صحيح ان هناك بعض الأقزام والعنصريين ( متعددي القومية والطوائف ) يخرجونني عن طوري أحيانا، وحتى هذه الدقيقة، لكن وفي الجانب الآخر أقرأ لمئات من السوريين ( ومن كافة الطوائف والملل أيضا ) فرحتهم بمشاركة الشعب الكردي كقومية أو كشعب له ما له وعليه ما عليه في سوريا، وهؤلاء من يهمونني، وهؤلاء من سأقرأ لهم الشعر واستمع إليهم وأعيش معهم، هؤلاء كنت أبحث عنهم، عندما كان الأقزام يوصمون شعبنا الكردي بالانفصالية وال.. وال.. لا بأس اليوم تتبدد الغشاوة، أما من ” طمَش ” عينيه بغشاوة العنصرية والتطرف فلن يغبروا على طريق شعب او شعوب تعبت من الحرب والقتل والدمار والقمع، واختارت ان تعيش وتبني. ( هل أنا متفاءل أكثر من اللازم ؟ )
ربما من الصعوبة بمكان ان يفهم الكل ما عاناه شعبنا الكردي، لأنهم لم يعيشوا التجربة ذاتها، فمثلا: تصور ان تذهب الى النفوس لتسجيل ابنتك وتختار لها اسم بيريفان، فيرفض الموظف ويعنفك، ويختار لها إسما يعتقد انه يحمي عروبته وبعثه، فيبدل اسم بيريفان الى : حلّابة واسم برزان الى خيزران، واسم قرية قرب دجلة الى الجليل او يافا ( دعما لفلسطين على اساس ).
وناس تفكر سنة كاملة بكيفية الخروج يوم نوروز ليفرحوا ويرقصوا دون ان يتم اعتقالهم، فتحيط بهم سيارات الستيشن البيضاء مدججة بالبنادق، بانتظار الهجوم عليهم.
تذهب عائلة معهم مريض للعلاج من السرطان الى دمشق، فتنام في الشوارع وأرصفة المرجة، لأن الفنادق لا تستقبلهم، ( لأنهم أجانب أو مكتومو القيد )، وهذا المكتوم القيد الذي كان ممنوع من التوظيف كان يضطر ان يعمل ” بويجيا ” كي لا يسرق، فيسمون شعبنا بالبويجية، طلاب تخرجوا من الجامعات ولم يحصلو على شهاداتهم، ولم يسمح لهم بالتوظيف فراحوا يعملون على عربات خضرة في الحارات، تشتري عقارا فلا يسمح لك بتسجيله في السجل العقاري لانك كردي، آبار النفط موجودة في ” حوش ” الكردي بمناطق ديرك ورميلان وكركى لكى وتربسبيى وأطفاله حفاة، يتضورون جوعا ويرتجفون من قر الشتاء.
كل شيء تقوم به يعرضك للمساءلة، حتى حين تتزوج وتريد ان تسجل عقد زواجك يجب ان تحصل على الموافقات الأمنية فروع الجوية او السياسية وغيرها مثلا.
في العسكرية ( لمن لم تسحب هويته ) كان يقضي الكردي أيامه مرعوبا ليس خوفا من الحرب، بل من ضابط الأمن، ( في الدورة العسكرية بمدرسة المشاة ) وليلة انتهاء الدورة قررنا مجموعة من الكرد ان نحتفل في المهجع، كان بيننا عازف ولديه طنبورة أدخلها بعد دفع الرشاوي، وما ان بدأ بأول موال، حتى فتحوا الشباب الطيبة باب المهجع علينا، وكسروا الطنبورة، و” حلقوا رؤوسنا عالصفر” وفي اليوم التالي وبخونا في الساحة العامة، قبل ان يسلومنا مهماتنا للتوجه الى الجبهات ” لمقارعة العدو الصهيوني “.
وسأورد مثالا أخيرا وأسكت : ” ذات ليلة طرق باب بيتي واذا بموتور يقوده رجل أمن وبيده دفتر جاء ليحقق معي، وما ان جلس فتح دفتره وسأل : استاز طه وصلنا انك أقمت أمسية شعرية ببيتك وحضرها حوالي عشرين شخص، ( أنا لا أمزح ) ممكن تقول لنا ليش هالتجمعات وتعطينا اسماء المشاركين واسماء الذين قرأوا الشعر.؟
– والله لم يحدث هذا في بيتي.
– طيب مين في غيرك شاعر بهالشارع.؟
– لك خيو كل الشعب الكردي شعراء.. شو بيعرفني.
يعني اكيد مو ببيتك.؟
– لا والله.
– طيب.
ثم سكت.. وهنا احضرنا له القهوة، وبعد قليل، وحين شعرت انه تنفس من مهمته سألته:
– ابو………. ممكن اسألك سؤال.؟
– تفضل .
– شو المشكلة يعني اذا قعدوا عشرين شخص وقرو شعر.؟
ففكر قليلا .. ثم نظر الي مستغربا وقال كما لو انه اقتنع انه لا مشكلة و أجاب: لك عيفنا يا زلمة.
وقبل ان ينهض حدثني ان إبنته الصغيرة مريضه، فأعطيته اللازم، ركب موتوره وانطلق باتجاه شارع وشاعر آخر.
تحياتي لكل أصدقائي السوريين الشعراء والفنانين والكتاب، وصيادي السمك والصقور، والذين لا عمل لهم ايضا، لكن قلوبهم مملوءة بالحب والإنسانية.. تعالوا نفتخر ببعض وليتوقف هذا العهر الذي ابتلينا به جميعا، وليتوقف الدم، فلي رغبة بالذهاب الى البحر لصيد السمك حقيقة وللفرات كذلك… ولننس الموتورين والعنصريين جميعا.