الإعلان الدستوري الذي تم اعتماده مؤخراً يُعبّر عن استمرارية النهج الإقصائي الذي لطالما اتبعته الأنظمة المتعاقبة في سوريا، بدلاً من كونه وثيقة توافقية تعبر عن إرادة جميع السوريين بكل مكوناتهم وأطيافهم، فهو يؤسس لمزيد من الانقسام والمشكلات على المستوى الوطني لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح كافة السوريين، بل يُكرس هيمنة فئة معينة على حساب بقية المكونات، ويمنحها الأفضلية في صياغة مستقبل البلاد. إن الإبقاء على دين الرئيس والمصدر الأساسي للتشريع كمرجعية دينية هو إعادة إنتاج لنموذج يستند إلى هويات دينية ضيقة، مما يعزز التمييز ويمنع بناء دولة مواطنة تقوم على المساواة الحقيقية بين كافة مكونات الشعب السوري. هذه النقطة بالذات تمثل تناقضاً مع مبدأ حيادية الدولة تجاه الأديان الذي يُفترض أن يُبنى عليه أي نظام ديمقراطي حديث.
كما يتجاهل الإعلان الدستوري الاعتراف بحقوق القوميات والأقليات الاخرى بشكل صريح، مما يُعد تراجعاً عن الاتفاق الذي جرى بين رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، حيث كان من المفترض أن يُشكل ذلك الاتفاق خطوة نحو معالجة القضية الكردية ضمن إطار وطني سوري، إلا أن الإعلان الدستوري الحالي يتنصل منه ويحول الموضوع إلى تنوع ثقافي .
لم يُشر الاعلان إلى أي توجه نحو اللامركزية السياسية أو الإدارية التي طالبت بها العديد من المكونات السورية، بل على العكس، فهو يعيد إنتاج ذات المركزية السلطوية التي كانت سبباً رئيسياً في الصراع السوري وعمّقت الشعور بالتهميش لدى الأطراف والمكونات غير العربية .
ان الإصرار على الاحتفاظ باسم “الجمهورية العربية السورية” دون أي تعديل هو تعبير عن إقصاء الهويات الأخرى في البلاد، خصوصاً القومية الكردية وغيرها من الأقليات التي تعيش في سوريا منذ قرون. إن هذه المسألة ليست رمزية فقط، بل تعكس عدم الرغبة في الاعتراف بالتعددية القومية في البلاد.
إن الإعلان الدستوري الذي يُفترض أن يكون مدخلاً لبناء عقد اجتماعي جديد بين كافة السوريين، جاء مُحبطاً ومُكرساً للإقصاء. وإذا لم يتم تصحيح مساره وتعديله بشكل يعكس تطلعات جميع المكونات السورية، فإن المشكلة السورية ستبقى مستمرة، وربما تتفاقم لتأخذ أبعاداً أخطر وأكثر تعقيداً.
سيكون لنا عودة لمناقشة الفقرات الأخرى وخاصة صلاحيات الرئيس وآليات عزله ،وتعين مجلس الشعب وصلاحيات المحكمة الدستورية في قراءة أخرى .