ملخص
خالد بن سلمان يمتلك سجلاً متميزاً في بناء جسور التواصل مع واشنطن، إذ شغل منصب سفير المملكة لدى الولايات المتحدة بين 2017 و2019، وأرسى علاقات قوية مع صناع القرار الأميركيين، ما جعله شخصية محورية في الدبلوماسية السعودية
في خطوة تعكس حرص السعودية على تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وصل وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن، اليوم الثلاثاء، في زيارة رسمية تعد الأولى لمسؤول سعودي رفيع المستوى منذ تولي الرئيس دونالد ترمب منصبه في ولايته الثانية. تأتي هذه الزيارة لتؤسس لعلاقة وطيدة مع الإدارة الجديدة، في ظل تحديات إقليمية ودولية متسارعة.
خالد بن سلمان، وهو شقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يمتلك سجلاً متميزاً في بناء جسور التواصل مع واشنطن، إذ شغل منصب سفير المملكة لدى الولايات المتحدة بين 2017 و2019، وأرسى علاقات قوية مع صناع القرار الأميركيين، مما جعله شخصية محورية في الدبلوماسية السعودية. تاريخه وهو سفير شهد توقيع صفقات ضخمة، بما في ذلك اتفاقات تسليح بمليارات الدولارات.
وعلق الكاتب السعودي عبدالرحمن الراشد على استقبال “البنتاغون” الحافل للأمير في واشنطن بأنه يعكس “أهمية الزيارة في أوقات غير عادية”. ودائماً ما ارتبطت زيارات خالد بن سلمان إلى أميركا بإعلانات كبرى وأحداث كبار، مما يرجح معه أن تكون زيارته هذه المرة لها صلة وثيقة بوضع النقاط على حروف التفاهمات الاستراتيجية مع البيت الأبيض تمهيداً لزيارة ترمب إلى الرياض ولقائه القيادة السعودية والزعماء العالميين مثل بوتين وآخرين. تعيين الأمير خالد وزيراً للدفاع في 2022 عزز دوره بوصفه حلقة وصل استراتيجية، خصوصاً مع خبرته العسكرية فهو طيار سابق في سلاح الجو الملكي السعودي.
ترمب يراهن على السعودية
لم تحدد بعد تفاصيل زيارة ترمب المحتملة إلى السعودية بصورة رسمية حتى اليوم، إذ لم يعلن عن موعد أو جدول زمني محددين، لكن التصريحات الأخيرة تشير إلى نية واضحة لتعزيز التعاون، ففي مؤتمر صحافي عقد، أمس الإثنين، بالبيت الأبيض مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشاد ترمب بالسعودية، واصفاً زيارته السابقة للمملكة بـ”المذهلة”، ومثنياً على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنه “قائد عظيم يحظى باحترام عالمي”، وعلى الملك سلمان بأنه “مذهل”، مؤكداً صداقته الوثيقة مع القيادة السعودية. وأضاف أن المملكة تتطلع إلى إنهاء الحرب الأوكرانية، مما يبرز دورها المحوري بوصفها وسيطاً محتملاً.
وكان وزير الدفاع السعودي أكد أن “العلاقة مع واشنطن كثيراً ما كانت حيوية، وهي أكثر أهمية في هذه المرحلة، خصوصاً في ظل الاضطرابات التي تعيشها المنطقة”.
تعاظم نفوذ الرياض في الأوساط الأميركية بصورة لافتة بعد نجاحها في وساطة نادرة، أفضت إلى عقد أول لقاء بين واشنطن وموسكو في مدينة الدرعية التاريخية في الـ18 من فبراير (شباط) الجاري، وهي المدينة التي شهدت ميلاد الدولة السعودية الأولى قبل ثلاثة قرون. هذا الحدث عزز مكانة السعودية جسراً دبلوماسياً بين القوى الكبرى. ورأت صحف أميركية فيه “خطوة تاريخية”.
تتزامن زيارة الأمير خالد مع تصريحات ترمب في الـ12 من فبراير الجاري عن احتمال لقاء بوتين في السعودية (البنتتاغون)
تكتسب زيارة الأمير خالد أهمية خاصة كونها تمهد الطريق لتعاون أعمق مع إدارة ترمب الثانية. وبحسب مصادر أميركية، أفادت “رويترز” في الـ26 من يناير (كانون الثاني) الماضي أن ترمب اقترح أن تكون السعودية أولى وجهاته الخارجية إذا استثمرت المملكة ما بين 450 و500 مليار دولار في الولايات المتحدة، وهو ما رد عليه بإعلان سعودي في الـ22 من يناير الماضي عن استثمار بقيمة 600 مليار دولار. وأشارت “نيويورك تايمز”، اليوم، إلى أن “تاريخه سفيراً يجعل زيارة الأمير خالد نذيراً بالإعلانات الكبرى، وربما صفقات دفاعية جديدة”.
وتتزامن زيارة الأمير خالد مع تصريحات ترمب في الـ12 من فبراير الجاري عن احتمال لقاء بوتين في السعودية، وهو ما يتماشى مع تقارير “سي أن أن” التي أشارت إلى تركيز الزيارة المرتقبة على التعاون الاقتصادي والأمني، مع تأكيد السعودية رفضها خطة ترمب حول غزة.
التاريخ قد يعيد نفسه
تاريخياً، تذكر زيارة ترمب إلى السعودية في مايو (أيار) 2017 بوصفها أولى رحلاته الخارجية في ولايته الأولى، إذ عُقدت قمم دبلوماسية وصفقات اقتصادية كبرى. واليوم، تعزز زيارة الأمير خالد هذا الإرث، وسط ترقب أن تشهد الرياض لقاءات عالية المستوى إذا تمت زيارة ترمب المستقبلية، مع تركيز على الاستثمارات والأمن الإقليمي. وبهذا، ترسخ المملكة مكانتها شريكاً استراتيجياً لا غنى عنه للولايات المتحدة في عهد ترمب الجديد، معيدة صياغة تحالف تاريخي بأفق جديد.
وزير الدفاع السعودي يزور واشنطن على وقع التصعيد في المنطقة
وهذا ما أكده وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث الذي وصف المملكة بـ”الشريك العظيم” لدى مقابلته نظيره السعودي قائلاً، “إنه لمن دواعي سرورنا أن نرحب بكم في ’البنتاغون’ وبالنيابة عن الرئيس ترمب، مرحباً بكم. لقد كانت شراكتنا مع السعودية مهمة. لدينا فرص هائلة لتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب وزيادة الرخاء المتبادل”.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن الوزيرين عقدا لقاء موسعاً، جرى خلاله تأكيد “روابط الصداقة التاريخية والشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وبحث سبل تعزيزها وتطويرها في المجال العسكري والدفاعي، إضافة إلى استعراض مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية، والمساعي المبذولة تجاهها لتحقيق الأمن والاستقرار”.
زائر اللحظات الحاسمة
شهدت زيارات الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن خلال الأعوام الأخيرة تأثيراً ملحوظاً على الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة، فجاءت كل زيارة في توقيت حساس وشكلت منعطفاً رئيساً في مسار العلاقات الثنائية. في يوليو (تموز) 2021، ركزت المحادثات على التعاون العسكري والدفاعي، ضد التهديدات الإقليمية، وخصوصاً الحوثيين، فضلاً عن “إعادة ضبط العلاقات الثنائية” بين الحليفين التي اهتزت في سنة بايدن الأولى في الحكم.
شهدت زيارات الأمير خالد بن سلمان إلى واشنطن خلال الأعوام الأخيرة تأثيراً ملحوظاً على الشراكة الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة (وزارة الدفاع السعودية)
أما في مايو 2022، فقد جاءت الزيارة في سياق تصاعد التوترات العالمية بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، ولعبت دوراً مهماً في تمديد الهدنة في اليمن، وتعزيز التعاون في سوق الطاقة العالمية، كما مهدت للزيارة التاريخية للرئيس بايدن إلى جدة، بعدما كان تعهد جعل السعودية دولة منبوذة.
وفي يوليو 2023، اتسع نطاق المحادثات ليشمل تطوير الصناعات الدفاعية السعودية، وتكثيف التنسيق الأمني، مع التركيز على دور المملكة في استقرار المنطقة ضمن ترتيبات استراتيجية متقدمة، إذ جاءت في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي ألقت بظلالها على الإقليم أجمع.
بينما تأتي زيارة الأمير خالد الحالية، في وقت أفضل من جهة العلاقات مع واشنطن، إلا أنه وقت يشهد تحولات كبيرة على الساحة الدولية، بينما يسعى الجانبان إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية، وفرص الاستقرار والسلام في المنطقة بعد الحرب المدمرة في غزة وسقوط الأسد في سوريا، بعدما هيأت وساطة الرياض بين روسيا وأميركا الظروف لوضع الحرب الأوكرانية أوزارها، وإنهاء شبح اندلاع حرب عالمية ثالثة.