من المتوقع أن تعيد رئاسة دونالد ترامب تشكيل سياسة الولايات المتحدة حيال إيران بشكل جذري، مما يثير العديد من التساؤلات بشأن تداعيات هذه السياسة على منطقة الشرق الأوسط والعالم. خلال ولايته الأولى، تبنى ترامب نهجاً صارماً حيال إيران، بدأه بالانسحاب من الاتفاق النووي لعام 2015، وهو ما اعتبره خطوة ضرورية للتعامل مع طموحات إيران النووية. أعقب ذلك فرض عقوبات اقتصادية مشددة استهدفت القطاعات الرئيسية في الاقتصاد الإيراني، مما أدى إلى عزلة دولية أكبر لطهران وتأثيرات كبيرة على اقتصادها.
في حملته الانتخابية الأخيرة، وعد ترامب بمواصلة ممارسة الضغط على إيران، من خلال التوصل إلى اتفاق جديد يشمل البرنامج النووي الإيراني، وبرنامج الصواريخ الباليستية، ونشاط إيران الإقليمي المزعزع للاستقرار. ومع ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل واضحة بشأن كيفية تحقيق هذا الهدف، مما أثار تساؤلات حيال فعالية نهجه. يرى مراقبون أن أي محاولة لتجديد المفاوضات مع إيران ستتطلب مزيجاً من العقوبات المتزايدة والديبلوماسية غير التقليدية، أو كما يعرفها البعض (معهد أميركا أولاً للسياسات)، بسياسة الضغط الأقصى والدعم الأقصى، إذ يكون الضغط من فوق على النظام، والدعم من تحت لقواعد المعارضة.
في هذا السياق، تتباين آراء الشركاء والحلفاء بشأن تداعيات سياسة ترامب حيال إيران. تخشى بعض الدول الأوروبية من أن تؤدي هذه السياسات إلى تصعيد التوترات وزيادة احتمال اندلاع نزاع عسكري في المنطقة. في المقابل، ترى دول المنطقة في هذه السياسة فرصة لتقييد النفوذ الإيراني المتزايد، خاصة في العراق واليمن، بعد تراجعه في لبنان، وانعدامه في سوريا.
يدخل الرئيس الأميركي إلى البيت الأبيض، محاطاً بمجموعة من الصقور في مواجهة إيران وطموحاتها. أبرز هذه الشخصيات المعينة في إدارة ترامب وتنتظر التصديق على تعيينها، ماركو روبيو (وزيراً للخارجية)، جون راتكليف (مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية)، مايك هاكابي (سفيراً لدى إسرائيل)، ومايك والتز(مستشاراً للأمن القومي)، يشتركون في رؤية موحدة لمواجهة إيران.
فيما يُعد ماركو روبيو من أشد المنتقدين للنظام الإيراني، ويدعو إلى ممارسة أقصى الضغوط الاقتصادية والديبلوماسية، يدعو جون راتكليف إلى تعزيز العمليات الاستخباراتية التي تستهدف البرنامج النووي الإيراني ومراقبة أنشطته. من جانبه، يشدد مايك والتز على مواجهة النفوذ الإيراني عبر تعزيز العقوبات والجاهزية العسكرية. وفي السياق نفسه، يدعم مايك هاكابي التعاون الوثيق مع إسرائيل لمواجهة إيران، بما في ذلك دعم الأعمال العسكرية إذا تطلب الأمر.
في الواقع، يدخل ترامب البيت الأبيض في وقت شهدت الأشهر الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث انعدم تأثير طهران بشكل كامل في سوريا، مع خلع نظام بشار الأسد، في وقت يواجه “حزب الله” في لبنان ضغوطاً متزايدة بعد المواجهات الأخيرة مع إسرائيل، والتي أسفرت عن تدمير جزء كبير من بنيته التحتية العسكرية. هذه التغيرات أضعفت موقف إيران الإقليمي، لكنها دفعتها أيضاً إلى التركيز على تعزيز برنامجها النووي واستخدام وكلائها الآخرين، للضغط على المصالح الأميركية وحلفائها، خاصة من قبل الحوثيين في اليمن.
من المحتمل، في ظل هذه المتغيرات، أن تشمل سياسة ترامب المحتملة حيال إيران تشديد العقوبات الاقتصادية، خاصة على قطاعي النفط والبنوك، واستهداف مشاريع التعاون الإيراني مع روسيا والصين. تهدف هذه الإجراءات إلى تقليص الموارد المالية للنظام الإيراني وإضعاف قدرته على تمويل نشاطاته الإقليمية.
تشديد العقوبات، يقابله احتمالية عالية بدعم ضربة عسكرية للمنشآت النووية، تنفذها إسرائيل، خاصة بعد الضربات التي وجهتها إسرائيل لإيران السنة الماضية، والتي اعتبرت مناورات حية، وتحضيراً لضرب المنشآت النووية الإيرانية. تزداد هذه الاحتمالية، في ظل المناورات العسكرية التي تجريها طهران مؤخراً لحماية منشآتها النووية، وأيضاً تحسباً لأي تطورات أمنية في الداخل تهدد وجود النظام الإيراني.
تشكل العلاقة بين إدارة ترامب وإسرائيل ركيزة أساسية في السياسة الأميركية تجاه إيران، خاصة بوجود مايك هاكابي سفيراً لدى إسرائيل ومايك والتز مستشاراً للأمن القومي. ومن المتوقع أن تقدم إدارة ترامب، حال عودتها، دعماً استخباراتياً ولوجستياً لإسرائيل، وربما تشمل المساعدة تزويدها بأسلحة دقيقة وتقنيات متقدمة لاختراق الدفاعات الإيرانية. هذا الدعم سيمنح إسرائيل القدرة على تنفيذ ضربات فعالة ضد البرنامج النووي الإيراني.
إلى جانب الضغط العسكري، يبقى تمكين المعارضة الإيرانية من خلال دعم وسائل الإعلام المستقلة واحتمال توفير تقنيات الاتصال الآمنة مثل “ستارلينك”، بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي واللوجستي لها، بهدف تقويض شرعية النظام الإيراني من الداخل.
في ظل المتغيرات الجديدة في المنطقة، تتطلب سياسة ترامب حيال إيران مرونة تُوازن بين تصعيد الضغوط الاقتصادية والعسكرية، واستثمار نقاط الضعف الإيرانية، مثل انسحابها من سوريا والوضع الحرج لـ”حزب الله”. مع ذلك، قد تؤدي هذه السياسة إلى نتائج معقدة إذا لم تكن مصحوبة بخطة ديبلوماسية واضحة، حيث يعتمد النجاح على قدرة إدارة ترامب في تحقيق توازن بين الضغط والديبلوماسية، مع مراعاة التغيرات الإقليمية والمخاطر الناجمة عنها.
سياسة ترامب حيال إيران ستؤدي إلى التغيير الأكبر في المنطقة منذ عقود، هذا التغيير سيشمل في الحد الأدنى تقليص النفوذ الإيراني إلى حدوده الدنيا، وفي حده الأقصى تغيير النظام في طهران، مع ما يعنيه ذلك من تغيير في موقع إيران ودورها في المنطقة.
الهدف النهائي هو تقويض النفوذ الإيراني وتعزيز الاستقرار الإقليمي بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
الأكثر قراءة
بالصور- الأمن العام السوري: إحباط عملية تهريب أسلحة وصواريخ إلى لبنان عبر معابر غير شرعية
المشرق العربي 1/17/2025 12:38:00 PM
بالصور- الأمن العام السوري: إحباط عملية تهريب أسلحة وصواريخ إلى لبنان عبر معابر غير شرعية
كشف الأمن العام في طرطوس عن إحباط عملية تهريب أسلحة وصواريخ إلى لبنان عبر معابر غير شرعية.
ظهور المترجمة ريم الحكيم إلى جانب أحمد الشرع يثير استياء السوريين
المشرق العربي 1/18/2025 9:51:00 AM
ظهور المترجمة ريم الحكيم إلى جانب أحمد الشرع يثير استياء السوريين
أثار ظهور المترجمة السورية، ريم الحكيم، خلال لقاء قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، استياء عدد من الناشطين السوريين
“التمرّد” على إرادة “حزب الله” ليس “تنكيلاً” بشيعة لبنان!
كتاب النهار 1/18/2025 12:48:00 AM
“التمرّد” على إرادة “حزب الله” ليس “تنكيلاً” بشيعة لبنان!
ما يحدث حالياً لا يمكن إدراجه في خانة الافتئات على الطائفة الشيعية في لبنان، بل في خانة إعادة الاعتبار لمشيئة الدستور من أجل توفير مصالح عموم اللبنانيين!
راصد الزلازل الهولندي يعود بتحذير من عيار 7 ريختر (فيديو)
دوليات 1/18/2025 3:06:00 PM
راصد الزلازل الهولندي يعود بتحذير من عيار 7 ريختر (فيديو)
اقرأ في النهار Premium