في لقاء صحفي سُئلت السؤال الآتي:
يربط بعض السوريين مصطلح الديمقراطية بالغرب وببعض ممارساته التي يجدون أنها لا تتوافق مع الدين الإسلامي أو العادات والتقاليد السائدة في سوريا، ما رأيك في ذلك؟
نعم هذه الرؤية سائدة وشائعة لكنها قاصرة بالطبع، وجذرها هو الخوف وعدم الثقة بالذات، ولا محل لها في السياسة وبناء الدول. هناك مفهومات، مثل الدولة والديمقراطية والتعددية السياسية، أصبحت بدهيات في حقل السياسة، وهي منتج إنساني عام في الحصيلة، ومن دونها سنكون، كما هو حاصل، على هامش العالم والتاريخ.
نحن مثلًا لم نعرف “الدولة” في تاريخنا، وما عرفناه هو “السلطة” وحسب، وهما شيئان مختلفان تمامًا. الدولة بمعناها الحديث لا وجود لها في تفكيرنا، والسلطة بأشكالها المختلفة هي الحاضرة، وهذه إما أن تكون خيرة أو شريرة، أي إننا نعتمد على الحظ، ثم نتساءل من أين يأتي الاستبداد والظلم؟
كذلك، لم نتعرف في تاريخنا وثقافتنا إلَّا إلى نمط الحكم السلطاني بينما “الجمهورية” غير موجودة في تراثنا، وهناك الكثير من الأفكار والمفهومات الحديثة الأخرى التي ما زالت ثقافتنا غريبة عنها: الفرد، حقوق الإنسان، مفهوم الشعب والوطنية والمجتمع المدني بمعانيها الحديثة، وغيرها.
إذا كنا سنعيد إنتاج الاستبداد الذي قاومناه وحاربناه فأي فضيلة للثورة؟! الاستبداد الموجود في ثقافتنا كفيل بإعادة تنصيب استبداد آخر يختلف شكليًا وحسب. نادت الثورة بالحرية بصورة عامة، وليس من تجسيد لهذه الحرية على المستوى السياسي إلا في اعتماد النظام الديمقراطي. ليس معقولًا أن يُترك تقرير مصير بلد لفرد، وينبغي أن يشارك السوريون في تقرير مصير بلدهم من خلال المشاركة في بناء قوى سياسية تتنافس فيما بينها سلميًا للوصول إلى البرلمان، ومن ثم استخدام الآليات الديمقراطية المعروفة عالميًا في اتخاذ القرار ومراقبة السلطة التنفيذية.
لا بدَّ أخيرًا من الانتباه إلى مسألتين، وهما مسألتان تقبعان غالبًا في عقل المواقف المضادة للحداثة والديمقراطية والغرب. أولًا ضرورة التمييز بين غرب الثقافة والديمقراطية والحداثة والتقدم وحقوق الإنسان، وغرب الاستعمار، فوجود نزعة الهيمنة لدى الغرب لا يسوِّغ الازورار عن الثقافة الغربية وإدارة الظهر لها. وثانيًا، إن المقاربة التي تنطلق من قراءة الغرب من خلال الظواهر المتعلقة بالجنس وحسب هي السائدة لدينا، وهي قراءة مبتذلة ومختزلة وسطحية، وإن نقد بعض هذه الظواهر لا يعني إطلاقًا أن الغرب بلا أخلاق، وأن أخلاق مجتمعاتنا بخير. ويمكننا هنا الإشارة إلى كثير من الظواهر غير الأخلاقية السائدة في مجتمعاتنا، ليس أقلها الاستبداد على المستويات كافة، الذي يتفرع منه النفاق والكذب والخوف وامتهان كرامة الإنسان وامتهان الجسد وتعذيبه واعتبار المرأة كائنًا ناقصًا وشيوع العنف والفضائحية وخرق القانون وغير ذلك من الظواهر غير الأخلاقية.