رسم خطاب الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أول من أمس الخميس، الملامح العامة للمرحلة المقبلة في سورية خلال المرحلة الانتقالية وصولاً إلى الانتخابات. وأوضح الشرع أنه سيتم خلال المرحلة الانتقالية في سورية التي لم تحدد بجداول زمنية معينة، تشكيل حكومة انتقالية شاملة “تعبر عن تنوع سورية برجالها ونسائها وشبابها، وتتولى العمل على بناء مؤسسات سورية الجديدة، حتى نصل إلى مرحلة انتخابات حرّة نزيهة”. كما أكد أنه سيعلن عن لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغر يملأ الفراغ في المرحلة الانتقالية، استناداً إلى تفويضه بمهامه الحالية وقرار حلّ مجلس الشعب الذي اتخذ الأربعاء الماضي، خلال “مؤتمر النصر” الذي جمع الفصائل العسكرية التي أطاحت بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وسيعلن الشرع خلال الأيام المقبلة عن اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، الذي قال إنه سيكون “منصة للمداولات والمشاورات والاستماع إلى مختلف وجهات النظر حول برنامجنا السياسي القادم”، ما يشير إلى أن مداولات المؤتمر ستكون استشارية ولن تصدر عنه قرارات ملزمة. ووفق الشرع، وبعد إتمام الخطوات المذكورة، سيتم الإعلان عن الإعلان الدستوري ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية.
قرارات المرحلة الانتقالية في سورية
وكان المتحدث باسم “إدارة العمليات العسكرية” حسن عبد الغني، أعلن عن قرارات عدة، الأربعاء، أبرزها تولي الشرع رئاسة سورية في المرحلة الانتقالية، وتفويضه بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للعمل في المرحلة الانتقالية في سورية إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد، وحلّ مجلس الشعب، وإلغاء العمل بدستور سنة 2012، وحلّ حزب البعث الحاكم في سورية بعهد النظام السابق، والأحزاب المتحالفة معه، وكذلك حلّ جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، وجيش النظام وإعادة بناء الجيش السوري على أسس وطنية، إضافة إلى حلّ جميع الفصائل العسكرية، والأجسام “الثورية” والسياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة.
تجاهل قضايا أساسية
وأعرب رئيس تيار “بناء الدولة”، أنس جودة، عن اعتقاده بأن خطاب الشرع أول من أمس الخميس، تأخر كثيراً، وكان ينبغي أن يكون في اليوم الأول لوصوله إلى دمشق. واعتبر جودة في منشور له على موقع فيسبوك، أن الخطاب كان قصيراً ولم يتطرق إلى التحديات الهائلة التي تواجه البلاد، خصوصاً طريقة تعامل دمشق مع الوضع في السويداء جنوبي البلاد ومع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شمالها الشرقي، إضافة الى المشكلات الداخلية مثل مصير من تمّ تسريحهم من الجيش والقوى الأمنية، وعدم دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، واستيلاء إسرائيل على أراض سورية.
كما لم يتطرق حديث الشرع، وفق جودة، إلى شرعية الوصول للسلطة و”عن الفقه الدستوري الذي اعتمده، لأنه لم يتحدث في تفصيلات المرحلة الانتقالية في سورية ومراحلها ومدتها، وعن صلاحيات الأجسام التي تحدث عنها، من الحكومة للمجلس التشريعي وهيئة الحوار، وحول ماهية أدوارهم ومدتهم ومدى استقلاليتهم ووفق أي مرجع دستوري سيعملون”.
واعتبر جودة أن الخطاب كان لتهدئة السوريين بعد الاجتماع السابق الذي منح الشرعية للشرع رئيسا موقتا، وتجنب الدخول في أي تفصيل، وهو يؤجل طرح الاستحقاقات الأساسية التي قد يكون حولها جدل. وقال إن السياسة لا تبنى على “كلام جميل، بل على أفعال والتزامات محدّدة ومواثيق دستورية وقانونية، وعلى شفافية ووضوح”، معتبراً أن “حراك السوريين وثورتهم في عام 2011 لم يكن لإسقاط نظام الأسد فحسب، بل الأهم للوصول إلى دولة العدالة والحرية والديمقراطية والمواطنة”، داعياً للعمل “معاً ومع السلطة ومع الجميع لتحقيق أي نوع من التوازن يحمي البلاد من الانزلاق للمجهول”.
وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة أعرب في تغريدة له على منصة إكس، أول من أمس، عن مباركته للشرع بتنصيبه رئيساً للجمهورية خلال المرحلة الانتقالية في سورية “لتحقيق الانتقال السياسي بتمكين الشعب السوري من صياغة مشروع الدستور الجديد، والاستفتاء عليه واختيار قياداته عبر انتخابات حرّة ونزيهة تجري في بيئة آمنة ومحايدة”. ودعا البحرة جميع مكونات الشعب السوري “للعمل المشترك لتحقيق الأمن والاستقرار، والمساهمة في بناء الدولة السورية الجديدة، دولة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات”.
من جهته، رأى المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، رضوان زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “التفكير ينصب على الخيار الذي ستسلكه الإدارة الجديدة بشأن المسلك القانوني والدستوري الذي سيغطي المرحلة الانتقالية في سورية”، مشيراً إلى طرح أفكار مثل مؤتمر الحوار “لكن حجم عدد أعضائه جعل الفكرة مستحيلة التطبيق”. وبرأيه، فإنه بدا أن أمام الإدارة السورية الجديدة خيارين: إما العمل بدستور 2012، وهو ما يعني أن يصبح نائب رئيس الجمهورية فيصل المقداد رئيس المرحلة الانتقالية في سورية وفق الدستور، لكن هذا الخيار لم يكن مقبولاً قط من قبل الشعب السوري وخصوصاً القوى الثورية، والخيار الآخر هو المضي قدماً في خيار الشرعية الثورية، مشيراً إلى مقاربات مماثلة في عدد من دول الربيع العربي مثل ليبيا والسودان. ولفت إلى أن النقاش بشأن المرحلة الانتقالية في سورية انحصر حول طريقة بناء هذه الهيئة الانتقالية والتي تحقق جوهر القرار 2254 الذي تحدث عن “جسم انتقالي” ويضمن تمثيل كل القوى السياسية والاجتماعية السورية بما يحقق مبدأ الشمولية، ويؤسس أخيراً مجلساً تشريعياً مؤقتاً يصدر القوانين ويمنح الثقة للحكومة الانتقالية ويقر موازنة الدولة ويشكل هيئة مستقلة للانتخابات القادمة.
واعتبر زيادة أن إدارة العمليات العسكرية التي قادت عملية ردع العدوان، تمتلك هذه الشرعية الثورية. وحول رأي المعترضين على إعلان الشرع رئيساً في هذه المرحلة، وضرورة تأجيل ذلك إلى مراحل لاحقة، اعتبر زيادة أن سورية حكمتها مؤسسات طائفية كالجيش والأمن على مدى أكثر من 60 عاماً، مع انعدام فكرة القانون والمساءلة، وفوق ذلك حرب طاحنة حوّلت السوريين إلى معتقلين وجياع ولاجئين، ما يعني انعدام الطبقة الوسطى التي تقود عملية التغيير، ما يجعل تعيين الشرع رئيساً انتقالياً هو أفضل الحلول.
مشكلات جنوب البلاد وشرقها
وحول المشكلات المثارة في بعض الجغرافية السورية، وما يمكن أن ينجم عن إحجامها عن المشاركة السياسية خلال المرحلة الانتقالية في سورية الجديدة، قال سميح العوام، من اللجنة السياسية لحراك السويداء، لـ”العربي الجديد”، إنه قد “تكون لنا ملاحظات على خطاب الشرع، بأنه لم يتضمن مددا زمنية محددة، ولكننا نعتبره خريطة طريق للقادم الأجمل”. ورأى عوام أن الخطاب بحاجة إلى جهود جميع السوريين “للمشاركة في رسم اللوحة السورية المقبلة”. وعن مدى تفاؤله بقدرة الإدارة في دمشق على استقطاب جميع الأطراف للانخراط في هذه الجهود، قال العوام: “لا يقلقنا ولم يقلقنا أي تصريح أو إجراء حتى اللحظة، ونسعى للانخراط في مؤسسات الدولة بوصفها الأم للجميع”. وأضاف: “ثمّة إشكالات قليلة أعتقد بأنه سيتم تجاوزها، (معمل العرق في السويداء نموذجاً) وأذكره لأنه مقياس لبعض التفصيلات (في إشارة إلى منع حكومة تصريف الأعمال شركة بيع منتجاتها) ولأن الناس ملّت من الدم والحرب وتسعى للأمان وسحب الذرائع من المتربصين تحت شعارات غير معلنه. ليس بيننا من هو بلا ماض من الرئيس وانتهاء بآخر مواطن”. واعتبر أن الإشكالات القائمة “مقدور عليها أمام رغبة الناس بقيام دولة القانون والعدالة”.
من جهته، اعتبر محمد موسى من حزب اليساري الكردي في سورية (أحد أحزاب مسد، الجناح السياسي لقوات قسد) أن “المشكلة ليست في خطاب الشرع، لكن في ما يحدث على أرض الواقع الذي يختلف تماماً عن هذه الخطابات”. ورأى موسى في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن هناك “موقفا سلبيا لدى إدارة دمشق إزاء قسد، ونعتقد أن سيطرة لون واحد على الإدارة في دمشق بعد سقوط نظام الأسد لا يمكن أن تنتج منها حلول في البلاد”. ولفت موسى إلى أن “هناك وضعا سيئا جدا في الساحل، وهناك صراعا قاتلا في حمص والمنطقة الوسطى وموقفا سلبيا من مناطق شرق سورية”. واعتبر أن الطلب من “قسد” الانضمام إلى الجيش الوطني المنشود “الذي سيبنى بإشراف هيئة تحرير الشام ليس ممكناً على الأقل في المرحلة الحالية” لأن “قسد تبدي استعدادها للانضمام إلى هذا الجيش لكن ككتلة وأن تؤخذ خصوصية مناطق شمال شرق سورية بعين الاعتبار ولا يمكن التوصل إلى اتفاق خارج ذلك”، وفق تعبيره.
من جهته، رأى الصحافي جمال مامو، في حديث مع “العربي الجديد”، أن ما كان ينقص خطاب الشرع بشأن المرحلة الانتقالية في سورية هو التأكيد من خلال ضمانات قانونية على رفض تقديس الأشخاص سواء كان ذلك بالصور أو الشعارات أو الرموز ومعاقبة من يفعل ذلك، والتأكيد على الشفافية المالية للطبقة السياسية والعسكرية الجديدة من خلال قوانين واضحة ونشر الذمم المالية لهم. وأشار إلى أن العديد من قادة الفصائل التي انضوت تحت الجيش الجديد كانوا قد راكموا ثروات كبيرة من خلال نشاطات غير قانونية وهذا يمنحهم قدرة على فرض أنفسهم قوى نافذة في مناطقهم، مطالباً بإعادة توزيعهم على الجغرافيا السورية ووضع أملاكهم وأرصدتهم تحت تصرف الدولة. وشدّد على ضرورة أن تكون المؤسسة الأمنية تحت الرقابة وألا تكون مطلقة الصلاحيات كما كان الحال في العهد السابق، إضافة إلى السماح بتأسيس جماعات حقوق إنسان أو منحها رخصا للعمل والمراقبة.