”، مشيراً إلى أن المسؤولية عن أمنهم “تقع على عاتق الجيش الإسرائيلي وحده”. وتدرك الغالبية العظمى من المستوطنين اليهود هذا الدور الرئيسي الذي يضطلع به الجيش الإسرائيلي وهم موالون للدولة ومؤسساتها. إلا أن هذه الآراء لا تتبناها مجموعات المتطرفين اليهود ذوي الدوافع العالية. الخاتمة على الرغم من كل هذه المحفزات المحتملة، إلّا أن الفلسطينيين في الضفة الغربية رفضوا إلى حدٍ كبيرٍ الاستجابة للدعوات المحرّضة على ممارسة العنف الجماعي على مدى السنوات العديدة الماضية، بما في ذلك الوعود التي أطلقها قادة “حماس” بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وتساعد العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تفسير هذا الرفض، لكن الدافع الأكثر أهمية ينبع من الانتفاضة الثانية (2000-2005)، التي أظهرت نتائجها للفلسطينيين أن العنف لا يضمن مكاسب سياسية ويمكن في الواقع أن يدمّر أهدافهم الوطنية وحياتهم الشخصية بطرق عديدة. ومع ذلك، ستستمر حرب غزة في فرض ثلاثة تحديات رئيسية أمام هذا الوضع الراهن، وهي: العمليات الأمنية الإسرائيلية المكثفة في الضفة الغربية؛ والقيود المفروضة على التحركات المحلية وفرص العمل للفلسطينيين داخل إسرائيل؛ وتفاقم العنف من قبل المتطرفين اليهود الأكثر جرأة. إن التحدّيين الأوّلين هما شرطان أمنيان حتميان تقتضيهما الأزمة غير المسبوقة في غزة. ومع ذلك، فإن التحدّي الثالث هو أمر تستطيع إسرائيل تقليصه على وجه التأكيد إذا بذلت جهوداً أكثر تضافراً وفعالية لمواجهة نشاط اليهود المتطرفين. إن الفشل في القيام بذلك يمكن أن يدفع سكان الضفة الغربية إلى ما بعد نقطة الانهيار ونحو مواجهة شاملة مع إسرائيل، مما يفتح جبهة أخرى في الحرب ويُعقّد بشكل كبير قدرة الجيش الإسرائيلي على تأمين الحدود وحماية المواطنين. Copyright © 2023 The Washington Institute for Near East Policy 1111 19th Street NW, Suite 500, Washington, DC 20036, USA | Tel: 202-452-0650 | Fax: 202-223-5364 Read more about The Washington Institute. Unsubscribe or modify your email preferences.
CLICK TO VIEW IN BROWSER حرب غزة تُظهر تزايد خطر التصعيد في المنطقة رغم أن واشنطن وشركائها منعوا توسع الحرب حتى الآن، إلا أن الافتقار إلى قواعد واضحة على بعض الجبهات – وخاصة سوريا – قد خلق بيئة خطيرة قد تتجاوز فيها أي جهة فاعلة عن غير قصد الخطوط الحمراء التي وضعهتا جهة أخرى. ق أندرو تابلر هو زميل أقدم في برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، يركز بحوثه على سوريا والمصالح الأمريكية في بلدان المشرق العربي. ف بعد مرور أربعين يوماً وليلةً (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) على اندلاع أزمة غزة، لم تقع الحرب الإقليمية التي توقّع البعض أنها قد تجتاح الشرق الأوسط وتُعطّل أسواق الطاقة والاقتصاد في العالَم – على الأقل حتى الآن. وتُواصل إسرائيل تنفيذ “عملية السيوف الحديدية” في غزة، التي يُفترض أنها تهدف إلى القضاء على قدرات حركة “حماس”، وإنشاء قطاع يحكمه أي طرف آخر في غزة، بطريقة أو بأخرى. وفي غضون ذلك، برزت تقارير مفادها أن إيران أبلغت “حماس” أن عدم إعطائها إنذاراً مسبقاً بشأن هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر يعني أن طهران لن تتدخل بشكلٍ مباشرٍ في الصراع. إلا أن وكلاء إيران يردّون على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة في ثلاثة مسارح إقليمية مختلفة. ويشمل المسرح الأول هجمات متعددة يشنها “حزب الله” وإسرائيل ضد بعضهما البعض على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية. ويشمل المسرح الثاني صواريخ بعيدة المدى وطائراتٍ بدون طيار يطلقها الحوثيون من اليمن، والتي تم اعتراض جميعها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أو سقطت في مناطق فارغة. أما المسرح الثالث الذي يمكن اعتباره ردّاً غير متوقع أبداً – مع تداعيات سياسية غير معروفة بنفس القدر – فيشمل تصعيداً عسكرياً أفقياً متواصلاً استمر شهرٍاً من قبل الميليشيات المدعومة من إيران ضد القواعد العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء سوريا والعراق، وما زال مستمراً على الرغم من توجيه ثلاث ضربات عسكرية أمريكية متتالية في أقل من ثلاثة أسابيع. على طول “الخط الأزرق” منذ هجوم “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يعلن “حزب الله” كل يومٍ مسؤوليته عن عدة هجمات على إسرائيل وعادةً ما يتبعها رد إسرائيلي. ودفعت هذه الديناميكية إسرائيل في 18 تشرين الأول/أكتوبر إلى إصدار أمرٍ بإجلاء المدنيين على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود مع لبنان، كما أًخْليت معظم القرى على الجانب اللبناني من الحدود ضمن النطاق نفسه أيضاً. وقد قُتل أكثر من 70 مقاتلاً من “حزب الله” و10 مدنيين لبنانيين في لبنان، بينما قُتل 10 إسرائيليين من بينهم 7 جنود في إسرائيل، حتى كتابة هذه السطور. بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر، يُظهر تحليل تفصيلي أن “حزب الله” شن ما يقرب من 170 هجوماً على وجه التحديد من لبنان باستخدام أسلحة مضادة للدبابات، أو مدفعية، أو صواريخ، أو طائراتٍ بدون طيار. كما استهدفت الجماعات الفلسطينية العاملة داخل لبنان، إسرائيل بدرجة أقل. وأعلنت “كتائب عز الدين القسام” التابعة لحركة “حماس” مسؤوليتها عن شن 8 هجمات صاروخية من لبنان خلال الفترة نفسها، في حين استهدفت العديد منها مدينة نهاريا ولكن تم اعتراضها من قبل الجيش الإسرائيلي أو سقطت في مناطق مفتوحة. وحاولت “سرايا القدس” التابعة لـ”حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين” التسلل مرتين من لبنان إلى إسرائيل، في حين شنت “قوات الفجر” التابعة لـ”الجماعة الإسلامية” ثلاث هجمات صاروخية من لبنان على شمال إسرائيل. ومن خلال هذه الهجمات، يبدو أن “حزب الله” وإسرائيل قد طوّرا قواعد اشتباك غير معلَنة. فلا يبدو أن “حزب الله” يستهدف المدنيين باستثناء الهجوم على موظفي المرافق الكهربائية، الذي زعم “حزب الله” أنهم جنود كانوا يقومون بتركيب كاميرات وأجهزة “تجسس” أخرى). كما يستهدف “حزب الله” في المقام الأول المواقع العسكرية الإسرائيلية ويمتنع في الغالب عن شن هجمات أبعد من منطقة الإخلاء التي تمتد على مسافة خمسة كيلومترات داخل إسرائيل. ومن جهتها، تستهدف إسرائيل “حزب الله” بشكل أساسي رداً على هجمات الحزب على أراضيها، ولا تستهدف سوى مصادر نيران الحزب، باستثناء بعض الغارات الجوية على مواقع إطلاق الصواريخ المتوقعة واستخدام الفوسفور في المناطق المشجرة لحرق النباتات وحرمان “حزب الله” من الغطاء الأرضي. وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و14 تشرين الثاني/نوفمبر نفذت إسرائيل 327 غارة جوية أو عملية قصف مدفعي مستهدفة مواقع في جنوب لبنان. عبور البحر الأحمر شن الحوثيون في اليمن عدة هجمات فاشلة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على إسرائيل خلال الشهر الماضي، وهددوا في الأيام القليلة الماضية بمهاجمة السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب. ومع أن إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تمكنت من اعتراض صواريخ الحوثيين وطائراتهم المسيّرة، إلا أن الحوثيين أثبتوا قدرتهم على إحداث الفوضى في المنطقة، حيث أسقطوا طائرة مسيّرة أمريكية قبالة سواحل اليمن وضربوا – عن غير قصد – بعض المناطق في مصر والأردن. بدأ رد الحوثيين في أعقاب انفجار في “المستشفى الأهلي” في 19 تشرين الأول/أكتوبر، عندما أطلقوا ثلاثة صواريخ “كروز” على عدة طائرات مسيّرة من اليمن، والتي أسقطتها المدمرة الأمريكية “يو إس إس كارني” (USS Carney) فوق البحر الأحمر. وقال البنتاغون إن الهدف المقصود كان على الأرجح إسرائيل. وأفادت بعض التقارير بأن السعودية أسقطت صاروخاً كان قد انحرف نحو المجال الجوي السعودي. ثم في 27 تشرين الأول/أكتوبر، تحطمت طائرتان مسيّرتان مجهولتا الهوية في مدينتَي طابا ونويبع المصريتين، مما أدى إلى إصابة ستة أشخاص على الأقل. وفي غضون ذلك، أبلغت إسرائيل عن وجود تهديد جوي من البحر الأحمر، مما يشير إلى أن الحوثيين أطلقوا على الأرجح الطائرتين المسيّرتين بهدف استهداف إسرائيل. واعترض الجيش الإسرائيلي إحدى الطائرتين المسيّرتين فوق البحر الأحمر بالقرب من نويبع، وتحطمت الطائرة الثانية في طابا بالقرب من الحدود الإسرائيلية. وبعد بضعة أيامٍ في 31 تشرين الأول/أكتوبر، زعم الحوثيون أنهم أطلقوا وابلاً من الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز” على جنوب إسرائيل، ولم يصل أيٌ منها إلى أهدافها المعلنة. وتشير تقارير استخباراتية مفتوحة المصدر إلى سقوط أحد الصواريخ في منطقة “المدورة” في الأردن. بعد ذلك بوقت قصير، نشر الجيش الإسرائيلي لقطاتٍ تُظهِر طائرة مقاتلة من طراز “إف-٣٥ آي” وهي تعترض صاروخ “كروز”، وتُظهِر نظام الدفاع الصاروخي البعيد المدى “آرو” (Arrow) وهو يعترض صاروخاً باليستياً. وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر، أفادت التقارير بأن السعودية أسقطت صاروخاً آخر في الجزء الشمالي الغربي من المملكة بالقرب من الحدود الأردنية، وأعقب ذلك في اليوم التالي هجومٌ بطائرة مسيّرة ضد إسرائيل تبناه الحوثيون – والذي لم يلق أي رد أو يؤدي إلى إغلاق المطارات الإسرائيلية أو غيرها من المرافق. وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر، اتخذ هذا الاتجاه منحًى أكثر خطورة عندما أكد مسؤولو الدفاع الأمريكيون أن الحوثيين أسقطوا طائرة عسكرية أمريكية مسيّرة من طراز “إم كيو-9” قبالة سواحل اليمن. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، هدد الحوثيون علناً السفن الإسرائيلية في مضيق باب المندب قبالة اليمن، ثم حاولوا شن هجوم بطائرة مسيّرة انطلقت من اليمن واعترضتها المدمرة الأمريكية “يو إس إس توماس هودنر” (USS Thomas Hudner). واشتبك طاقم السفينة مع الطائرة المسيّرة وأسقطها لضمان سلامة السفينة والأفراد الأمريكيين، ولم تتكبد السفينة أي أضرار أو إصابات. العراق وسوريا يمكن القول إن الاتجاه الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لواشنطن يتعلق بهجمات الميليشيات الإيرانية على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا. ويُظهر التتبع المفصّل للهجمات الإيرانية والضربات الأمريكية المضادة، الذي أجراه زملائي في معهد واشنطن أن الميليشيات المدعومة من إيران شنت منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر وحتى كتابة هذه السطور – ومجدداً بعد الانفجار في”المستشفى الأهلي” مباشرة – ما يقرب من 77 هجوماً منفصلاً ضد عناصر أمريكيين في العراق وسوريا. وشملت هذه الهجمات 43 غارة على قواعد أمريكية في سوريا و34 غارة في العراق المجاور، باستخدام الصواريخ والقذائف وطائرات بدون طيار أكثر دقة على نحو متزايد. وفي 14 تشرين الثاني/نوفمبر، أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن وقوع 28 هجوماً ضد القوات الأمريكية في سوريا و27 في العراق منذ 18 تشرين الأول/أكتوبر. (في إحصاءاته، لا يتضمن البنتاغون بعض التقارير مفتوحة المصدر عن الهجمات ما لم يتم إثبات أنه تم شنًّها على القوات الأمريكية على وجه التحديد، وبالتالي الاختلافات في عدد الهجمات). وبغض النظر عن العدد الدقيق، تفوق وتيرة الهجمات إلى حدٍ كبيرٍ الأرقام الأساسية المسجلة قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر. ويُظهِر تحليل البيانات حتى الآن أن الهجمات تنطلق من ثلاث مناطق. وتُركز المنطقة الأولى على القواعد الأمريكية في غرب الفرات، وفي غرب العراق (“عين الأسد”)، و”التنف” في جنوب سوريا. ويتم شن السلسلة الثانية من الهجمات من داخل شمال العراق ضد القواعد الأمريكية الواقعة شرق الفرات في سوريا في الشدادي والرميلان، وفي شمال العراق في مطار أربيل وحرير. أما السلسلة الثالثة من الهجمات، فيتم شنها من عدد كبير من قواعد الميليشيات الإيرانية على الضفة الغربية لوادي نهر الفرات الأوسط السوري، وتشمل أسلحتها صواريخ قصيرة المدى يتم إطلاقها ضد القواعد الأمريكية و”قوات سوريا الديمقراطية” في حقول النفط في دير الزور. كما يتم شن بعض الهجمات، من المنطقة نفسها، بالطائرات المسيّرة البعيدة المدى على الشدادي والرميلان وتل بيدر. ورداً على الهجمات، شنت إدارة بايدن ثلاث ضربات منفصلة على أهداف تابعة للميليشيات الإيرانية في سوريا في 27 تشرين الأول/أكتوبر و8 تشرين الثاني/نوفمبر و13 تشرين الثاني/نوفمبر، وقد رافق كلاً منها بيانٌ فوريٌ مفاده أن الرئيس بايدن قام بذلك دعماً للقوات الأمريكية. وفي حين أوضح البيانان الصادران في 27 تشرين الأول/أكتوبر و8 تشرين الثاني/نوفمبر أن الولايات المتحدة لا تريد المزيد من التصعيد مع إيران، إلا أن هذه الكلمات كانت غائبة عن رسالة ضمنية بل واضحة تم توجيهها في 13 تشرين الثاني/نوفمبر ومفادها أنه من المرجح أن تؤدي المزيد من الهجمات إلى رد فعل أكبر. واستمرت الهجمات لمدة يومين آخرين قبل ليلة من السلام في 16 تشرين الثاني/نوفمبر، أي بعد شهر تقريباً من الانفجار في “المستشفى الأهلي”. الإفتقار إلى قواعد واضحة في حين قللت إدارة بايدن من أهمية الهجمات، إلّا أن كل حادثة تزيد من احتمالات سقوط ضحايا أمريكيين ومما ينتج عن ذلك من تداعيات سياسية على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024. وحتى الآن، وبعد تقييم الحالات، يقول البنتاغون إن 27 فرداً تعرّضوا لإصابات دماغية رضحية و32 فرداً تعرّضوا لإصابات أخرى غير خطيرة. وقد عاد كل هؤلاء الأفراد البالغ عددهم 59 شخصاً إلى الخدمة الفعلية، مما يشير إلى أن واشنطن كانت قادرة على التعامل مع الهجمات بفعالية ودون تكبد تكلفة كبيرة حتى الآن. لكن كل هجوم يزيد من خطر وقوع حادث يؤدي إلى خسائر في الأرواح. ومن المرجح أن يؤدي أي هجوم يسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا إلى توجيه دعوات، من اليمين المتطرف واليسار المتطرف في الطيف السياسي الأمريكي، إلى واشنطن لكي تسحب قواتها من سوريا والعراق. وهذه هي النية المعلنة للتحالف الثلاثي السوري الذي يتألف من نظام الأسد وإيران وروسيا، والذي كان منشغلاً هذا الصيف بمحاولة إثارة الفتنة بين “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة والقبائل العربية المحلية. وقد حدثت اشتباكات بين الطرفين في شهرَي آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر الماضيين بسبب مشاكل قائمة منذ فترة طويلة ومتعلقة بالهيمنة الكردية على قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” وسيطرتها على “مجلس دير الزور العسكري”. وبشكلٍ عام، لا تزال مهاجمة الولايات المتحدة في سوريا منخفضة المخاطر وكثيرة المنافع لإيران وحلفائها. وتوفر سوريا القدر الأعظم من حرية المناورة للخصوم العسكريين، كما أن قواعد اللعبة هناك هي الأكثر مرونة – على عكس الحدود اللبنانية الإسرائيلية حيث يبدو أن الجانبين يتجنبان المخاطرة خوفاً من ارتكاب خطأ يؤدي إلى صراع أوسع نطاقاً. لكن غياب القواعد الواضحة وانتشار الجيوش الأجنبية العاملة في سوريا يُنشئان في الوقت نفسه بيئة خطيرة قد تؤدي إلى تصعيد غير مقصود، وما قد يرافق ذلك من حرب إقليمية ودمار على نحو كبير. Copyright © 2023 The Washington Institute for Near East Policy 1111 19th Street NW, Suite 500, Washington, DC 20036, USA | Tel: 202-452-0650 | Fax: 202-223-5364 Read more about The Washington Institute. Unsubscribe or modify your email preferences.