قبل أسابيع قليلة من إجراء انتخابات المحافظات في العراق، تقدّم محافظ نينوى نجم الجبوري باستقالته من منصبه، بعد ضغوط سياسية و”ميدانية” مورست عليه، الأمر الذي كشف عن وجود صراع سياسي محتدم على المحافظة الثانية في البلاد من حيث عدد السكان.
خلفيات الإقالة
في التفاصيل، وافق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على كتاب الاستقالة الذي تقدّم به المحافظ، معلّلاً ذلك بردّ مجلس النواب العراقي في 17 تشرين أول (أكتوبر) الماضي للتوصية التي أصدرها مجلس الوزراء لصالح محافظ نينوى، مطالباً البرلمان باستثنائه من أحكام المادة 12 من قانون الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة (رقم 10) لسنة 2010، والذي يمنع المنتسبين السابقين لحزب البعث العراقي من شغل مناصب رئيسية في البلاد.
كان الجبوري قد عُيّن قبل أربع سنوات محافظاً لنينوى، عقب اضطرابات سياسية وإدارية وتنموية سادت المحافظة لعامين كاملين، وذلك بعد تحريرها من تنظيم “داعش” عام 2017، إذ اتفقت معظم القوى السياسية العربية والكردية في المحافظة، مع الحكومة المركزية، على تعيين الفريق نجم الجبوري محافظاً، بعدما أثبت حرفية عالية في قيادة معارك تحرير المحافظة من “داعش”، كقائد لمحور الجزيرة والبادية، مستثنين إيّاه من قانون المساءلة والعدالة.
توازن في منطقة مضطربة
خلال سنوات تولّيه منصب المحافظ، أدار الجبوري توازناً دقيقاً بين القوى الفاعلة في المحافظة، سواءً فصائل الحشد الشعبي المنتشرة فيها، والقوى السياسية المركزية المؤيّدة لها، أو الأحزاب السياسية السُنّية التاريخية في المحافظة، وإلى جانبهما الحزب الديموقراطي الكردستاني، الذي يستحوذ فعلياً على ثلث أصوات سكان المحافظة، بسبب شعبيته في المناطق الكردية شمالها وغربها. كذلك نجح الجبوري في إدارة عملية إعادة البناء في المحافظة، التي كانت مُدمّرة بالكامل بعد العام 2017، بسبب المعارك ضدّ “داعش” طوال سنوات.
مراقبون للشأن الداخلي العراقي أشاروا إلى هذا التفصيل كتفسير للضغوط التي طاولت الجبوري خلال الشهور الماضية، إعلامياً وسياسياً وبرلمانياً، لدفعه إلى الاستقالة.
تراكمت الضغوط على الجبوري عقب حريق صالة الأفراح في بلدة الحمدانية التابعة للمحافظة قبل أسابيع عدة. فهو وجّه انتقادات مباشرة وعلنية لأسوان الكلداني، شقيق زعيم تنظيم “بابليون” ريان الكلداني، الذي يترأس فصيلاً من الحشد الشعبي المسيطر على بلدات عدة في المحافظة، متّهماً إياه بإثارة القلاقل الأمنية في المحافظة، ومثله باقي فصائل الحشد.
أبعاد أمنية
إلى جانب ذلك، أثار الجبوري حفيظة الحكومة المركزية، بعد كشفه عن أماكن إطلاق الصواريخ من محافظة نينوى على مناطق عدة من إقليم كردستان، مشيراً بشكل ضمني إلى دور الحشد الشعبي في ذلك الإطار، وغضّ النظر الذي تمارسه الحكومة المركزية تجاهه.
وكان “النهار العربي” تابع آخر مؤتمر إعلامي وسياسي تحدث فيه الجبوري، الذي عبّر عن امتعاضه من الانقلاب السياسي ضدّه، من شخصية كانت تُعتبر “بطلاً وطنياً”، لمساهمته البارزة في تحرير ثاني محافظات العراق، إلى شخصية مشكوك بولائها وحرصها على المصلحة العامة.
الباحث السياسي فيكير ملواني شرح في حديث مع “النهار العربي” الحيثيات التي دفعت القوى السياسية المركزية للإطاحة بالجبوري في هذه المرحلة بالذات، وما يترتب مستقبلاً لوضع المحافظة. وقال: “من دون شك ستكون نتائج انتخابات مجالس المحافظات تحولّاً جوهرياً في المشهد السياسي للمحافظة، فهي سترفع من الرصيد السياسي للقوى السياسية المحلية المناهضة لنفوذ الحشد الشعبي، سواء الحزب الديموقراطي الكردستاني أو الأحزاب السُنّية. وبسبب ضغوط الحشد على القواعد الشعبية، فإنّ مجلس المحافظة سيلتف حول شخصية شكّلت خلال السنوات الماضية محل توافق في ما بينها، مثل المحافظ الجبوري، وهو ما قد يشكّل خطراً سياسياً على شرعية حضور فصائل الحشد في المحافظة المتصارع عليها. وإقالة الجبوري هي بمثابة إشارة واضحة للقوى السياسية، وكل من قد يتسلّم منصب المحافظ مستقبلاً”.
وكانت حدثت مواجهة سياسية وإعلامية في مختلف المناطق بشأن استقالة أو إقالة المحافظ الجبوري. ففي حين نشرت وسائل إعلام مقرّبة من الحشد الشعبي، مثل قناة “العهد” أخباراً تتحدث عن “فرحة عارمة” في المحافظة بسبب هذا الحدث، نشرت صفحات إعلامية أخرى ضمن المحافظة، مقاطع مصورة تُظهر التفافاً شعبياً من أبناء المحافظة حول الجبوري أثناء مغادرته لمقرّ المحافظة.
صفحات ومواقع إعلامية محلية نشرت صورة للمحافظ المُعيّن حديثاً عبد القادر الدخيل، وهو يعقد أول اجتماع له كمحافظ مع قائد “منظمة بدر” هادي العامري، مشيرين إلى الدلالة الواضحة لهذا الاجتماع، وما تؤكّده من سيطرة فصائل الحشد الشعبي على المحافظة، وتجاوزها للمؤسسات التشريعية والسياسية والإدارية داخلها.