في ظلّ تصاعد التوتر بين القوات الأميركية العاملة في سوريا والقوات التابعة لإيران، وسط تبادل الطرفين قصف المواقع والقواعد العسكرية على خلفية الحرب الدائرة في غزّة، قررت دمشق إلغاء تأشيرة الدخول للعراقيين ليصبح بإمكان أيّ مواطن عراقي، اعتباراً من يوم الأربعاء، الدخول إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها الحكومة من دون موافقة أمنية أو تأشيرة دخول للداخلين للمرة الأولى.
ورصد نشطاء “المرصد السوري لحقوق الإنسان” توجه 13 شاحنة محملة بمعدات عسكرية ومواد لوجستية إلى قاعدة كونيكو للغاز في ريف دير الزور الشمالي، استقدمتها القوات الأميركية إلى قاعدتها، في ظل استمرار الاستهدافات الإيرانية والميليشيات الموالية لها لقواعدها في المنطقة، وذلك بعد مضي ساعات على الهجوم على قاعدة الشدادي في ريف الحسكة.
وأشار المرصد المعارض إلى تعرّض قاعدة الشدادي للاستهداف من “المقاومة الإسلامية” للمرة الثانية خلال ساعات، إذ هاجمت طائرات مسيرة القاعدة ودوّت انفجارات في المنطقة.
وذكرت صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام أن قرار إلغاء تأشيرة الدخول يعتبر نافذاً من يوم الأربعاء (أمس)، وفق ما نقلت عن مصدر في مجلس الأعمال السوري العراقي أشار إلى أنه “سيطبق على كل المنافذ الحدودية البرية والجوية”، مضيفاً أن “المواطن العراقي سيحصل فور وصوله إلى سوريا على تأشيرة الدخول من المنفذ الحدودي الذي يصل إليه مباشرةً”.
وأعلن القائم بالأعمال العراقي في دمشق ياسين شريف الحجيمي أن “الجهات المختصة” في الحكومة السورية ستسمح بدءاً من الأربعاء 22 تشرين الثاني (نوفمبر)، بدخول كل مواطن عراقي إلى الأراضي السورية الواقعة تحت سيطرة النظام من دون موافقة أمنية أو تأشيرة دخول للداخلين للمرة الأولى.
وأوضح بيان منشور على صفحة سفارة العراق في دمشق على “فايسبوك”، أن القرار سيطبق على كل المنافذ الحدودية البرية والجوية.
وكان الإجراء المذكور يطبق فقط على العراقيين الذين لديهم تأشيرة دخول سابقة على جوازات سفرهم، ليشمل القرار الجديد العراقيين الداخلين للمرة الأولى أيضاً.
في المقابل، يحتاج السوريون إلى تصريح سفر إلكتروني “eTA” من السلطات العراقية يمكن الحصول عليه عبر الإنترنت قبل دخول العراق عبر المنافذ الحدودية، بحسب موقع “guide consultants” الذي يرصد قوة جوازات السفر.
“أفضل من بديل مجهول”
وتربط علاقات جيدة بين حكومة النظام السوري والحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، الذي دافع في تصريحات له في أيلول (سبتمبر) الماضي عن محاولات تحسين العلاقات بين الطرفين، عبر تأكيده أن “سوريا بتركيبتها السياسية الحالية وشعبها أفضل من بديل مجهول قد يدفع المنطقة للدخول في حرب جديدة”.
كما ربط السوداني تحسين علاقة بلاده مع النظام السوري بتوجه عام لبغداد تجاه جيرانها بعد عقود من العلاقات المتقلبة، ومحاولة تقديم الفائدة للجميع عبر الاستقرار في العراق.
وسبق للسوداني أن زار الرئيس السوري بشار الأسد في تموز (يوليو) الماضي، وجرى خلال الزيارة بحث ملفات عدة شملت المياه والتنسيق الأمني ومكافحة المخدرات.
وجاء الإجراء السوري بالتزامن مع دخول مرحلة بناء الجدار الفاصل بين سوريا والعراق من طرف قوات حرس الحدود العراقية مرحلته الثانية.
وذكر وزير الداخلية العراقي عبد الأمير الشمري في تصريحات سابقة، أن أسباب بناء “جدار كونكريتي” (إسمنتي) مع سوريا يرجع إلى أن العراق لا يواجه دولة على الجانب الآخر من الحدود بل “ميليشيات”.
وأضاف الوزير العراقي أن بلاده أنجزت نحو 150 كيلومتراً من الجدار الفاصل مع سوريا، ولا تزال الأعمال مستمرة لإغلاق الحدود المشتركة مع سوريا شمال نهر الفرات بالكامل ويبلغ طولها نحو 275 كيلومتراً.
ولطالما اعتبرت المنطقة الصحراوية الممتدة من الشمال السوري حتى جنوبها بمحاذاة الحدود السورية – العراقية مرتعاً لخلايا تنظيم “داعش”، حتى بعدما انحسر نفوذ التنظيم في سوريا والعراق عام 2019، وانتهت سيطرته الفعلية.
تفسيرات متفاوتة
وسيطرت “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) بدعم من التحالف الدولي على آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز شرقي دير الزور المحاذية للحدود العراقية، وأنهت بذلك سيطرة التنظيم الفعلية على المنطقة، لكن عمليات الاستهداف لم تتوقف، سواء على الجانب السوري أو العراقي.
وتعددت التفسيرات لسبب صدور القرار السوري في هذا التوقيت الذي يشهد تصعيداً غير مسبوق بين القوات الأميركية ونظيرتها الإيرانية، بين من قال إن دوافعه الحقيقية تقتصر على الجانب الاقتصادي، إذ يريد الطرف السوري تشجيع السياحة العراقية إلى البلاد بهدف تأمين كميات من القطع الأجنبي، وبين من أشار إلى أن القرار قد تكون له خلفيات عسكرية وأمنية غير مرئية، لا سيما أن الممرات والمعابر غير الشرعية بين سوريا والعراق التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية أصبحت تتعرض لمراقبة شديدة من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، بحيث أصبح من المتعذر إدخال تعزيزات أو إرسال شخصيات بارزة من دون التعرض لخسائر في صفوفها، وأن القرار قد يكون بمثابة غطاء لتسهيل دخول هؤلاء من خلال المعابر الشرعية.