تقف الذاكرة الجماعية اليوم عند منعطفٍ زمني حافل بالوجع والأمل، ذكرى اغتيال كمال جنبلاط، الزعيم والمفكر الذي حوَّل أفكاره إلى شظايا نور في ظلام التاريخ. لم يكن رجلاً عاديّاً، بل كان مدار للثورة والفلسفة، ترك في جسد لبنان جرحاً لا يندمل، وفي ضميره بصمة تتحدى النسيان. هذا العام، تحمل الذكرى نَفَساً مختلفاً، كأنما الزمن يلفُّ على نفسه ليُعيد ترتيب الأوراق بعد زلزال التغيرات، سقوط نظام الأسد الذي ظلّ لسنوات ظلاً ثقيلاً، والقبض على إبراهيم حويجة، أحد أطياف الماضي التي طالما راوغت العدالة. هنا، حيث تلتقي الأقدار بالتاريخ، يُنتظر أن تكون كلمة وليد جنبلاط، كالسيف الذي يشقُّ الضباب، خريطة طريق لمرحلةٍ جديدة تمتد جذورها من جبال لبنان إلى سهول سوريا، ومن أرض فلسطين إلى قلوب دروز الشرق.

وفي لفتةٍ تحمل في طياتها رموزاً كالورود المُعلَّقة على جدار الذاكرة، وقفت بهية الحريري، برفقة وفدٍ من “تيار المستقبل”، أمام ضريح الرجل الذي جمعته برفيق الحريري رحلةٌ واحدة: رحلة البحث عن وطن. لم تكن الزيارة مجرد إيماءة وفاء، بل إشعالٌ لشمعة في درب الحلم المشترك. رسالة الرئيس سعد الحريري جاءت كنداءٍ يخترق الغيوم: “الحلم لم يمت”. إنه الحلم ذاته الذي رسمه جنبلاط ورفيق الحريري بدمائهما: لبنان ليس قبيلةً متنازعة، ولا ساحةً للسلاح الفوضوي، بل شجرة دستورٍ تُثمر عدلاً، وجسداً واحداً تختفي تحت جلده خطوط التقسيم.

وفي الوقت الذي يستعيد فيه اللبنانيون ذكرى قائد حلم بدولة العدالة، كانت الرياح الدولية تعصف بمستقبل بلدهم؛ إذ كشفت تسريبات جديدة عن توجه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نحو وقف تدريجي للمساعدات إلى لبنان، تحت عنوان “لا شيء يستحق”. هذه الخطوة تعكس تبدّلاً جوهرياً في النظرة الأميركية إلى لبنان، وتضعه أمام تحديات اقتصادية وأمنية خطيرة. بالتزامن، تواصل إسرائيل حملتها الأمنية ضد “حزب الله”، متجاوزةً الخطوط الحمر بعمليات اغتيال دقيقة وفرض منطقة عازلة بالنار جنوباً، في وقت يبدو فيه الحزب مكبّلاً بالمعادلات الداخلية والدولية الجديدة.

في المقابل، يتصاعد القلق في طهران، حيث بدأ المسؤولون الايرانيون، وعلى رأسهم الرئيس الأسبق حسن روحاني، يعترفون علناً بأن وضع البلاد “خطير”، وأن قدرة الردع العسكري أصبحت ضعيفة. ومع تراجع النفوذ الايراني في سوريا والعراق ولبنان، وتزايد الضغوط الاقتصادية، يواجه النظام الايراني لحظة الحقيقة، التي قد تجبره على مراجعة موقفه من المفاوضات مع الغرب.

الحريري: دماء الشهداء دفاعاً عن لبنان الحر
بمناسبة ذكرى استشهاد الزعيم كمال جنبلاط، قال الرئيس سعد الحريري: “صحيح أن دماء كمال جنبلاط ورفيق الحريري جمعتنا، ولكن يبقى القاسم المشترك الأكبر بيننا هو السعي لتحقيق حلمهما بالعمل مع الجميع من أجل ربيع دائم”.

وأضاف في بيان: “الى الصديق الكبير وليد جنبلاط، الى الرفاق في الحزب التقدمي الاشتراكي، تأتي ذكرى اغتيال القائد كمال جنبلاط هذه السنة على وقع توقيف المتهم الأول في جريمة اغتياله بعد سنوات من الحمايات والمكافآت. قبل ٤٨ سنة اغتال نظام حافظ الأسد كمال جنبلاط ودخل جيشه إلى لبنان على دمائه. وبعد ٢٨ عاماً خرج هذا الجيش على دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري. انتظرنا عدالة الأرض لكمال جنبلاط ولرفيق الحريري ورفاقهما، فلم تنصفنا، لكن عدالة رب العالمين لا يمكن لأحد أن يهرب منها”.

وتابع: “شاء القدر أن تكون دماء كمال جنبلاط ورفيق الحريري، ومن سبقوهما ومن لحقوهما، دفاعاً عن لبنان السيد الحر المستقل وتمسكاً بالدولة ومؤسساتها، وشاءت الأقدار أيضاً أن نتشارك تحمل مسؤولية الاستمرار في هذه المسيرة، للحفاظ على الإرث الكبير رغم ما تعرضنا له من قتل ومحاولات إلغاء. اليوم نحن أمام مرحلة جديدة تتطلب منا جميعاً التعاون على إنجاحها، تحت عنوان بناء دولة طبيعية يكون فيها السلاح حصراً بيد الجيش والقوى الأمنية الرسمية، ويكون الدستور الفيصل بين الجميع، وأن ينضوي الجميع تحت سقف الدولة، فقط الدولة، ليكون لبنان أولاً قولاً وفعلاً”.

وختم الحريري: “صحيح أن دماء كمال جنبلاط ورفيق الحريري جمعتنا، ولكن يبقى القاسم المشترك الأكبر بيننا هو السعي لتحقيق حلمهما بالعمل مع الجميع من أجل ربيع دائم للبنان”.

وكانت النائبة السابقة بهية الحريري زارت على رأس وفد كبير من “تيار المستقبل” دارة المختارة لتقديم التعازي باسم الرئيس سعد الحريري الى عائلة الشهيد كمال جنبلاط، لمناسبة الذكرى الـ48 لاستشهاده.

وقالت الحريري في ختام الزيارة: “يشرفنا ان نشارك الزعيم وليد بك جنبلاط ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي تيمور بك جنبلاط الذكرى الثامنة والأربعين لإغتيال الزعيم الوطني الكبير الشهيد كمال جنبلاط وأن ننقل تقدير الرئيس سعد الحريري لصداقة المختارة الصادقة مع الرئيس رفيق الحريري في حياته وبعد اغتيال”.

ادارة ترامب تقترح انهاء المساعدات للبنان
أمنياً، كشفت رسالة بريد إلكتروني، اطلعت عليها “رويترز”، أن المسؤول في إدارة الرئيس ترامب، بيتر ماروكو، اقترح إنهاء المساعدات الأميركية تدريجياً للبنان والروهينغا، معتبراً أن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على “تقدير” مقابل دعمها. ووجّه ماروكو رئيس مكتب الشؤون الانسانية في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لإعداد مذكرة تُبرز “الاعتماد الغريب” للبنان والروهينغا على المساعدات الأميركية.

الرسالة، التي تأكدت صحتها من مصدر مطلع، تعكس توجه الادارة الأميركية نحو تقليص المساعدات الخارجية، ضمن سياسة “أميركا أولاً، التي أطلقها ترامب منذ توليه منصبه. وعلى الرغم من تجميد المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً، تم استثناء المساعدات الغذائية والانسانية الضرورية. ولم يتضح بعد ما إذا كانت المذكرة قد وصلت إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، أو مدى استمرار تدفق المساعدات إلى لبنان والروهينغا.

استمرار الاغتيالات الاسرائيلية
ميدانياً، لاحقت المسيرات الاسرائيلية سيارة في بلدة برج الملوك التي تبعد نحو 4 كيلومترات عن الشريط الحدودي، واستهدفتها بصواريخ، ما أدى إلى مقتل شخص، حسبما أفادت به وزارة الصحة العامة، وتبين لاحقاً أنه يتحدر من بلدة كفركلا. كما أدى القصف إلى إصابة شخص آخر إصابة خطيرة.

ونقلت هيئة البث الاسرائيلية عن مصدر أمني أن الهجوم في جنوب لبنان استهدف عناصر من “حزب الله”، وقال الجيشاالإسرائيلي: “هاجمنا عنصراً في (حزب الله) كان يشارك في نشاط إرهابي في كفركلا جنوب لبنان”.

روحاني: الوضع خطر وقدرة الردع ضعيفة
ومع التزام الحزب الصمت العسكري حتى الآن، وصف الرئيس روحاني الحالة في إيران بـ”الخطيرة”، لا سيما مع “ضعف قدرة الردع العسكري، والتي تعمقت بعد أن منعت خلافات داخلية شراء منظومات دفاعية متقدمة”.

واعتبر أن العقوبات مشكلة كبيرة للاقتصاد الايراني، قائلاً: “نخسر سنوياً ما لا يقل عن 100 مليار (دولار) منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي”.

وانتقد الرئيس السابق “فوضى نظام صنع القرار في إيران في مختلف المجالات”، مشيراً الى أن “أي شخص ينظر من الخارج يفهم ما يجري في هذا البلد، ويرى أننا نبدو وكأننا لا نملك أي خطة على الاطلاق”. ورأى أن “حل المشكلات الاقتصادية الايرانية غير ممكن من دون مشاركة بناءة مع العالم”.