انعقد اجتماع جدة بين الوفدين الأميركي والأوكراني للتباحث في شؤون وقف إطلاق النار بعد نحو شهر من الاجتماع الشهير بين الوفدين الأميركي والروسي والذي نشر أجواء الخوف في أوروبا. فقد رأت الأخيرة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب “تخلى” عن الحلفاء التقليديين في تقرير مصير الحرب التي تجري على أراضيهم للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. كما انعقد بعد أقل أسبوعين على المشادة الكلامية الشهيرة في البيت الأبيض أواخر شباط (فبراير).
ستكون تهدئة الأميركيين الهدف الأول من حضور اللقاء، لكنه لن يكون الأخير. تريد أوكرانيا أن تجذب الولايات المتحدة إلى صفها، لكي يكون لها فرصة التوصل إلى اتفاق منصف، والأهم، اتفاق تحميه ضمانات أمنية. حالياً، يبدو أن أقصى ما قد تبلغه أوكرانيا هو ما كان متوفراً قبيل اللقاء العاصف بين ترامب وزيلينسكي: تسوية يحميها الانخراط الأميركي المفترض في اتفاقية الموارد المعدنية الأوكرانية. حتى هذا الافتراض مشوب بعيب أساسي، إذ قد يتبين أن أوكرانيا ليست غنية بهذه الموارد كما تم الترويج له، مما يضع أي اتفاق مشترك على المحك.
تمر أوكرانيا في ظرف قاسٍ. شن الروس في الأيام القليلة الماضية هجوماً مضاداً في كورسك يبدو أنه يؤتي ثماراً تدريجية بالنسبة إلى روسيا. تداول ناشطون أوكرانيون على “أكس” مقاطع فيديو لجنود يقولون إنهم يشتبهون في أن تكون مواقعهم قد كُشفت عمداً. كان ذلك بحسب المراقبين المؤيدين لأوكرانيا اتهاماً للإدارة الأميركية بأنها منحت روسيا معلومات حساسة عن مواقع الجنود الأوكرانيين في الجيب الروسي الضيق، والذي يزداد ضيقاً، منذ سيطرت عليه أوكرانيا أواسط الصيف الماضي.
إذا صحت هذه الأنباء فقد يكون ذلك في سياق حزمة “ضغط أقصى” على الأوكرانيين. فبعد المشادة الكلامية الأخيرة، قطعت أميركا الدعم العسكري كما المعلومات الاستخبارية عن أوكرانيا. يوم الأحد، قال ترامب إنه رفع “تقريباً” وقف التعامل الاستخباري مع أوكرانيا وكان ينظر في تعريفات جديدة على روسيا. وأضاف وزير خارجيته ماركو روبيو يوم الاثنين إن “وقف المساعدات بشكل عام هو أمر آمل أن أستطيع حله”. لكنه أضاف أنه سيكون “من الأساسي” مراقبة كيف تتصرف أوكرانيا يوم الثلاثاء.
يبدو أن أوكرانيا تصرفت “بشكل حسن” يوم أمس. فقد أعلن بيان أميركي – أوكراني مشترك مساء الثلاثاء أن كييف تدعم اقتراح واشنطن بهدنة مدتها 30 يوماً في الحرب مع روسيا. وأعلن البيان أن الولايات المتحدة ستوقف فوراً تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا وتعليق تبادل المعلومات الاستخبارية، إلى جانب اتفاق البلدين على إبرام اتفاقية المعادن في أقرب وقت ممكن. وقال روبيو إن واشنطن ستنقل العرض إلى الروس مشيراً إلى أن “الكرة باتت في ملعبهم”.
ربما يتحول الضغط الآن إلى روسيا. ففي تقرير لـ “الإندبندنت”، ينقل سام كيلي عن “كالاس”، وهو قائد كتيبة أوكرانية على الجبهة الشرقية، قوله إن الروس باتوا أضعف حالياً من المتصور إذ إنهم “يبطئون الوتيرة، ويرسلون مجموعات أصغر بكثير وعاجزون عن تحقيق أي خطوات مهمة في الشرق”. وأضاف أنهم “مرعوبون من مسيراتنا”. وكانت أوكرانيا قد شنّت هجوماً بأكثر من 330 مسيّرة على موسكو قبل انعقاد الاجتماع.
لا شك في أن البعض بدأ يتنفس الصعداء. الضابط البريطاني السابق تيم كولينز كتب مساء الثلاثاء في “تلغراف” أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “لم يعد يضحك على الأرجح” بعد البيان الصادر من جدة. مع ذلك، رأى كولينز أن الرئيس الأميركي سيقول للأوروبيين إنه قد حان الأون لتصنيع مظلتهم النووية الخاصة بما أن أميركا ستكون مشغولة الآن في المحيط الهادئ.
من جهته، شكر زيلينسكي مساء الثلاثاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب على جهوده، قائلاً إنه لو تمكن من إقناع الروس بالعرض فسيحصل وقف إطلاق النار بشكل فوري.
يمكن أن تكون أوكرانيا قد حصلت أخيراً على بعض الأنباء السارة بعد فترة طويلة من التطورات السلبية. ما إذا كانت هذه الأنباء ستتوالى قضية أخرى مشكوك بها، في ظل إدارة ترامب.