ورقة الأكراد
الحسكة (سوريا) – أكد قائد القيادة العسكريّة الأميركيّة الوسطى (سنتكوم) مايكل كوريلا في لقاء مع عدد من قادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على ضرورة إعادة مقاتلي داعش الأجانب إلى أوطانهم، وهي دعوة يقول مراقبون إنها ستربك حسابات أكراد سوريا، الذين يرون في مهمة إدارة مراكز احتجاز الآلاف من المقاتلين الأجانب ورقة رئيسية بأيديهم.
وحصل قادة قسد على الدعم الغربي مقابل الإشراف على مراكز اعتقال المقاتلين الأجانب والمخيمات التي تضم عائلات الجهاديين من نساء وأطفال، في وقت ترفض فيه الدول التي ينتمي إليها هؤلاء إعادتهم إليها لمحاكمتهم أو إعادة تأهيلهم مثلما هو شأن النساء والأطفال.
ويرى مراقبون أن دعوة قائد سنتكوم إلى إعادة المقاتلين الأجانب تصب في صالح أنقرة التي تريد أن تسحب من تحت أقدام قادة قسد الورقة التي يستقوون بها ويحصلون مقابلها على دعم غربي سخي خاصة في مجال التسليح.
الدعوة إلى إعادة المقاتلين الأجانب تصب في صالح أنقرة التي تريد أن تسحب من تحت أقدام قادة قسد الورقة التي يستقوون بها ويحصلون مقابلها على دعم غربي سخي
وليس معروفا ما إذا كانت الدعوة الأميركية تهدف إلى التحضير لموقف أميركي جديد من الملف السوري عقب وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي سبق أن دعا في ولايته الأولى إلى الانسحاب الأميركي من سوريا. وإذا ثبت أن الدعوة هي جزء من توجه أميركي مستقبلي، فإن ترامب سيكون بذلك قد بدأ ولايته الثانية بمجاملة تركيا وتفضيل الشراكة معها على الشراكة مع أكراد سوريا.
ويمكن أن تكون الدعوة مجرد بالون اختبار يهدف بالأساس إلى الضغط على دول غربية، مثل فرنسا وألمانيا، ترفض استعادة الجهاديين وأسرهم الذين يحملون جنسيتها.
وقبل التوجه إلى سوريا كان كوريلا زار العراق، وصدر بيان عن سنتكوم يشير إلى أن كوريلا والمسؤولين العراقيين بحثوا أهمية إعادة معتقلي داعش العراقيين من مرافق الاحتجاز في شمال شرقي سوريا، وإعادة تأهيل الآلاف من المواطنين العراقيين الموجودين في مخيم “الهول” وإعادة دمجهم، وهو ما يرجح أن يكون موقف كوريلا هو نفسه في العراق وسوريا، وأن واشنطن تريد تفكيك قنبلة الجهاديين حتى لا تنفجر مجددا في حال حصلت معارك بين قسد والقوات السورية الجديدة وتمكن عناصر داعش من الفرار.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد على العشرات من السجون والمخيمات التي تؤوي الآلاف من الجهاديين والمشتبه بهم مع عائلاتهم، ومن بينهم أجانب في سوريا.
وذكر بيان صادر عن القيادة أن الجنرال كوريلا التقى قادة عسكريين أميركيين وآخرين في قوات سوريا الديمقراطية الخميس “للحصول على تقييم” للجهود الرامية إلى هزيمة داعش ومنع عودته الإقليمية، فضلاً عن “الأوضاع المتطورة في سوريا”.
وشكلت قوات سوريا الديمقراطية، المدعومة من التحالف الدولي ضد الجهاديين بقيادة واشنطن، رأس حربة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية وتمكنت من دحره من آخر مناطق سيطرته في عام 2019.
حح
وقالت القيادة العسكريّة الأميركيّة الوسطى إن كوريلا زار مخيم الهول الذي يؤوي أكثر من 40 ألف شخص، أغلبهم من الأطفال، وفق الأمم المتحدة. وتفرض القوات الكردية إجراءات أمنية مشددة على قسم خاص يؤوي الأجانب من عائلات التنظيم.
وأضافت “من دون جهود دولية لإعادة التوطين وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج” فإن مثل هذه المعسكرات “قد تؤدي إلى جيل قادم” من عناصر التنظيم المتشدد.
وأشارت إلى أن تسعة آلاف معتقل إضافي من تنظيم الدولة الإسلامية “من أكثر من 50 دولة مختلفة لا يزالون في أكثر من اثني عشر مركز احتجاز تحرسه قوات سوريا الديمقراطية في سوريا.”
وتنظر تركيا، وهي حليف رئيسي للإدارة السورية الجديدة، إلى قوات سوريا الديمقراطية، ومن خلفها مكونها الرئيسي وحدات حماية الشعب (واي بي جي) التي تصنفها أنقرة “إرهابية”، على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني على الرغم من أن قسد حليف مهم لواشنطن في القتال ضد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت تركيا تهدد بشن عملية عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، ما دفع الولايات المتحدة إلى بذل جهود دبلوماسية واسعة النطاق لتجنب مواجهة كبرى وسط القتال المستمر.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة في سياق التصعيد ضد الأكراد “إما أن يلقوا (مقاتلو واي بي جي) أسلحتهم طوعا أو سيجبرون على ذلك،” مضيفا “من حولوا سوريا ومنطقتنا إلى جحيم عبر مسرحية داعش في الماضي القريب يحاولون تطبيق المؤامرة نفسها مجددا لكنهم لن ينجحوا هذه المرة.”
وأسفرت اشتباكات متواصلة بين قسد وفصائل سورية موالية لأنقرة في ريف منبج (شمال)، رغم إعلان هدنة بوساطة أميركية، عن مقتل أكثر من 401 شخص منذ 12 ديسمبر الماضي، معظمهم من المقاتلين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وأعربت أنقرة عن رغبتها في مساعدة الإدارة السورية الجديدة وتقديم “الدعم العملياتي في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية،” وعرضت تقديم المساعدة اللازمة للحكومة الجديدة “لإدارة المخيمات والسجون” حيث يحتجز الآلاف من الجهاديين وعائلاتهم ويديرها مقاتلون أكراد في سوريا.
حح
وفي وقت سابق من هذا الشهر قالت قوات سوريا الديمقراطية إنها أجرت محادثات مع السلطات السورية الجديدة.
ورفع الأكراد السوريون، بعد هزيمة الأسد، علم الاستقلال الذي تعتمده فصائل المعارضة فوق مؤسساتهم، في بادرة حسن نية تجاه السلطة الجديدة، وهي خطوة رحّبت بها واشنطن.
وعلى وقع الهجوم المباغت الذي شنّته هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، وتمكنت بموجبه من الوصول إلى دمشق خلال 11 يوما، تعرض المقاتلون الأكراد لهجمات شنتها فصائل سورية موالية لأنقرة في شمال سوريا وأدت إلى انسحابهم من عدة مناطق.
وخلال زيارة إلى أنقرة هذا الأسبوع أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني رفض الإدارة الجديدة في دمشق لأي “تهديد” يستهدف تركيا من أراضيها، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في شمال سوريا.
والتقى رئيس قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي الخميس رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، وفق بيان صادر عن مكتب بارزاني. وأشار البيان إلى ضرورة أن يتوصل الأكراد في سوريا إلى “تفاهمات واتفاقيات مع السلطات الجديدة.”