ملخص
هل سيكون هناك عرض “لتبادل أوكرانيا بإيران”؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فمن قبل من؟ وما الذي سيقوله أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وحلفاء الناتو الأوروبيون في هذه الحالة؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة الآن، لكن من الواضح أن أوكرانيا بالنسبة للقيادة الروسية أكثر أهمية بكثير من مصير نظام الملالي في طهران، بل وحتى من كل الروابط السياسية التي تبدو مهمة للغاية مع بلدان “الجنوب العالمي” اليوم.
يدور كثير من الأحاديث في الغرف المغلقة الآن، عن أن الفصل التالي من الدراما في الشرق الأوسط، يتمثل بشن هجوم مباشر على المنشآت النووية والمواقع الاستراتيجية الإيرانية، إذ تسعى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إلى الاستفادة من الأضرار الهائلة التي لحقت بالقدرات الإيرانية خلال العام الماضي، بعد اجتثاث نفوذها وقواتها من سوريا، وتقليم مخالبها إلى حد كبير في لبنان، فضلاً عن إضعاف قدراتها الصاروخية ودفاعها الجوي داخل أراضيها بضربات جوية شنتها إسرائيل الصيف الماضي.
جميع السيناريوهات المتداولة، سواء في مراكز الأبحاث الاستراتيجية، أو في غرف العمليات العسكرية، تدرس بعناية رد فعل روسيا المحتمل على أي هجوم يستهدف الأراضي الإيرانية، بغض النظر عن طبيعة الأهداف المراد تدميرها من خلاله، لكن الخبراء بدأوا يميلون إلى الإجماع خلال الأسابيع الأخيرة، على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيكون مستعداً للتضحية بالعلاقات مع طهران إذا اشتدت المواجهة بينها وبين الولايات المتحدة، من أجل أن يتمكن من إعلان النصر على أوكرانيا، برعاية صديقه القديم العائد للتربع على عرش البيت الأبيض “الرفيق” دونالد ترمب.
أسباب خوف إيران
في لقاء خاص مع “اندبندنت عربية” قال الخبير العسكري الجنرال الروسي المتقاعد، ألكسندر غريغوريف، إن “خسارة سوريا هي بالتأكيد خسارة كبيرة لإيران، والضربات الإسرائيلية في 26 أكتوبر (تشرين الأول) قلصت بشكل كبير قدرة طهران على الدفاع عن نفسها والرد”.
وأضاف “لكن عندما يتعلق الأمر بالحماية، فالأمر ليس واضحاً تماماً. نعم، لقد اختارت إسرائيل أهدافاً خطيرة، لكن هناك تقارير تشير إلى أن الإسرائيليين خططوا لشن ما بين ثلاث إلى خمس موجات من الهجمات، لكنهم اقتصروا على اثنتين فقط. والسبب هو أنهم واجهوا أنظمة دفاع جوي إيرانية لم تكن معروفة من قبل”.
وتابع، “من غير المرجح أن يكون الدفاع الجوي الإيراني قوياً جداً، لكننا لا نستطيع التأكد من حالته. والسؤال الأكثر أهمية هو ما إذا كان الإسرائيليون قد تمكنوا حقاً من تقليص قدرة إيران على الرد. لقد شاهدنا الضربة الإيرانية في الأول من أكتوبر، وتمكنوا من اختراق كل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية تقريباً بعدد كبير من الصواريخ. وعلى رغم أنه أصبح من الأسهل الآن على إسرائيل أن تضرب إيران وتلحق أضراراً كبيرة ببرنامجها النووي، فإن احتمال الرد الإيراني وإلحاق أضرار كبيرة لا يزال قائماً. أي إن الوضع بشكل عام غير واضح وخطير للغاية. ومن الواضح أن ما لن يعجب ترمب هو أن تسهم إسرائيل في زيادة هذا الارتباك”.
وعما إذا كان ترمب، بمشاعره المعادية لإيران، سيدعم الإجراءات الإسرائيلية؟ يشير هذا الخبير الروسي إلى أن “الرئيس الأميركي ليس لديه أي تعاطف مع إيران، لكنه يصر على أنه لا يريد الانخراط فوراً في حروب في الشرق الأوسط لم يقررها بنفسه ولا يستطيع السيطرة عليها. من حيث المبدأ، فهو يؤيد فكرة توجيه ضربات موجعة لإيران، في حال رفضها التوصل إلى اتفاق يملي هو وإدارته شروطه القاسية عليها”.
ويتابع الجنرال غريغوريف قائلاً “لاحظوا الفرق بين ترمب وبايدن والرؤساء الأميركيين الآخرين. سعى بايدن إلى تعزيز العلاقات مع أولئك الذين هم بالفعل حلفاء للولايات المتحدة، لكنه لم يكن مهتماً بالدخول في اتفاقيات مع أعداء أميركا ومنافسيها ـ بوتين، وكوريا الشمالية، وإيران. مع ترمب، الأمر على العكس تماماً. إنه غير مهتم بتعزيز التحالفات ويشكك فيها. ومعظم الزعماء الأوروبيين يخشونه وغير قادرين على التنبؤ بسياساته، لكن الرئيس الأميركي منجذب بشدة لفكرة عقد الصفقات مع الدول المعادية لأميركا أو على الأقل المنافسة لها. ومن ثم فإن فكرة الاتفاق مع إيران حاضرة في ذهنه ولو بشكل ضعيف”.
الدم… شلالات تباعد السلام بين روسيا وأوكرانيا
تجدر الإشارة إلى أنه، على عكس ممارسته المعتادة، لم يقل ترمب أثناء حملته الانتخابية أو بعد فوزه أي شيء من شأنه أن يثير نفور إيران. ويشار إلى أن ترمب كتب على منصات التواصل الاجتماعي أن التقارير التي تفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تخططان لمهاجمة إيران “مبالغ فيها إلى حد كبير”، لكن وفي الوقت ذاته، وقع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً ينص على استعادة سياسة الضغط القصوى على إيران.
وعن سعي ترمب لتغيير النظام الإيراني وإطاحته بالفعل؟ يعتبر الخبير الروسي أن “أحد التحديات التي يراها الرئيس الأميركي في تغيير النظام هو أنه بمجرد البدء في هذا التغيير، قد ينتهي به الأمر إلى أن يكون مسؤولاً عن كل ما يأتي بعده. خلال حملته الانتخابية، قال أكثر من مرة إنه غير مهتم على الإطلاق بتغيير النظام. ظهر في برنامج بودكاست يستضيفه مواطن إيراني وأحد كبار المؤيدين لتغيير النظام هناك. فقال له ترمب: اسمع، نحن لا نستطيع حتى أن نحكم بلدنا، فكيف نستطيع حتى إن نفكر في حكم الآخرين؟”.
لكن أستاذ العلوم السياسية الإيراني، روح الله مودابر، يكشف في حديث لوكالة “تاس” أن إسرائيل، في ظل عدم تحرك الأمم المتحدة لوقف عدوانيتها، لن تتوقف عند عملية ضرب لبنان وقد تغزو سوريا بعد ذلك من أجل ضرب إيران والعراق.
وبحسب قوله، هناك حقيقتان تشيران إلى ذلك: رئيس وزراء الدولة العبرية بنيامين نتنياهو قرر تسمية عمليته الإرهابية لقتل زعيم “حزب الله” حسن نصر الله بـ”النظام الجديد”، ومن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة أظهر خريطة تضم لبنان وسوريا وإيران والعراق، التي يخطط للحرب معها.
الدفاع الجوي الإيراني في حالة تأهب قصوى!
في يوم 26 فبراير (شباط) ذكرت صحيفة “تليغراف” البريطانية، أن الجيش الإيراني وضع أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى ونشر دفاعات جوية إضافية تحسباً لهجوم جوي إسرائيلي- أميركي.
وأفادت الصحيفة بأن مصدرين حكوميين رفيعي المستوى قالا إن “إيران تعزز دفاعات المواقع والمنشآت النووية والصاروخية الرئيسة، بما في ذلك نشر قاذفات دفاعية إضافية”.
وأشار أحد المصادر للصحيفة إلى أن السلطات الإيرانية تتوقع هجوماً، وتنتظره كل ليلة، والجميع في حالة تأهب تام، حتى في المنشآت السرية، والعمل على تعزيز المواقع النووية مستمر منذ سنوات، لكنه أصبح أكثر تركيزاً خلال العام الماضي، بخاصة بعد الغارة الإسرائيلية الأولى، وأن طهران تخشى من احتمال تورط الولايات المتحدة في هجوم إسرائيلي محتمل.
وفقاً لمعلومات الصحيفة، صرح قائد قوات الفضاء الجوي في حرس الثورة الإيراني، العميد أمير علي حاجي زادة، بأن طهران تعمل على تطوير نظام دفاع ضد الصواريخ الباليستية، سيكون جاهزاً بحلول شهر مارس (آذار) وسيغطي طهران ومدن كبرى أخرى. إضافة إلى ذلك، قال إن إيران تمتلك صواريخ يصل مداها إلى 2000 كيلومتر، لكنها لا تواجه قيوداً في زيادة هذا المدى.
Capture.JPG
أحاط وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجانب الإيراني باتصالات موسكو وواشنطن في شأن أوكرانيا (رويترز)
وفي وقت سابق، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مصادر استخباراتية أميركية أن إسرائيل تدرس إمكانية تنفيذ ضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية خلال العام الحالي. وقد تم إبلاغ الرئيس الأميركي بهذا الأمر. من جانبه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يأمل في “إنهاء الملف الإيراني”.
لكن صحيفة “واشنطن بوست” نقلت عن مصادر أن مثل هذه الضربات الإسرائيلية لن تؤدي سوى إلى إبطاء مؤقت لوتيرة البرنامج النووي الإيراني، “وستعوق عملهم لأشهر في أفضل الأحوال، أو ربما لأسابيع فقط”. وأوضحت المصادر أن أي عملية جوية إسرائيلية ضد إيران ستتطلب مساعدة الولايات المتحدة في مجالات الاستخبارات والمراقبة وإعادة التزود بالوقود جواً.
وعلى رغم ذلك، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” في وقت لاحق أيضاً بأن إسرائيل تعتبر اللحظة الحالية مناسبة لشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وفي حال رفضت طهران تقديم تنازلات، فإن تل أبيب تنوي الهجوم بغض النظر عن دعم الولايات المتحدة.
لافروف في طهران!
في هذه الأجواء المشحونة، أحاط وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الجانب الإيراني باتصالات موسكو وواشنطن في شأن أوكرانيا، خلال المحادثات التي احتضنتها الرياض، كما تطرق للملف النووي الإيراني والوضع في سوريا، من دون أن يقدم أي تطمينات لطهران حول العلاقات الروسية- الإيرانية.
وقال لافروف في مؤتمر صحافي عقب لقائه مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم 25 فبراير “لقد شاركت تقييماتنا للاتصالات الأخيرة مع الزملاء الأميركيين، بما في ذلك حول القضية الأوكرانية”. كما أكد الوزير الروسي لنظيره الإيراني أن جميع مشكلات الشرق الأوسط يجب حلها على أساس قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وفي تطرقه للملف النووي الإيراني، قال لافروف “تحدثنا كثيراً عن الوضع الذي تطور حول خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في شأن البرنامج النووي الإيراني، ونحن مقتنعون بأن المخرج الدبلوماسي لا يزال قائماً، ولا يمكن إهماله، ويجب استخدامه بأكبر قدر ممكن من الفاعلية من دون أي تهديدات ومن دون تلميحات إلى إمكانية التوصل إلى حلول بالقوة”. كما أكد وزير الخارجية الروسي الموقف المتبادل “لمواصلة البحث عن حلول مقبولة للخروج من الوضع الحالي” الذي لم تخلقه إيران بل سببه الغرب.
وقال خبير العلاقات الدولية فلاديمير فرولوف، الدبلوماسي السابق في السفارة الروسية في الولايات المتحدة، لـ”اندبندنت عربية” إن “لافروف لم يقدم خلال زيارته لطهران أي تطمينات للقيادة الإيرانية في شأن مظلة الحماية الروسية لإيران في مواجهة أي ضربات محتملة، بل حاول جس نبض الملالي ورد فعلهم على أي وساطة قد تتولاها موسكو لتقريب وجهات النظر بينهم وبين إدارة ترمب”.
بوتين وترمب و”تغيير النظام” في إيران
السؤال الراهن حالياً هو، هل سيتغير موقف روسيا من إيران بعد تدخل الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الأزمة الأوكرانية؟ كل هذا لا يعتمد فقط على مدى نجاح التقارب الروسي-الأميركي في فرض حلول للأزمة الأوكرانية وحدها، بل أيضاً على التسويات التي يمكن أن يتم التوصل إليها في ما يخص العلاقات الروسية مع الغرب الجماعي، وعلى رأسها وقف توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) باتجاه الشرق، واتفاقات الأسلحة الاستراتيجية، والمسائل العالقة في الفضاء السوفياتي السابق، وهنا يتوقع كثير من الخبراء الروس حدوث تغييرات دراماتيكية في السياسة الأميركية.
ومع ذلك، لا يستبعد هؤلاء الخبراء أن تراهن واشنطن على تغيير النظام في طهران، إذا ما فشلت في التوصل لاتفاق صارم يمنع طهران من الحصول على سلاح نووي. علاوة على ذلك، فإن أحد الأهداف الرئيسة للسياسة الخارجية للإدارة الأميركية الحالية يتمثل ليس فقط في رعاية إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والسعودية، بل وجر لبنان وسوريا أيضاً إلى التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يحاول الإيرانيون منعه بكل الطرق لأنه يقلص نفوذهم إلى أدنى حد ممكن.
وتشن إسرائيل بالفعل حملة دعائية نشطة داخل إيران، تهدف بوضوح إلى زعزعة أسس نظام الملالي. ولعل الأمير رضا بهلوي، الشخصية الأبرز في المعارضة الإيرانية، كان نشطاً للغاية في الآونة الأخيرة. وفي عهد ترمب، قد يصبح تغيير النظام أيضاً سياسة معتمدة في واشنطن في حال فشل الوسائل الأخرى.
1091738-1009096833.jpg
التقارب الروسي الأميركي سيلقي بظلاله على موقف واشنطن من إيران (رويترز)
في هذه الحالة، قد يكون الحد من التعاون العسكري مع إيران وحلفائها هو الثمن الذي سيكون بوتين على استعداد لدفعه مقابل وقف إطلاق النار في أوكرانيا بشروط مواتية له. احتمالية حدوث هذا الأمر اليوم كبيرة، وتتزايد يوماً بعد يوم. وعلاوة على ذلك، إذا كانت واشنطن تراهن على إطاحة النظام الإيراني، فمن الواضح أن الكرملين لن يرغب في الوقوف علناً إلى جانب طهران.
هل سيكون هناك عرض “لتبادل أوكرانيا بإيران”؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فمن قبل من؟ وما الذي سيقوله أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وحلفاء الناتو الأوروبيون في هذه الحالة؟ لا أحد يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة الآن، لكن من الواضح أن أوكرانيا بالنسبة للقيادة الروسية أكثر أهمية بكثير من مصير نظام الملالي في طهران، بل وحتى من كل الروابط السياسية التي تبدو مهمة للغاية مع بلدان “الجنوب العالمي” اليوم.
روسيا وإيران واتفاقية الشراكة!
وقع فلاديمير بوتين “اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة” مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أواخر عام 2024 الماضي. ووقع بوتين وثيقة مماثلة مع كيم جونغ أون في كوريا الشمالية في عام 2023. وتلتزم أطراف هذه الاتفاقيات بدعم بعضها البعض سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
وقد أرسلت كوريا الشمالية بالفعل قواتها إلى منطقة كورسك الروسية التي استولت عليها أوكرانيا بموجب اتفاق مماثل، لكن وبحسب بيان وزارة الخارجية الإيرانية، فإنه لا يوجد أي بند في شأن الحماية العسكرية في الاتفاق مع روسيا. ويرى المحلل العسكري يوري فيدوروف أن إيران لن ترسل جنودها إلى الجبهة لأنها تعاني ما يكفي من مشكلاتها العسكرية والاقتصادية.
ويتحدث المستشرق رسلان سليمانوف أيضاً عن المشكلات التي تراكمت لدى إيران خلال الأشهر القليلة الماضية. وبحسب قوله فإن الشريك الاستراتيجي لروسيا أصبح ضعيفاً بسبب سقوط نظام الأسد في سوريا وهزيمة “حزب الله” في لبنان وأزمة الطاقة. علاوة على ذلك، تبادلت موسكو وطهران الاتهامات بشكل غير علني في شأن الإخفاقات العسكرية خلال الأشهر الأخيرة.
آفاق التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران محدودة للغاية. ويوضح المستشرق رسلان سليمانوف في مقابلة مع قناة “كورانت تايم تي في” لإيليا كوزين “لن يكون هناك تحالف عسكري بين روسيا وإيران. لقد تحدث مسؤولون إيرانيون، بمن فيهم السفير الإيراني في موسكو، عن هذا. هناك عدم ثقة كبير بين موسكو وطهران. لا تريد موسكو ولا طهران المشاركة في المغامرات العسكرية لبعضهما البعض، لذلك سيبقى كل شيء، من حيث المبدأ، كما كان”.
أما رئيس تحرير صحيفة “نوفايا غازيتا إيفروبا” كيريل مارتينوف، فيقول “من اللافت للنظر أن أكبر اقتصادين في العالم، يخضعان للعقوبات هما إيران وروسيا، وكلاهما متخصص في تصدير موارد الطاقة، لهذا أصبحا فجأة مضطرين لأن يكونا صديقين لبعضهما البعض. على رغم أنه في الواقع، وعلى رغم الشراكات التجارية والعسكرية أو العلمية، والطاقة النووية، وحتى طائرات (الشاهد) سيئة السمعة التي تزود بها إيران روسيا، فإنهما ليس لديهما ما يقدمانه لبعضهما البعض على المستوى العالمي”.
الخبير كيريل مارتينوف يقول بسخرية إن الجانب الروسي يرسل إشارات منتظمة “بالطبع، كنا على حق في كل شيء، والعقوبات ليست مخيفة بالنسبة لنا على الإطلاق”، كما يقول جميع المسؤولين، بما في ذلك لافروف وبوتين نفسه. “لكن في الوقت نفسه، إذا تم رفعها، فسيكون ذلك عادلاً للغاية، ونحن نريد ذلك حقاً”. وفي نهاية العام الثالث من الحرب، أصبحت هذه الرواية راسخة إلى حد ما.
يبدو أن إحدى المشكلات في التركيز على إيران هي أنه في سياق العقوبات يصبح من الصعب للغاية على النخب الروسية الأوليغارشية تجميع نفس القدر من الثروة، ومن الصعب للغاية الاحتفاظ بها في مكان لا يستطيع شعب روسيا الوصول إليه، على سبيل المثال. وبعد كل شيء، كانت روسيا منصة لممارسات الخصخصة ونهب الملك العام، ومن ثم كان من الضروري تحويل جزء كبير من هذه الأموال إلى أنواع مختلفة من الحسابات الخارجية. والآن، مع العقوبات، أصبح القيام بذلك أكثر صعوبة. على الأقل هذا السبب يقودنا إلى حقيقة مفادها أن “العقوبات لا تضر بالمواطن العادي، لكن بشكل عام يعلن رجال النخبة الأوليغارشية رغبتهم في رفعها والتخلي عنها، حتى لو كان هذا على حساب الشراكة الاستراتيجية مع إيران”.
عالم السياسة ألكسندر موروزوف يعتبر أن “توقيت مثل هذا التحالف بين موسكو وطهران غريب جداً. وبعد كل هذا، فإن هذا الأمر تناقشه الآن الهيئات الحكومية الأميركية. وأعتقد أن الكونغرس الأميركي والغالبية الجمهورية فيه سينظرون باستغراب عميق إلى محاولات ترمب التفاوض مع بوتين، الذي اتفق للتو مع أسوأ عدو للولايات المتحدة على شراكة استراتيجية شاملة”.
تعهد بعدم مساعدة المعتدي!
لكن في اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعها رئيسا إيران وروسيا عقب مفاوضات في موسكو في يناير الماضي، تعهدت الدولتان فقط بعدم السماح باستخدام أراضيهما “لغرض دعم الحركات الانفصالية وغيرها من الأعمال التي تهدد الاستقرار والسلامة الإقليمية، فضلاً عن الأعمال العدائية ضد بعضهما البعض” وليس أكثر من ذلك، أي إن التزامات الطرفين لا تتعدى الامتناع عن مساعدة المعتدي على أحدهما، وليس تقديم مساعدة فاعلة لرد الاعتداء وصده.
وهذا يعني أنه لا يجوز لروسيا وإيران، في حال تعرض أحدهما لهجوم من قبل المعتدي، تقديم أي مساعدة لهذا المعتدي، بحسب ما جاء في نص اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين موسكو وطهران.
وكان هذا الاتفاق ساري المفعول من قبل، حيث وردت الصياغة المقابلة له في الاتفاقية الروسية- الإيرانية في شأن أساسات العلاقات ومبادئ التعاون لعام 2001. وقد استرشدت موسكو وطهران بأحكام هذه الوثيقة حتى يومنا هذا.
ويشير الاتفاق الجديد أيضاً إلى أن روسيا وإيران التزمتا بمنع استخدام أراضيهما “لغرض دعم الحركات الانفصالية وغيرها من الأعمال التي تهدد الاستقرار والسلامة الإقليمية، فضلاً عن الأعمال العدائية ضد بعضهما البعض”.
وكما جاء في الوثيقة، تعتزم موسكو وطهران تعزيز علاقاتهما على أساس مبادئ المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية والاستقلال وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض واحترام السيادة والتعاون والثقة المتبادلة. وتؤكد الاتفاقية أن “الأطراف المتعاقدة ستتبع سياسات الدولة القائمة على الاحترام المتبادل للمصالح الوطنية والأمنية، ومبادئ التعددية، وحل النزاعات سلمياً، ورفض الأحادية القطبية والهيمنة في الشؤون العالمية، وتعارض تدخل أطراف ثالثة في الشؤون الداخلية والخارجية للأطراف المتعاقدة”.
إمدادات الأسلحة على أساس تجاري!
وبغض النظر عن بنود وشروط اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، فإن التعاون العسكري التقني بين روسيا وإيران يمكن أن يكون أكثر جدية. على سبيل المثال، قد تبيع روسيا لإيران دفعة من مقاتلات “سو-35” التي تم تجميعها في وقت سابق لبيعها إلى مصر كجزء من صفقة فاشلة. وقد أبدت إيران اهتمامها بشراء هذه الطائرات.
ومن شأن وجود مثل هذه المقاتلات أن يؤدي إلى تعقيد العمليات الجوية ضد إيران. اليوم، لا يملك سلاح الجو الإيراني سوى بضع عشرات من الطائرات المقاتلة، روسية الصنع وأميركية قديمة الطراز، متبقية منذ عام 1979.
في ربيع عام 2023، نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية عن مسؤول مجهول في بعثة إيران لدى الأمم المتحدة قوله إن الصفقة اكتملت، لكن لم ترد أي تقارير إعلامية عن تسليم الطائرات إلى إيران منذ ذلك الحين.
ولا تزال أكثر من 20 مقاتلة من الطراز المذكور التي جرى تصنيعها للجانب المصري، رابضة في موقف المقاتلات بمطار مصنع الطيران في الشرق الأقصى الروسي ويمكن حتى رؤيتها على خرائط “غوغل”.
كذلك يمكن لروسيا أن تنقل إلى إيران أنظمة دفاع جوي، مثل أنظمة الصواريخ قصيرة المدى “بانتسير-أس1”. ويمكن استخدامها لحماية أنظمة الدفاع الجوي طويلة المدى أو أهداف أخرى من الضربات الصاروخية الإسرائيلية.
1091324-1392295353.jpg
على عكس بايدن يحتفظ ترمب بعلاقات طيبة مع بوتين (رويترز)
في عام 2023، أشاع البيت الأبيض أن مجموعة “فاغنر” الأمنية الروسية الخاصة، تخطط لنقل مثل هذا النظام إلى “حزب الله” أو إيران. وفي ذلك الوقت، صرح ممثل وكالة الأمن القومي الأميركية جون كيربي، أن الأميركيين يستعدون لتطبيق “عقوبات مكافحة الإرهاب ضد الأفراد والكيانات القانونية الروسية” إذا حدثت مثل هذه التسليمات. لكن لم ترد أنباء لاحقة في شأن تنفيذ هذه الخطط.
وفي المقابل، يمكن لإيران أن تزود روسيا بالصواريخ الباليستية- العملياتية التكتيكية أو حتى قصيرة المدى. لو تمكن الجيش الروسي من الحصول على مثل هذه الصواريخ، فإن ذلك من شأنه أن يغير الوضع في أوكرانيا بشكل كبير. الحقيقة هي أن إسقاط الصواريخ الباليستية أصبح أكثر صعوبة، كما أن مخزونات روسيا منها تقلصت، وتستخدمها روسيا بشكل أقل من الصواريخ المجنحة.
وفي حالة اندلاع حرب مع إسرائيل، فإن إيران التي تقع على بعد ألف كيلومتر من إسرائيل، ستستفيد من الصواريخ متوسطة المدى، في حين تحتاج روسيا إما إلى صواريخ عملياتية تكتيكية أو صواريخ قصيرة المدى يصل مداها إلى 500 كيلومتر. ولذلك فإن هذه الإمدادات لن تؤثر في قدرة إيران على قصف إسرائيل.
وكانت الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا قد اتهمت إيران رسمياً بتزويد روسيا بالصواريخ الباليستية. وبحسب المعلومات التي وصلت للصحافة فإن هذه الصواريخ وصلت بالفعل إلى روسيا لكن هذه الصواريخ الإيرانية لم تستخدم ضد أوكرانيا. وأعلنت إيران رسمياً أنها لم تسلم مثل هذه الصواريخ إلى روسيا.
وتشكل الطائرات المقاتلة والصواريخ الباليستية أكبر عمليات التسليم الفاشلة التي خرجت إلى النور بسبب تسرب المعلومات إلى الصحافة.
لكنها تظهر أن إمكانات التعاون العسكري التقني بين إيران وروسيا كبيرة ويمكن أن تؤثر في الوضع في منطقة الشرق الأوسط.
لكن مثل هذا التعاون يؤثر في مصالح إسرائيل، التي تربطها بروسيا علاقات، إن لم تكن وثيقة جداً، فهي على الأقل ليست أقل ودية من العلاقات الروسية- الإيرانية. ولم تقم إسرائيل حتى الآن بتزويد أوكرانيا بأسلحة فتاكة، على الأقل ليس بشكل علني، على رغم وجود طلبات من القيادة الأوكرانية منذ فترة طويلة.
كييف مهتمة بأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ذات الفاعلية العالية مثل القبة الحديدية، لكن من غير المرجح أن تنقل إسرائيل أنظمة الدفاع الجوي من جيشها النشط إلى أوكرانيا.
إن العلاقات الدولية بين بلدان الشرق الأوسط متشابكة إلى درجة أن أي تدخل مكثف من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة من المشكلات مع البلدان الأخرى.
وعلى أية حال، من الواضح أن موسكو وطهران تحاولان مناقشة جميع التفاصيل قبل تصعيد الوضع في المنطقة، لكن ليس انطلاقاً من أي تحالف استراتيجي بين البلدين، بل أخذاً في الاعتبار تقاطع المصالح وليس أكثر.
أمن إسرائيل فوق كل اعتبار!
إسرائيل سعيدة بأي شيء يمكن أن يضعف إيران بشكل جذري، ويقضي على إمكانية التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وطهران، ويمنع الأخيرة من التعافي من الأضرار التي لحقت بها. بالنسبة لإسرائيل، هذه مسألة مبدأ.
فبنظرة عاجلة على ما تقوم به إسرائيل في سوريا، على رغم عدم معرفتها بطبيعة ونوع النظام الذي سيتشكل هناك، وربما يكون حكومة ديمقراطية مستعدة للتطبيع معها. لا يهم. إنهم يقصفون كل الأهداف العسكرية لأن إسرائيل تتبع النهج الكلاسيكي ـ فالنوايا ليست مهمة، بل الإمكانات هي الأهم. إنهم يريدون التأكد من أن سوريا، مهما كانت، لا تملك القدرة على أن تشكل تهديداً لإسرائيل، أو حتى مشكلة. والشيء نفسه ينطبق على إيران.
وهناك كثير من النخب الروسية، وكذلك الأميركية، التي تتعاطف مع إسرائيل في مسعاها لإزالة أي تهديد ولو مستقبلي وبعيد المدى في إيران، فقد يختلف الروس والأميركيون على جنس الملائكة وحول أمور كثيرة، لكنهم متفقون على أن أمن إسرائيل فوق كل اعتبار، وأهم لديهم من كل علاقاتهم سواء مع العرب أو الإيرانيين أو حتى مع تركيا التي هي عضو في حلف شمال الأطلسي، وما حدث في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية يؤكد ذلك ويثبته بالدليل القاطع.
فالكرملين في قرارة نفسه يعتبر أن السياسة الإيرانية في دعم “حماس” أو حتى “حزب الله” بمثابة عبء دولي غير ضروري. وإيران، في نظره، تفعل ذلك على حساب مصالحها الوطنية.
هناك بعض فقدان للذاكرة التاريخية هنا، إذ كان شاه إيران، على رغم علاقاته الموالية آنذاك لأميركا بشكل كامل، إلا أنه قد استثمر بشكل كبير في الشيعة وبخاصة في لبنان. وكان ينظر إلى إيران كدولة شيعية فارسية وحيدة في محيط من السنة والعرب. ومول حلفاء محتملين في أماكن مختلفة، لكن لم يكن هناك أي عنصر أيديولوجي في هذا. وقد أضاف النظام الإسلامي في إيران هذا الأمر، وبدرجة كبيرة جداً، لكن بشكل عام فإن المخطط الذي استخدمته الجمهورية الإسلامية كان موجوداً من قبل، لكن بشكل مختصر.
وتعتبر الاستخبارات الخارجية الروسية أن هناك انزعاجاً واضحاً داخل الطبقة الحاكمة في إيران بسبب عدم اتخاذ أي خطوات حتى الآن نحو امتلاك الأسلحة النووية، وهناك تململ من اتباع خط الصبر الاستراتيجي. وتقع المسؤولية في هذا على عاتق المرشد الأعلى، فهو كان بطيئاً، وحذراً، وتصرف في وقت متأخر عن اللازم، وأقل من اللازم عندما كان الرد مطلوباً. ولقد نجحت إسرائيل في إلحاق كثير من الضرر على جميع الجبهات.
نقاط قوة إيران
بحسب ملاحظات رئيس تحرير صحيفة “نوفايا غازيتا إيفروبا”، كيريل مارتينوف، تظل إيران واحدة من أكبر اللاعبين في الشرق الأوسط، على رغم ضعف مكانتها. فهي لا تزال تمتلك قوة عسكرية كبيرة وإمكانات عظيمة لرعاية الجماعات والأذرع الصديقة في المنطقة. وحقيقة أن هناك الآن رابطاً مباشراً رسمياً محدداً بين روسيا وإيران، تعني بطبيعة الحال أن المصالح الروسية في المنطقة ستؤخذ في الاعتبار بطريقة أو بأخرى.
طهران طلبت من روسيا التعاون في مجال الاستطلاع عبر الأقمار الاصطناعية قبل الهجوم الذي تتوقعه عليها. ولم يعرف بعد أن إذا كانت موسكو قدمت أي رد، لكن ما يمكن استنتاجه من هذا الطلب، يتمثل في أن طهران لا تعول على أكثر من مساعدة استطلاعية- استخباراتية وليس على دعمها ومناصرتها عسكرياً وسياسياً.
من الناحية العسكرية، كلا الجانبين مستعدان للصراع، واحتمال اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط مرتفع للغاية. هدف إسرائيل هو إضعاف إيران لدرجة إجبارها على وقف برنامجها النووي والكف عن رعاية أعدائها:” حزب الله”، و”حماس”، و”الحوثيون” في اليمن. وتهدف الولايات المتحدة إلى استعادة نفوذها في الشرق الأوسط، ودفع دول الخليج وكذلك لبنان وسوريا لاستئناف حوار السلام مع إسرائيل.
المعركة الآن تدور فقط حول من سيعتبر المعتدي في هذه الحرب. الجميع يريدون أن يتخيلوا أنفسهم يدافعون عن أنفسهم ولا أحد يهاجمهم. وهذا مهم بشكل خاص بالنسبة للغرب الذي تقوم دعايته على أن “إيران الشريرة هاجمت إسرائيل، ونحن نساعدها في الرد”.
المتخصص في شؤون إيران والشرق الأوسط، إيغور بانكراتينكو، يقول “كما قلت مراراً وتكراراً وسأستمر في القول، هناك اتفاق غير معلن منذ فترة طويلة بين بوتين ونتنياهو في شأن القضيتين السورية والإيرانية، وهو الاتفاق الذي يلتزم الكرملين، من جانبه، بشروطه بشكل صارم. وهذا يعني أن مراعاة مصالح إسرائيل أكثر أهمية بالنسبة لموسكو من الشراكة مع إيران. وإذا حدث أي شيء، فإن الجانب الروسي لن يفوت فرصة الضغط على الإيرانيين وليس مساعدتهم”.
المزيد عن: روسياالولايات المتحدةإيرانأوكرانيافلاديمير بوتينطهرانكييف